السبت، 26 أكتوبر 2019

كلن


                           كلّن، يعني كلّن
هتافات الحناجر وصراخ المتألمين، والجياع. جياع البطون بعد ما اكل الحوت كل شيء أو بالأحرى الحيتان الهائجة، وجياع الحرية والقرار الحر والكرامة، ترى أيهما جوع امر وأقسى؟
نعم لقد عاث الفاسدون بالوطن منذ أكثر من ثلاثين عاما وهم هم نفس الفم ونفس الضرس في السلطة وعلى الطاولة وقرب الصحن اليومي، يأكلون ولا يشبعون حتى وهم نيام يأكلون، حتى في الصيام يأكلون، وقبل الأسبوع وفي الأسبوع وبعد الأسبوع وخلال الدفن يأكلون وهم يترحمون على حمل حملهم فحملوه الى المسلخ وتوزعوه. أكلوا كل شيء بحجة الاستقرار تارة وبحجة التلازم تارة أخرى، بحجة التصدي للعدو أحيانا وبحجة مؤازرة الشقيق أحيانا أخرى، بحجة الحرص على أمن الأشقاء وفكرة دعم الحلفاء، ونحن في كل حالة حالة نرضى لا محالة بحجة الاستحالة.
أيها اللبنانيون
حراككم حرك كل ضمير وسعيكم حمّس كل متخاذل ومساركم دفع المتردد للاقتناع والمشكك لليقين، فلا تخذلوا من وجد فيكم الأمل والمستقبل والتغيير والإصلاح والتقدم، فيا سبحان الله كيف رسموا لكم شعاراتهم لتكون الكلمة المدوية لإسقاطهم.
نعم كلهم يعني كلهم، من أمراء الحرب وقادة الميليشيات وزعماء العصابات الى كل من شاركهم النهب والفساد في كل الحكومات، لاتدعوا أحدا يفر  أو يهرب أو ينجو من فعلة فعلها وحاسب غيره عليها وحكمه وسجنه ونفاه وشرده .ليجربوا الجوع والبهدلة ، ليجربوا السجون والإهانة ، ليجربوا الذل ودعس الكرامات ، ليجربوا الركوع على أبواب الزعامات من اجل لقمة أو وظيفة ، ليجربوا الزحف أمام أبواب المستشفيات من اجل طبابة أو علاج ، ليجربوا الانتظار خلف الرغيف ، وفوق كل ذلك ليجربوا ذل الخنوع والولاء المدمر ، ليجربوا إنشاد النشيد الوطني مرة واحدة هذا اذا كانوا يعرفوه ؟
أيها الشعب الحضاري
إنها ثورتك البيضاء فلا تدع أحدا يشوه صورتها، ولا تخف من الدلالة بالإصبع والنطق بالاسم والميول، حاربهم بأبسط سلاح وافتك سلاح بالنأي بالنفس الذي ضقنا ذرعا به سياسيا، بالنأي بالنفس عنهم وتركهم وإهمالهم وعدم ذكرهم، وعدم مشاركتهم لا بحزن ولا بفرح ولا بمناسبة، دعهم يشعرون بالوحدة منبوذين مبعدين، قلل من شأنهم ومن شأن التعاطي معهم، هكذا نحمي الثورة من هذا الفيروس السام وهذا الدخيل على شرف وعزة وكرامة الوطن.
نحن شعب لبنان العنيد لا نركع إلا في الجامع والكنيسة والخلوة والحسينية، ولا نطلب إلا من الله عزوجل، سنحاسب من دمّر بلدنا وسنحاسب من دمر اقتصادنا، سنحاسب من فكك مجتمعنا، سنحاسب من أرهبنا سياسيا واقتصاديا ودينيا واجتماعيا وتربويا وسنعيد الحياة الى جنة الشرق كما كانت.
أخي في الوطن، أخي في العبادة، أخي في النضال، ضع يدك بيدي وكتفك جنب كتفي ولنتقدم بصوت واحد
كلنا للوطن     للعلا للعلم

الاثنين، 21 أكتوبر 2019

غطاء ام حذاء


  وأخيرا اطل الحق من حناجر عطشى لقول الحق،
أطلت الحقيقة لتقول لنا ها أنا فانطقوا بي ولا تخافوا،
أخيرا بزغت شمس الحرية وأطلت جموع الناس لاستعادتها
أخيرا نزل أبطال بلادي الى الميادين من دون سؤال من أنت؟ ولمن أنت؟
وأخيرا تشابكت الآية مع الإصحاح، وهتف الجرس للمئذنة معلنين بدء ثورة لبنان الحقيقي، لبنان الفينيقي، لبنان قدموس وجبران، لبنان فخر الدين والأمير الشهابي، لبنان سعيد عقل ونعيمة، لبنان التاريخ من كمال جنبلاط الى رفيق الحريري مع تحيات قافلة الشهداء الأبرار الذين سقطوا دفاعا عن الوطن النهائي لبنان، أخيرا بزغ نور لبنان الإمام موسى الصدر والبطريرك صفير، نعم هذا هو لبنان وهذا هو شعب لبنان العظيم الحقيقي.
إخوتنا من في الساحات تحت الشمس والمطر ، أهلنا من في الطرقات والمفارق ، يا من حملتم علم لبنان وحملتم معه آمال الملايين المساكين المتشوقين لأمل جديد ومستقبل جديد ، انتم الذين ترفعتم عن المذهبية والطائفية وعن الأحزاب السياسية سبب كل علة وسبب كل مرض وفقر وانحطاط ، انتم لسان حال الجميع وانتم محط أنظار الجميع ، فلا تستسلموا ولا تضعفوا واستمروا بهذه الانتفاضة المباركة وهذه الثورة الشعبية النقية الصافية ، ارموا كل الخلافات جانبا واتحدوا لتنقذوا الوطن من براثن من نصب نفسه سيد الوطن وحامي الوطن ،انقذوه من الفاسدين والسارقين وتجار البشر والحجر، ارموهم في اسفل القاع ولا تنظروا خلفكم ، انه الوقت وحان الوقت وصار الوقت لنقول كفى ، نعم كفى ،
كفى تسلطا، كفى فسادا، كفى نهبا، كفى كذبا، كفى استهتارا بنا، كفى جرنا الى حيث تريدون، ومنعنا من الذي نريد، كفى سحق هويتنا ودحر تاريخنا وهدم هيكلنا.
أخي اللبناني
بالامس اطل علينا السيد حسن نصرالله بإطلالة لا تخلو من الريبة والحذر، إطلالة لا تشبه سابقاتها من إطلالات الشرح والسرد والتباهي والذم والمهاجمة مسترسلا بعبارات الشعور بالوضع العام للمواطنين وداعيا الى رص الصفوف لإعطاء المواطن حقه الذي سلبه إياه العهد أو العهود السابقة ، ولكنه سرعان ما انتفض وعاد الى عاداته السابقة بالتحذير تحت طائلة السلاح وبمد الإصبع الذي عود عليه اتباعه وأنصاره وخوف فيه من يعارض أو يتحفظ ن عاد ليطلق شرارة الاستعلاء والتباهي ويعلن ان نزوله الى الشارع له ثمن وله نتائج وله تداعيات لا يتحملها الوطن . نعم يا سيد حسن صدقت فان الوطن لم يعد يتحمل إملاءاتك ولا توصياتك ولا أوامرك فالجميع بات يعرف أن كل بلاء الوطن هو منك ومن حزبك، وان كل فقر الوطن هو من سياستك في التبعية وتفضيل الغريب على القريب، لم يعد خافي على أحد بأن كل قرش يدخل الى لبنان لك منه حصة الاسد وان كل صفقات الحكومية كانت بالتغاضي منك بعد دفع الفاتورة، نعم إنك شريك كامل في مأساة اللبنانيين إسوة بباقي الشركاء وخاصة الحلفاء الأفاضل.
أخي اللبناني
أيها المسيحي وعذرا في أن أتوجه أليك طائفيا وخاصة أنت أيها العوني أو (التيار الحر)؟ ولا اعلم إن كنت حرا فعلا، أتوجه اليك وأتهمك مباشرة بالمسؤولية عن كل ما حصل للوطن منذ العام 2005 كونك كنت ولم تزل الغطاء الذي يطلبه ويستميت من أجله حزب الله. نعم رضيت أن تكون الغطاء لتصل الى الرئاسة وللأسف وصلت وأصبحت كما تريد ووضعتنا حيثما تريد، وتلاشت فكرة الحليف وضعفت مقولة الشراكة الى أن أصبحت تابعا قابعا تنفذ ما يريد الحزب على امل التتابع بالوراثة والانتقال العائلي، ولكنك تجهل فعلا ما أصبحت عليه وما تحولت اليه من غطاء الى حذاء.
 أنتم أيها المناصرون للتيار، كيف تقبلون بكلام زعيمكم وقائدكم الأغر جبران باسيل؟ فاذا كان هو لا يخجل من الذهاب الى سوريا فلماذا سكوتكم عن هذا العار؟ نعم عار لحق بكل لبناني شريف، دماء شهدائنا من جراء الغدر السوري وحلفاؤه لم تجف بعد، ولم تزل عصابات النظام السوري قابعة في لبنان تتحين الفرص لضرب الوطن، الى أين أنت ذاهب أيها الفيلد مارشال جبران؟ أذاهب لتدعم للمساواة بالاحترام والتقدير الدبلوماسي على الأقل بين البلدين؟ أم أنت ذاهب لدعم عودة السوريين الذين اجبرهم نظامهم على الهروب؟ أم أنت ذاهب لجلب اللبنانيين الأسرى بالسجون السورية؟ أم لجلب جثث اللبنانيين الذين أعدموا على يد ذلك النظام؟ ا مانت ذاهب لتجدد الولاء المباشر دون الوسيط الحزبي للنظام السوري على امل الرئاسة الأولى؟
أيها الأخوة
كلكم مسؤولون عن هذا الوضع وكما يقول المثل الشعبي "من الحفة للّلزقة"، كلكم نهبتم وسرقتم واستغليتم وكنتم شركاء السيد في كل شيء، يغطي أعمالكم مقابل تأييدكم له فأنتم أكثر من شركاء وأكثر من خونة وأكثر من فاسدين،تخليتم عن القرارواصبح الوطن بفضلكم سلعة بيده. فاذا كان مشروعه السياسي إيراني أو سوري أو ممانعة أو صمود أو القضاء على العدو، فما هو مشروعكم؟ الدولة القوية؟ بوجه من؟ ولمن؟ أو التغيير والإصلاح؟ إصلاح ماذا؟ أو تغيير من؟
جمهورية قوية؟ وغالبية الشعب تحت خط الفقر والإهمال؟ اشتراكية او ديمقراطية أو مستقبل أو. أو... وأنتم بحالة لا انتماء ولا ولاء للوطن بل للخارج كلكم، كلكم دون استثناء.بايعتم وبعتم وهل بقي شيئ لتسموه وطن؟
إخوتي اللبنانيين
لنقل الحقيقة كما هي ولنقل الكلمة الصريحة دون مواربة، ملايين الدولارات هدرت على الكهرباء والنفايات والمياه والصفقات المشبوهة، ولا أحد خلف القضبان أو على كرسي المساءلة، وحدهم من يطالبون ويعانون في السجون، وحدهم من قدموا للوطن ما لم يقدمه غيرهم في السجون، وحدهم من يؤمنون بالوطن النهائي بالسجون، وحدهم من ليس لهم سندا ولا حزبا أو تنظيما خلفهم بالسجون. نعم آن الأوان للانتفاضة والثورة، آن الأوان ليعرف كل سياسي وكل حزبي حده وخطوط تماديه.
إخوتنا ليتنا نستطيع أكثر من التضامن، ليتنا نستطيع أكثر من الكتابة، ليتنا نستطيع المشاركة الفعلية ولكن قدرنا أن نراكم من بعيد ونبكي من قريب ونشد على حناجرنا علها تصلكم عبر الحدود.
نحن من دفع الأثمان الباهظة منذ العام 1969،نحن الجنوبيون الاوائل من باعتنا الدولة، نحن من استباحنا واستباح ارضنا عرفات وثورته،نحن من دفع ثمن الاجتياح السوري والحزبي اليساري والاسرائيلي،نحن من دفعنا ثمن الهيمنة الحزبية لحزب الله واعوانه، نحن من أرضيْنا الجميع على حساب عمرنا ورزقنا، نحن من هُجّر واُبعد، دفعنا شهداء وجرحى وأيتام ومفقودين وبعد أكثر من خمسين عاما لا زلنا على أتم الاستعداد للمتابعة والتحمل على امل أن نراكم تنقذون ما لم نستطع أن ننقذ، وتفعلون ما لم نستطع أن نفعل، تابعوا واستمروا فالحق معكم والله معكم وقلوب اللبنانيين من كل أنحاء العالم معكم.
آن الأوان للتغيير، آن الأوان لولادة لبنان الجديد.
آن الأوان للثورة البيضاء الراقية.


الاثنين، 16 سبتمبر 2019

لوين بعد؟



عادت في الآونة الأخيرة نغمة اللبنانيين البسطاء السذج حول العمالة والعملاء بعد عودة النقيب السابق في الجيش الجنوبي الأخ عامر فاخوري الى لبنان. نعم هذا ليس بجديد على قوم اعتاد النهوض كلما وُخز واعتاد الكلام كلما اُمر واعتاد الصياح كلما باضت الصديقة أو الشقيقة أو بدأت تنقشع الحقيقة.
عشرون عاما مضت وكأنها قرون من الانتظار، لا للعودة الى الوطن بل لمشاهدة نهوض وطن داس عليه هؤلاء القوم الذي رأيناه ينتفض ويهد ويرعد دفاعا عن "الكرامة والحرية".
عشرون عاما ونحن ننتظر ظهور المخلص الحقيقي لبلد القديسين والأئمة والأسياد، وها نحن نرى استمرارية الولاء والانتماء للسيد البعثي والفقيه الفارسي، وبأعلى الصوت وبكل وطنية نزحف نحو مستعمرة ابرويز ومستوطنة عفلق.
نعم كنا في حرب لا هوادة فيها ولا تهاون ، نعم كنا على مفترق طرق ما بين الوطن الحر المستقل وبين دولة عرفات البديلة ، وحملنا السلاح فيما كانوا هم يحملون أبا الهول وأبا الجماجم على راحات الأيدي بدءا من اليسار السياسي وصولا الى التطرف المذهبي .نعم واستمرينا بحمل السلاح ووقفنا ضد الوصاية العربية وعطف الأشقاء الى أن أصبحت احتلالا عسكريا استمر لثلاثين عاما عمل المحتل السوري على تغيير الهوية اللبنانية بكافة جوانبها وانتم كنتم بجانب المحتل المغتصب بل  اكثر من ذلك حاربتمونا بكل قواكم لنزعنا من الجنوب ولتسهيل بسط نفوذه على كافة الأراضي اللبنانية .نعم واستمرينا وبعد انتهاء عهد إمارة أبو عمار وانكفائه الى الخارج ومن ثم الى دويلته المستقبلية ، وبعد الأرز والورد والزهر في استقبال الجيش الإسرائيلي المخلص لهؤلاء الجهلة الذين رأيناهم اليوم يرهولون الى سجن الخيام ، نعم هم انفسهم ولو اختلفت الأسماء والأعمار ولكنهم مذهبا واحدا وقَسَما واحدا وصلاة واحدة .نعم تغيرت الموازين وأبرمت الصفقات وتغيرت مواقع القوى وتبدلت الأسلحة وانتهى الاحتلال الإسرائيلي وتبعه الاحتلال السوري لندخل في احتلال آخر عسكري وديني وثقافي واجتماعي ، احتلال للهوية وللقرار والقبض على ما تبقى من الهيكل اللبناني لجعله مطية إمام قُم وعكازة نظام القرداحة .
ونحن في الجنوب كنا من الستينات اللقمة الشهية لكل من يرغب ولا زلنا مكسر عصا لكل من يريد أن يلعب وأنتم لا زلتم أدوات الرغبة واللعبة.
عملاء؟ عملاء؟ ومن في لبنان ليس بعميل؟ هذا إذا سلمنا جدلا بالمفهوم المجازي للكلمة.
عملاء إيران وعملاء سوريا وعملاء السعودية وعملاء كوريا وروسيا الى ما هنالك من أسماء تستطيع أن تدفع وتمول، الستم كلكم عملاء؟ أوا ليس لكل من هذه الجهات سجنا في لبنان بمعنى أو بآخر؟ ناهيك عن سجن لبنان الكبير وكم من جزارين تبادلوا الأدوار والمهمات.
نعم، أنتم يا من وقفتم في سجن الخيام للمطالبة باشد العقوبات على عامر فاخوري، هل تتجرؤون بالوقوف بوجه جزار سجن روميه؟ أو سجن وزارة الدفاع اللبنانية أو سجون حزب الله المنتشرة والله ولي التوفيق؟ هل تتجرؤون بالوقوف أمام إشارة سير للمطالبة بسجن جزار السجون السورية المكتظة بالمساجين اللبنانيين أو بالأحرى بجثامين اللبنانيين؟ هل تتجرؤون بالوقوف دقيقة صمت واحدة على روح الطيار اللبناني سامر حنا؟ وقاتله سيدكم ومرشدكم وضاوي دربكم؟
لنتكلم بصراحة وبمنتهى الحرية (ربما أنا استطيع التكلم بحرية فقط) في مسألة العداء لإسرائيل من بلد تحكمه الطوائف والمذاهب، ولا يختبئنّ احد وراء إصبعه، إن عدوك ليس بالضرورة عدوي وان صديقي ليس بالضرورة صديقك، يكفي من المهاترات والمزايدات في قضية العداء لإسرائيل فوالله ما من عدو لنا إلا من يضمر الشر لنا ويسيطر على قرارانا ويتحكم بمصيرنا من اجل أهداف وغايات أنزلت عليه ،ما من عدو لنا الا من استباح البشر والحجروجعل من نفسه سليل القدر والمقدر، لكل منا حريته بالاختيار ولكن للأسف فان اختيارنا لم ينجح لأننا كنا الحلقة الأضعف بهذا الصراع وهي حلقة السلام والعيش الآمن الحر الكريم ، وهذا ما أثبتته الأيام في بلد غلب منطق السلاح فيه على كل منطق آخر، ودفعنا الثمن الباهظ فوق كل ما دفعناه وقبلنا باسدال الستارةعاى مغامرة المئات من الذين رافقونا وساروا معنا عبى درب المصالحة والتحالف مع اسرائيل من اهل السلطة السابقة والحالية ، مدنيين وعسكريين، مقيمين ومهاجرين، فارحموا انفسكم واسكتوا ، واسكتوا .
صدقا، لا أريد فتح صفحة الماضي الذي طويناها الى غير رجعة ولا أريد الدخول في جدل غير مجدي ولكني انصح تلك الأبواق الرنانة المأجورة من نواب وصحفيين ومحامين وجمعيات وأحزاب أن ينصرفوا الى عمل نافع ويدقوا ناقوس خطر إفلاس البلد وانهيار الوطن. دقوا جرس إنذار ليسمع الجميع وطالبوا بالقصاص من الذي يدفنكم بين أكوام النفايات، ومن الذي باعكم للخارج كمنتوج بشري تحت الطلب، ومن الذي سخّر صحتكم لصالح عصابات المولدات، ومن الذي أفسد الفساد نفسه من القصر الى النهر، ومن الذي يدفع بكم الى الهجرة والتسكع بالخارج،اطلبوا القصاص من ارهابي السلطة وسلاطين النهب وابادة المقدرات. نعم اطلبوا القصاص من الذين رهنوا أرزاقكم وكل ما تملكون بل الوطن برمته للخارج بدين فاق الاحتمال، وبحلف لا قدرة عليه.
وبالنهاية كنا بحرب نزولا عند رغبة دولتنا آنذاك ولم نخرج عن طاعتها أبدا، (واسألوا الفخامة والدولة والمعالي والسعادة) كلنا حاربنا وكانت لنا معتقلاتنا ونحن كنا نعتقل كل من يخالف نهجنا وأهدافنا كما فعل كل من قاتل في الحرب.
 دافعنا عن بيوتنا وقرانا ووجودنا بعد غياب الدولة وتخليها عنا.
 سجنا كل من رأى أن المنظمات الفلسطينية هي الأحق بلبنان،
اعتقلنا كل من حاول أن يحوّل لبنان الى محمية إيرانية أو مزرعة سورية
ابعدنا كل من كان ضد السلام والعيش المشترك
قاتلْنا كل من قاتلنا تحت أي مسمى أو هدف، وسجنا كل من تآمر علينا

كما كل الأحزاب اللبنانية التي انغمست بالحرب والتي كانت لديها معتقلات، كانت هناك أخطاء وتجاوزات ولكن هل يطبق مبدأ المحاسبة فقط على الجيش الجنوبي؟
مئات الألوف من القتلى بالحرب اللبنانية، وعشرات الألوف من المفقودين، والآلاف من المعتقلين، الم يكن لهم "جزارين" في مكان ما وزمان ما؟
اطووا صفحة الماضي واغلقوا هذا الكتاب الأليم، فان كنا عملاء فأنتم أيضا، وان كنا قتلة فأنتم أيضا، وإذا كنا خونة فأنتم أيضا وان كنا مأجورين فأنتم أيضا.
لنخرج كلنا من هذه الشرنقة ولنصنع حريرا دافئا يغمرنا كلنا.



الأربعاء، 22 مايو 2019

دمع احفادي


نهضت باكرا كعادتي وبدأت الاستعداد لهذا اليوم المميز غير العادي في حياتي وحياة أسرتي وآلاف اللبنانيين، مهاجرين أو مهجرين، مبعدين أو بعيدين، انه يوم اعتدت فيه أن أزور الحدود وأتفقد ما تركت وانظر إلى ما بنيت وأتألم على ما آلت اليه تلك الربوع العزيزة، وان أفي بوعدي لأولادي وأتابع ما قد بدأت به منذ تسعة عشر عاما بأن أقصّ عليهم كل عام قصة من الجنوب، قصة تعيد لهم الأمل برجاء جديد وأمنية جديدة.
ما أجمل العودة لحلم وان ضاع، ولمكان حتى ولو تغير، وما أجمل الوقوف دقائق وساعات من اجل ذاكرة لا أريدها إلا أن تبقى كما كانت محاولا نقل ما أستطيع لجيل نشأ بعيدا وكبر غريبا.
فاقت دهشتي حسرتي وأخذني العجب أكثر من الحنين حين لم أجد سوى القلة القليلة من الرفاق الذين اعتدت أن أراهم في مثل هذا الموعد. تألمت كثيرا ودمعت عيناي من يقين كان بالأمس القريب مستحيلا وها أنا أمام الذي كنت أخشاه دائما، النسيان ثم النسيان ثم النسيان.
لم أجد كلمة واحدة أقولها لأولادي علها تنقذني مما أنا فيه، ولم أجد وسيلة للهروب من واقع عودتهم عليه وأشبعتهم ترسيخا وإيمانا بأن الوطن لا يبدل أبدا. نعم ربما هذه المرة الأولى التي أجد فيها نفسي عاجزة عن الحوار وعن الكلام، خاب أملى وأثقلني الاستياء وأبكاني هذا المشهد المؤلم.
كسر الصمت وسألني: ماذا هناك يا أبي؟ ولماذا هذا السكوت المريب؟ قلت له انه الحنين والاشتياق، إنها العودة إلى الذات، إنها الذكريات التي لا تموت.
يا بني سأقص لكم قصة من بلادي، قصة من الجنوب، قصة عن الوحدة والتضامن والمحبة، قصة الخندق الواحد والهدف الواحد والمصير الواحد. هكذا كنا صغارا وكبارا جنودا ومدنيين من مختلف المناطق، جمعتنا حالة الوطن الممزق، وخلقنا حالة لوطن نمضي فيها قُدما يدا واحدة وهدفا وحدا. حلمنا بالحرية فدفعنا دما، حلمنا بالكرامة فدفعنا التضحيات، حلمنا بالسلام فدفعنا ضريبة البعد والتفرقة والتهجير، حلمنا بوطن فأفقنا على لجوء.
إخوتي وأحبائي
ليكن هذا اليوم دافعا لإعادة الأحلام إلى حقيقتها، لنتمسك بتربيتنا اللبنانية الصحيحة، لنحافظ على تراثنا الاجتماعي والأخلاقي، لنعلم أولادنا المحبة والتسامح والتضامن، لنكون أسرة لبنانية واحدة، ولنبني مجتمعا لبنانيا نتباهى فيه ونفتخر.
الثالث والعشرون من أيار، يوم مراجعة وتأمل ومحاسبة: ماذا عملنا وماذا أنجزنا وما يجب أن يكون مستقبلا. لنجعل من هذه الذكرى حافزا للحمة والتقارب، وإعادة ترتيب البيت الذي أوشك على السقوط، ولنجعل من هذا اليوم بداية قصة جيل جديد:" لبلادي مع دمع أحفادي".