الاثنين، 15 يوليو 2013

وسنبقى النموذج


لقد تعودت بين الحين والآخر ومنذ سنوات خلتْ ، ان ازور الحدود الشمالية واقف على ذكريات امتدت لأكثر من ثلاثين عاما ،كانت مليئة بالفرح والحزن ، ومشبعة بالأمل والخيبة .هذه الزيارة التي اتت بعد ثلاثة عشرة عاما على نبوءة باراك العظيمة التي انعمت على الشرق الاوسط بالهدوء والسلام ، وبورِكتْ فيها خطوات الحكمة والدراية .

وقفت متأملا بالشمال البعيد مستأنسا بتلك النسمة الشمالية ولسعتها الباردة ، لتذكرني بجبل حرمون وبهالة الشيخ الوقور . وقفت امام تلك البوابة التي عبرتْ من خلالها آلاف الأحلام والامنيات على امل نهاية السلام السعيدة وحسن جوار آمن وحر وكريم . وقفت امام تلك البوابة التي صدأت واكلتها الذكرى واحالتها الى التقاعد المبكر ، وقفت استرجع ايام التواصل والالفة والمحبة ، شاردا في الغد المجهول ، الى ان همس بقربي احد الزائرين سائلا : من اين انت ؟ اشرت له باني من لبنان ، قال : انا من تل ابيب ،  فقلت اهلا وسهلا ووو.... وسكتنا برهة ثم اشار بيده ناحية الشمال وقال : أيمكنك ان تدلني على مكان يدعى تلة الرحيّات ؟ اجبته بنعم واشرت له عن مكانها بالتحديد . وقف هذا الرجل متأملا بتلك التلة البعيدة وسرعان ما اغرورقت عيناه بالدمع ومسح خده والتفت الي وقال : هناك مات ابني ... هناك استشهد ولدي كما تقولون بلغتكم... لقد كان شابا يافعا ابن الخامسة والعشرين من عمره ، كان ضابطا شجاعا ومقداما ، لقد قالوا لي بانه سقط في مواجهة ضد اعداء السلام . شددت على يده وقلت له :هناك ،، في كل مكان لديّ ذكرى لاحد الرفاق ،، هناك فقدت جنودا وضباطا ، شيوخا واطفالا ، دفاعا عن حلم حلمنا به ربما  قبل اوانه ، او انه لا يجوز لنا ان نحلم بأكثر من اليقظة التي نعيشها ، بكى هذا الرجل وابكاني معه ، لعن ولعنت بدوري ، فكان تعارف اللعنة والدمعة وذكرى الولاء والانتماء .

اخي القارئ

لنا فوق كل تلة شاهد ، ولنا شواهد تشهد على البطولات والتضحيات ، وسبل مياه خلف كل زاوية ومنعطف تطفئ لهيب عطشى الحرية والوطنية ،لنا اسماء حُفرتْ في ذاكرة التاريخ ولنا رسائل تشهد على الايام المشهودة ، لنا ذكريات لا تمحيها فواصل ولا حواجز ، ذكريات تعتق ولا تصدأ ، انها ذكريات اجيال مرّت واجيال تمر ، واخرى ستمرّ محملة بالفخر والعزة والكرامة .

ما احوجكم الينا وما احوج هذا الوطن المسكين الى رسالتنا الوطنية الحقيقية ، وما احوج لبنان الى لبنانيين حقيقيين يعرفون لبنان الوطن ، لا كم لبنان في الوطن ، يعرفون كيف يحبونه لا كيف يدمرونه ، يعرفونه الوطن النهائي ، لا نهاية وطن ، كم احوجكم الى روح الجنوبي واخلاص الجنوبي وصبر الجنوبي ، كم احوجكم الى من يهديكم الى الالفة والمحبة والتآخي ، هكذا كنا في الجنوبي وهيهات ان تصبحوا كما كنا عليه الا اذا اقسمتم قسمنا وتعهدتم عهدنا ، فيا ايها اللبنانيون قفوا صفا واحدا وارفعوا الصوت عاليا ورددوا نعم للبنان لا لسواه ، نعم للوطن لا لسواه ، نعم لهذا التراب لا لسواه . كونوا القاعدة الصلبة من دون راية سوداء ، كونوا المستقبل بلا عباءة زرقاء ، كونوا مؤمنين بالله ولكن من دون حزبه ، كونوا الامل له ولكن من دون حركته ، كونوا احرارا من دون تيارات ولا تنظيمات وامشوا درب الصليب من دون تحية ولا اناشيد ، كونوا مثلنا وتعلموا امثولتنا ، والله ما صاح ديك جنوبي الا وولّدت الوطنية شبلا لكل لبنان ولأمة لبنان ولأرز لبنان .

ايها اللبناني

دع التعصب جانبا ، ودع الطائفة والمذهب والحزب والتنظيم ، ولنلقي نظرة سريعة على ما آلت اليه الاوضاع في وطن الاوجاع ، هذا الوطن البلد الذي استبحته انت اولا بولائك الأعمى لزعيمك ورئيسك ووزيرك ونائبك ، واقول قف وتأمل :

وطن بلا ولاء ،، وطن بلا انتماء ،،وطن في خبط عشواء ،وطن دون ماء ودون كهرباء ، دون دواء ولا استشفاء ، وطن الذل والعناء، والحمد لله بانك ما زلت تمتلك فيه حذاء، ولا زلت تركض خلف هؤلاء البلهاء ؟

تذكر ايها الأخ الكريم

سنبقى النموذج الذي يجب ان يعمّم على جميع مكونات الشعب اللبناني ، من احزابه وتنظيماته الى مؤسساته وجمعياته . لم نكن حزبا بل كنا موالاة ،لم نكن تنظيما بل  وطنيون مخلصون ، لم نكن جمعية بل كنا المجتمع اللبناني الاصيل وروح الامة اللبنانية الصالحة .

ايها اللبنانيون

سنبقى النموذج الذي لا بديل عنه ، سنبقى التاريخ الذي سيكتبْ تاريخ لبنان الحديث ،سنبقى الامثولة التي سيتناقلها الاطفال ،وسنبقى المثل الاعلى لكل شاب ومحب ومخلص .

سنبقى النموذج ،،، وستعودون الينا بعد ان تتلاشى نماذجكم وتختفي .

ستبقى هذه الظاهرة الفريدة من نوعها والتي لن تعود ابدا لأننا لا نستحقها .

سنبقى النموذج ،، للفخر والكرامة والحرية والاباء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق