الخميس، 19 ديسمبر 2013

من يجرؤ ؟


الكرامة والشهامة والمنطق والصدق، كلها نتاج حالة واحدة وهي الجرأة. الجرأة التي لا تتجزأ ولا تتقسم ، اما هي او لا .

نعم صديقي القارئ ان الانسان الجريء هو انسان سيد نفسه ، صاحب موقف وصاحب قرار . بدون شك ان الحرية تأتي من الجرأة ، فلا وجود لشعب حر دون جرأة ، ولا لصاحب قرار دون جرأة ، ولا لقوي وسيد نفسه دون جرأة ، ولا لصادق ولا لمنطقي دون جرأة ، انها الحجر الاساس في بناء الامم وتقدم الشعوب واستقامة المجتمعات .

صديقي القارئ

من يجرؤ ان يقف وسط الجنون ويصرخ للعقلانية ؟

من يجرؤ على الدوس على الامر الواقع وينطلق نحو الامر لواقع حقيقي ؟

 من يجرؤ على نفض غبار الهيمنة والسيطرة والاحتواء وينطلق باتجاه شراكة حقيقية شفافة عادلة ؟

من يجرؤ ان يقف ويشير بإصبعه علانية ويقول بكل بساطة " اعور ! اعور بعينك " حسب الحوار اللبناني الصريح ؟

انتم ايها القاطنون في العشرة آلاف واربعمائة واثنان وخمسون كلم مربع ولطالما تغنيتم بتلك المساحة الصغيرة التي ملأت الكون عباقرة ومفكرين ومغامرين ، انتم الذين رضيتم لأنفسكم هذا التقزيم لتصبحوا رقما في معادلة ربما انتم من وضع اسسها الاولى بقصد او عن غير قصد ، انتم اليوم اضعف من تكونوا جزءا فاعلا او كلمة لها محل اعراب وسط القرارات والمواقف ، لماذا ؟ لماذا ايها الشعب المغامر ؟ افقدت روح المبادرة والاقدام ؟

افقدت الكلام " الدغري ،، اعور !! اعور بعينك ؟

افقدت الجرأة ايها الجريء ؟

عزيزي القارئ

يكثر الحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية او حكومة وفاق وطني او حكومة تكنوقراط او حكومة ميثاقية الى ما هنالك من اسماء تعجز عن احصائها ملفات  السلطنة العثمانية ، ويكثر الحديث عند كل استحقاق دستوري بل عند كل تعيين او نية اصدار مرسوم ما، وايضا وأيضا عند كل زيارة وتُسمع اصوات هنا وهناك منبهة محذرة من ويلات الامور في حال تم الاتفاق على شيء ما وكأن هذه الزيارات الرسمية او غير الرسمية جاءت لشم الهوى والترويح عن النفس الا اذا كان صاحبها من دائرة الجنة وملائكة الر حمن .

اين نحن ؟ والى اين وصل بنا هذا الانحطاط الاخلاقي والسياسي والسلوكي ؟

من يريد تشكيل حكومة ما ، اسأله لماذا ؟ وماذا ستفعل هذه الحكومة بغض النظر عن مكوناتها او اسمها ، ماذا ستفعل اذا كانت محكومة بأمر حزب الله ؟ واي حكومة لبنانية منذ اتفاق الطائف تمكنت من حل مشكلة واحدة على الاقل سياسية كانت ام اقتصادية ام امنية ؟ اية حكومة منذ التسعينيات لم يكن فيها وزير الخارجية هو وزير النظام السوري وايران وحزب الله وينفذ السياسة الخارجية لذلك المحور ضاربا مصالح لبنان عرض الحائط ؟

اية حكومة لم يكن فيها وزير الدفاع الا ملحقا للمحور السوري الايراني منفذا سياسة دعم حزب الله " المقاومة" على حساب الجيش اللبناني والدولة اللبنانية ؟ ناهيك عن التربية والاتصالات والنفط والزفت والصرف الصحي والتوظيف والتشكيل والقضاء والحبل على الجرار بدء من رأس الهرم حتى آخر بواب مدرسة او حارس بناية .

اية حكومة في لبنان لم تكن مرتهنة كليا لإرادة حزب الله رغم ابواق المعارضين والرافضين الذي كانوا ولا يزالون اقل من زوبعة في فنجان ؟

اية حكومة في لبنان لم تكن لتعيش لولا تبنيها فكر ونهج وتطلع حزب الله والا !! اسألوا الرئيس الحريري وقافلة الشهداء من بعده ؟

اخي اللبناني

ازاء هذه المعطيات وهذه الوقائع المريرة نجد قاموس اللبننة وقد طويت بعض صفحاته والغيت صفحات اخرى تماشيا مع مصلحة المهيمن والماسك بالزمام ، نجد انفسنا امام اصطفاف طائفي ومذهبي لا مثيل له في تاريخ اي بلد متعدد المكونات السكانية ، وبالتالي فان القوة المسيطرة قد استقطبت بعض الفئات الاخرى اما بالترهيب او بالترغيب وصولا الى وضع يصعب فيه فهم الهدف والسلوك .

ان كل مسيحي مع حزب الله هو خائن لطائفته ، وان كل سني مع حزب الله هو خائن لطائفته ، وكذلك ان كل درزي مع حزب الله هو خائن لطائفته ،وكل شيعي ليس مع حزب الله هو خائن لطائفته ،هذه المعادلة المذهبية هي التي افرزت هذا الانقسام الذي وصل الى مجمل دوائر الدولة ومؤسساتها .

لن يأت رئيس للجمهورية بالمعنى الذي كنا نعرفه او نريده طالما ان اتفاق الطائف  سيكون له كما كان لأسلافه ، فلن يعطيه اكثر من غيره ، وهنا ضمن هذه السلة من الامتيازات ، اسيحدث فرقا لو كان الرئيس من هنا او هناك ... فلان ام فليتان ؟ بالطبع لا ، طالما اننا رضينا باتفاق الطائف وما تكرّم به على المسيحيين من فوائد وخيرات ، فلماذا هذه الانتفاضات ودب ناقوس الخطر من الفراغ الرئاسي مع العلم ان الفراغ هو افضل من رئيس واجهة يضعف المسيحيين اكثر مما هم عليه الآن ويكون غطاء ادفى واحنّ من الرئيس السابق اميل لحود .

ايها اللبناني

بالانتقال الى رئاسة الحكومة السنية والتي مهما علا شأن رئيسها، ومهما تنوعت مضاداته الحيوية ومهما تشعبت وسائل دعمه واسناده ، سيبقى رهينة الثلث المعطل الذي يريده حزب الله بقوة السلاح شاء من شاء وابى من ابى ، وسيبقى هذا الثلث السيف المسلط على رقبة كل رئيس لا يتبنى ويدافع عن مصلحة المحور السيء الذكر واسألوا الرئيس الشهيد الحي سعد الحريري ، وليس آخرا هو تخبط الرئيس المكلف تمام سلام في وحول الاثلاث والستات والتسعات .

والى الرئاسة الثانية والتي سيبقى على راس المجلس النيابي شيعي مهما كثر او قل عدد نوابه ومهما تغيرت المعادلة من المناصفة الى المثالثة او المرابعة ، سيبقى ملك الشطرنج حلاّل المشاكل وطارد الجن والعفاريت على راس المجلس النيابي منفذا سياسة المحور الشيعي من ايران الى البعث الى الحزب متخذا من بقايا اليسار اللبناني اليتيم من المسيحيين المغررين والموعودين ومن الدروز المنكرزين ، وبعض اهل السنة المقهورين ، متخذا منهم درعا وغطاء سياسيا داخليا واقليميا ، واذا اقتضت الضرورة دينيا لمصلحة الامة والولاية والفقيه والقيامة والعقاب والثواب .

اذا لنتجرأ ونقول ان لبنان هو محمية لحزب الله وتحت سيطرة السلاح المباشرة ، وهو يسرح ويمرح في ظل غياب الجرأة للوقوف في وجهه وعمل ما يجب عمله .

ايها اللبناني الجريء

لقد تملكت مني الجرأة بأن اطرح عليك بعض ما افكر فيه او بعض ما يجول في خاطر الكثير من ابناء هذا الوطن المشكل . دعني اقول :

اولا : لماذا لا نقسم لبنان الى دائرة انتخابية واحدة حسب النظام النسبي وتتنافس فيه ثلاث لوائح فقط تتكون كل واحدة من نفس عدد المجلس النيابي اي 128   اسما وتكون لائحة باسم 8آذار والثانية باسم 14 آذار والثالثة للمستقلين والذي يفوز يشكل حكومة اما مستقلا او بمشاركة من يشاء من اللوائح الاخرى ." مع الابقاء على المناصفة احتراما لاتفاق الطائف ".

ثانيا :طالما نحن في بلد ديمقراطي كما ندعي وطالما لن نستطيع بالمدى المنظور من تخطي الطائفية والمذهبية وطالما لن نستطيع ان ننجز قانونا انتخابيا عصريا ، وبموازاة النسبية المطروحة اعلاه ،لماذا لا نطبق المداورة في السلطات ؟

لماذا لا نتداور الرئاسات الثلاث : اي ان يصبح رئيس الجمهورية شيعيا ورئيس الحكومة مسيحيا ورئيس المجلس النيابي سنيا لفترة زمنية تكون نفس فترة رئاسة الجمهورية ، وهكذا تتبدل الوظائف كل ست سنوات وبذلك نكون قد انجزنا اللعبة الديمقراطية حسب الديمقراطية اللبنانية المذهبية .

ايها الجريء

حتى يحين موعد الجرأة وتبدأ الافعال وتختفي المواقف الراعية لهذا وذاك ، وحتى يحين موعد الانتفاضة المجيدة في وجه حزب الله واعوانه اطالبك ايها اللبناني الشريف واطالب كل سياسي وطني ومخلص بأن يتبنى هذه المقترحات ويعمل على تنفيذها واحترامها والسعي لإطلاقها ووضعها موضع الفعل وهي :

1-   الاقرار بأن لبنان محتل من قبل ايران والنظام السوري وحزب الله

2-   الاسراع بتأليف حكومة  ظل وطنية مقاومة لهذا الاحتلال

3-   وقف جميع الاتصالات السياسية مع حزب الله

4-   الاعلان عن مجابهة سلمية شاملة ضد حزب الله وشركائه بدءً بمقاطعة اجتماعية وتربوية وثقافية واعلامية واسعة ونشر مفاهيم هذا المحور الهدام ومدى خطورته على الكيان الوطني ككل .

5-   السعي لإبعاد شركاء الحزب عنه واستيعابهم بشتى الطرق ضمن دائرة الثقة المستقبلية .

ايها اللبنانيون

آن الاوان لاتخاذ الموقف الجريء ،

اما ان تنزلوا وتتمرجلوا ، او احملوا خيبتكم وارحلوا

 

 

الخميس، 21 نوفمبر 2013

فخامة الرئيس


لا ادري فعلا اذا كان من الصواب ان اكتب الى فخامتكم ، ولا ادري اذا كانت كتابتي المباشرة هذه ، هي خرق للأصول وتخطي للبرتوكول او ربما الخوف من ان اكون قد قفزت فوق حدود اللياقة وارتكبت مخالفة يعاقب عليها القانون ، ولكن المعروف عنا نحن اللبنانيون باننا نجازف كثيرا ونغامر اكثر ، وربما تجدني فخامتكم من اللبنانيين المغامرين القلائل الذين آمنوا في مكان ما وفي زمان ما ، بذلك العرين القوي الذي لا تهزه رياح ولا تثنيه شدائد عن سماع اصوات من ينادون ويأملون . اقول وانا على يقين بأن الكثيرين سيضعون الف علامة استفهام على كتابي هذا وسيرمونه بشتى عبارات التنديد والاستنكار والاستهجان ، كونه من لبناني مخلص ومن جنوبي مؤمن بوطنه ، في وقت لا يجرؤ جريء على قول الحقيقة  ،لأنه لا يزال تحت وطأة ان الحقيقة جرم وعيب وحرام .

فخامة الرئيس

تحية وطنية

تحية وطنية من مواطن مخلص تربى على الوطنية منذ نعومة اظافره ، تربى وسط عائلة وطنية لا تعبد الا الوطن بعد الله ، ولا تعترف بطائفة ولا بمذهب .تحية وطنية من شاب حفظ الوطن منذ ان كان يرسمه على دفتره الصغير ويرسم حدوده في مخيلة لا تعرف الحساب السياسي ولا صفقات الولاء ، حمله في مسيرة الاستقلال وفي ذكرى الشهداء وعيد الشجرة  ويوم الجلاء . شاب حمل لبنان مع الحسون والشحرور والباشق ، وحفره على جذوع الزيتون والصنوبر والسنديان ، تحية مراهق طبع الارزة على ذراعيه واسكنها قلبه قبل ان يرفعها علما ويحميها نذرا من فوهة بندقية وطنية شريفة .

فخامة الرئيس

تحية جنوبية

تحية جنوبية من جنوبي عاش المآسي والويلات من حروب الآخرين على ارضه ، ومن اطماع الطامعين واهمال المسؤولين ، من مواطن كان يُدل عليه بالإصبع على انه مواطن درجة ثانية وثالثة . تحية جنوبية من انقاض اتفاق القاهرة وبقايا ابي الهول وابي الجماجم وعناتر منظمة التحرير ، تحية من انصار الجيش اللبناني الذين فدوه بالغالي والنفيس وكافأهم الوطن بالطي والنسيان والتهميش . تحية من الجنوب الذي علّم الناس الصبر والصمود والتضحية ، هذا الجنوب الذي اهدى الوطن شعلة البقاء وسيرة النقاء وحكمة العقلاء .

فخامة الرئيس

تحية عسكرية من جندي حمل لبنان تاجا وزينه بألف نجمة براقة قبل ان تبرق نجمة عطاءه ومثابرته ،

تحية عسكرية من طالب احتياطي احاط الوطن بكل عناية واخلاص ومحبة ، فباركته صيدا برصاص الفتنة ، وقلدته النبطية وسام البندورة والحجارة ، واطعمته القليعة لقمة مغمسة بالفخر والاعتزاز .

تحية عسكرية من جندي قاوم الهيمنة الاجنبية وحارب اهمال السلطة وغيابها ،هبّ بعد ان ناداه الواجب ، وصرخ فيه الوطن لحاجة ملحة فكان من انصار الجيش ، ومن ثمّ من الجيش الى ان اعطاه الوطن شرف التجمع وثار بركانا دفاعا عن الوجود والكيان ، فكان الجندي وكان الضابط وكان المحارب الجنوبي الذي سخّر كل ما تطال يده لمصلحة الهدف السامي المشرّف .

تحية عسكرية الى القائد الاغر والبطل المغوار ، عندما قدتم الجيش في معركة الكرامة في نهر البارد ، وكم تمنيت لو استطعت المشاركة مع كثيرين ممن ارادوا لهذا الوطن العزة والكرامة .

تحية عسكرية ، في زمن ولّى فيه وقار العسكر وانحدر احترام البزة الخضراء وعلت قيمة اللحى وازدهر سوق الطوائف والمذاهب ،وراجت تجارة الجثامين تحت ذريعة الجهاد والآخرة .

فخامة الرئيس

اقول وبصوت عال ومدوي وبالفم الملآن !!!!

نحن من آمن في زمن كان ولا يزال الجميع في زمن جاهلية الكيان،

نحن من خدم وقدم وضحى في زمن هروب الآخرين وتقاعسهم،

نحن من تجرد في زمن المصالح،

نحن الجيش الجنوبي وبكل فخر واعتزاز واحترام نقول لفخامتكم : نحن العيش المشترك ونحن السلم الاهلي ونحن الوطن الحقيقي ونحن لبنان "نعيمة وجبران ".

نحن من دق ناقوس الخطر واطلق نيابة عن كل لبنان ، حارب ووقف في وجه من يهدد كيان الوطن ويقوض اسسه ومؤسساته ،

نقول لفخامتكم :

نحن الجيش واسألوا العماد حنا سعيد ومذكرته التاريخية ، واسألوا جيشكم في جزين في زمن جزين وحلم جزين .

نحن القضاء وحماة القضاء والقضاة واسألوا حضرة القاضي الياس نايفة .

نحن التربية والعلم وبناء الوطن والمواطن واسألوا الدكتور ايوب الشحيمي .

نحن الامن وحماة امن الوطن ورجاله المخلصين واسألوا العميد روجيه سالم .

نحن الولاء والانتماء وحجر البقاء واسألوا من غاب وعاد واجتمع وحاور وتحالف .

نحن ... نحن ،،، وكم من شهود خلف الكواليس واسماء بين القواميس ، كلمات منسية في زمن نسي اللبناني ابجديته واصبح في فقه الفارسية والعبرية والصينية ، ناهيك عن لغات الام الخليجية والاخت المريمية ، لغات لا نفهمها بل نطبق قواعدها والسرُّ في الثمن الزهيد والسوء المبرر .

فخامة الرئيس

عشية الاحتفال بيوم الاستقلال ، نتطلع ونحن في حيرة من امرنا نحو هذا الرمز وهذا المثال ونطرح على انفسنا تساؤلات عديدة حول هذا الاستقلال : بعضنا يشكك والبعض الاخر ينكر وآخر يبكي على استقلال حقيقي .

اي استقلال والسلاح ينصر فئة على اخرى ،

اي استقلال والولاء للخارج والانتماء للخارج ،

اي استقلال ونحن اضعف من ان نحل مشكلة ناطور احراج او حارس بناية .

اي استقلال والطائفة عندنا قبل الوطن .

اي استقلال وحماة الاستقلال خارج وطن الاستقلال ، وصاحب الارض مهجر فيها .

اي استقلال ولا نزال نحمل عبء اخطاء الآخرين ، فكم من اعباء تحمّلنا ، وكم من اثقال تثقل كاهلنا ، والى متى ؟

فخامة الرئيس

كم تحزنني المعرفة ، ولطالما تمنيت الجهل لأبقى سعيدا

ابكي على آتٍ لا امل فيه ، واسعد لغياب ماضي تألمت منه ، واخشى ما اخشاه من فراغ  ينهي ما تبقى من ركائز واسس .

 

حفظ الله لبنان من شر محبيه.

 

                                                 

الجمعة، 25 أكتوبر 2013

بق البحصة


يحكى ان راهبا متواضعا روحانيا يتقي الله ويسلك درب المخلص ، كان يجوب بين القرى والبلدات المنتشرة على سفوح الجبال يساعد اهلها ويصلح فيما بينهم ويهديهم الى عبادة الله والتقوى . ونظرا الى حسن سيرته واخلاصه وتفانيه بالعمل قامت الكنيسة بتكريسه راعيا لتلك المنطقة واصبح يعرف  ب" خوري الجبل " .

كانت الطرقات وعرة وقاسية ومخيفة ومرعبة ، وكان على الخوري ان يقطعها احيانا كثيرة بالليل وحيدا حين ينشغل ويأخذ منه العمل كل الوقت وكان لا بد من وجود شخص ما لمرافقته وتسليته بوحدته المتنقلة ، وهكذا وضعت الكنيسة بتصرفه رجلا شجاعا من ابناء تلك المنطقة ليكون المرافق والحارس والداعم والمسلي وطارد اليأس والجن والسأم .

لسوء حظ الخوري فقد كان مرافقه عبود سريع الغضب " زفر اللسان " لا يحسن الملافظ ولا يراعي الحضور ولا يعرف ادب السلوك طريقا الى لسانه ، يعني ما  "عندوش لا حضور ولا دستور " .  يشتم ويغضب وينرفز وما " بعد للعشرة " حتى اصبحت عاداته سيئة لدرجة النفور وعدم القبول .

لم يجد الخوري مفرا من تقبل ثقل مرافقه عبود ، ولكن نظرا لطيبة قلبه وخفة ظله وكرمه وشجاعته فقد وجد الخوري طريقة لسد ثغرات لسانه الاعوج والحيلولة دون لدغ مسامع الحضور، فقد طلب من صاحبه ومرافقه عبود ان يضع بحصة في فمه ولا ينزعها ما لم يطلب الخوري ذلك . قبِلَ عبود بالأمر لرغبته بالعمل ولمحبته بالخوري وهو الذي لا يريد ان يغضب اهل الدين ، وبذلك ضمن الخوري جوا آمنا بالحد الادنى من السكوت طالما تحكمُ الامرَ كلمة شرفٍ من عبود .

شاءت الاقدار ان مرّ الخوري على مقربة من قرية منسية بين التلال والجرود البعيدة تصارع البقاء بوجه الريح والبرد والثلج ، واذ به يسمع صراخ امرأة تحاول جاهدة لفت الانظار اليها تارة بالدعاء وتارة بالاستنجاد واخرى بالكلام غير المفهوم . طلب الخوري من عبود الاسراع بالسير والاقتراب لمعرفة ما يدور ، وبعد جلاء الامر وهدوء العجوز استطاعا معرفة ما تريد وهو القبض على تلك الدجاجة الشرسة الملعونة التي وقفت بوجه ام حنا واتعبتها وانهكت قواها .

تطوع الخوري لهذه المهمة خوفا من ان يقوم عبود بالركض خلف الدجاجة وتقع البحصة من فمه وتقع المصيبة معها " ويفلت الملق " معه ويعود الى سابق عهده من الشتم واللفظ المسيء . بدأ الخوري بالركض صعودا ونزولا خلف الدجاجة الى ان تقطعت انفاسه ونضب عرقه وفرقعت جوزته من العطش ، وتمزقت ثيابه من كثرة الوقعات بين الهشير والشوك والسياج ، الى ان التقط تلك الدجاجة وهي لا تزال تصيح وتقعقع وتضرب بجناحيها وتنبش الارض برجليها معلنة عدم الاستسلام لا للخوري ولا لام حنا . وضع ابونا الدجاجة بين رجلي ام حنا وقال لها هذه هي غريمتك وان كل شيء بخير وعلى ما يرام .

استغلت ام حنا وجود الخوري ومرافقه واخذت تطلب المزيد والمزيد من امور لا تخطر على بال حتى وصلت مواصيلها الى الحمار الذي تملكه مبدية اعجابها بحمار الخوري راغبة باستبداله ، وكل هذا وعبود على احر من الجمر بانتظار الفرصة الملائمة "لفش خلقو" بأم حنا وحنا وبأبي حنا ، ولكن الخوري كان يشير اليه دائما بالصبر والسكوت الى ان ضاق ذرعا بمطالب ام حنا وكاد ان ينفجر من تلك العجوز الشمطاء واحس بأنه سيخرج من ثوب الكهنة ليلبس ثوب عبود فصاح بمرافقه بأعلى الصوت : عبود .. بق البحصة ....

بق البحصة !!!

متى ايها اللبناني المسكين ستبق البحصة ؟

متى ايها المواطن ستبق البحصة بوجه من يهينك ويذلك ويشتمك الف مرة ومرة بين المرة والاخرى ؟

متى ستنتفض بوجه الذين صادروا ارادتك وحريتك وقرارك ؟

متى ستبق البحصة على من يأخذك ويجلبك ويطلعك وينزلك وكأنك دمية بل ان الدمية تشبهك ؟

اخي القارئ

يقولون لنا اننا على خلاف فيما بيننا واننا لا نستطيع حل مشاكلنا بأنفسنا واننا اصبحنا عبئا عقيما على المجتمع الاقليمي قبل ان نكون على المجتمع الدولي . يقولون ايضا ان لبنان اصبح سوق بيع وشراء حسب اسهم الانظمة المحيطة به او حسب التحالفات الداخلية المرتبطة بالخارج  ، ويقولون ويقولون الى آخر القصة ويعودون بنا الى ما كنا عليه  بمؤامرة من نسج من هو زعيم ورئيس وقائد وراعي ومصلح ، حتى بتنا لا نفرّق بين الكافر والمؤمن الا بالولاء الخارجي والانتماء القبلي والطائفي والمذهبي .

اخي القارئ

يختلفون .. فنختلف ، يتصالحون فنتصالح ، يتحالفون فنتحالف ، وينفصلون فننفصل ،مع بحصة او بدون بحصة  ، فمُنا مُقفل وبسمتنا حسب الحاجة وطاعتنا عمياء دائمة .

عجبا ! عجبا !

اين نحن وفي اي عصر نعيش ! نجتاح الجامعات ونحفظ الكتب ونحلل المقالات ندرس وندرّس بأعلى وأرقى الجامعات والكليّات ، وترانا نركع ونسجد امام الشاشات ونطأطأ الرأس ونصفق والويل اذا لم نصفق فنحن العملاء المأجورين ، نقبل ان اُمِرْنا ونرفض ان اُمِرنْا .

تبّا للعلم وللحرف ،وتبّا للعارفين وللمتعلمين ، تبّا للفقه وللفلسفة امام علم وفقه وفلسفة ومعرفة سياسييّنا وقادتنا وزعمائنا . تبّا للوطن امام الانتماء والولاء ، تبّا للحزب امام الطائفة وتبّا للطائفة امام المذهب وتبا للكل امام المصالح الشخصية والمنفعة الفردية . تبا للإنسان امام  الانسانية فقيمته قيمة ما يساوي جيبا او صوتا او رقما .

بق البحصة

اتريد ان يأتيك احد ليعصر ويعصر لعلك تبق ؟

ام انك تريد ان تُداس وتداس لتحس وتبق ؟

ام انك تريد ابقاء البحصة في الفم لتسد رمق الجوع ؟

فوالله ليس هناك جوع اشد من الجوع الى الكرامة والحرية ،

وليس هناك احتقار اشد من مصادرة القرار،

وليس هناك من بحصة الا وتسند خابية ،

"بق البحصة " قبل ان تصبح  "دبشة " يصعب بلعها ويستحيل بقها .

الاثنين، 7 أكتوبر 2013

اللحى ما بين العار والوقار


 

ومرة اخرى يقف شاهين حائرا ، لا يعرف ماذا يفعل ولا يدري ما هو مناسب له . وقف امام مرآة ينظر الى حاله متفقدا كل شبر من قامته فاحصا بدقة متناهية هندامه المميز لهذا اللقاء المميز .

احتار شاهين في امر بدأ يقلق الكثيرين من اصحاب المواعيد واللقاءات سواء كانت اجتماعية ام غرامية ام ذات صلة بالأعمال والصفقات وحتى اللقاءات السياسية منها ، هذا القلق الذي بدأ يكبر ويتنامى مع تفشي ظاهرة التطرف والانقسام الديني والمذهبي ومتناولا كافة شرائح المجتمع ، الا وهي ظاهرة " الالتحاء " .

عزيزي القارئ

كم كانت اللحية تبعث على الطمأنينة ، وكم كانت تبعث على راحة النفس وهناء اللقاء ،سمة اهل الدين والمؤمنين من كافة الاديان والمذاهب. كم كانت تفرض احترامها ووقارها وترسم طريق التعامل معها بحسن التصرف وادب الحوار والسلوك ، كم كانت السباقة الى يسرة الامور وحلحلة المشاكل والعقد ، بوضع الرضى والقبول والاخذ بالرأي الصائب والحكيم . كم كانت صديقي القارئ تبهج ناظرها وتُفرح من يقربها، كانت التقوى والنضوج والحكمة والاحترام.

صديقي العزيز

اين نحن الآن من هذه الظاهرة الجديدة القديمة ؟ اين نحن من القدرة على تصنيف اصحاب اللحى وتمييزهم ؟اين نحن من هذه الشعارات التي فاقت عدد الشعرات ؟ اين نحن ؟ ما بين الشك واليقين بان هذا مجرم بلحية ام مؤمن بلحية ؟ بين هذين السوادين يقع السواد المميت ، فأيهما نختار في لعبة الاقدار ؟

غضب شاهين من هذه المسألة المستعصية والتي اصبحت مزعجة الى حد الاحباط والقنوط ، فهو الذي ابى ان يحلق قبل يوم زفافه متمنيا ان ينعم الله عليه وعلى الوطن بالهدوء والسلام ، وكأن القدر بدأ في رحلة انتقام جديدة عبر احداث لا تمس بصلة الى الاحداث المعهودة امنيا ، احداث تعبث بالمصير بمجرد النظر الى اللباس او المظهر او تمييز لفظ الكلام ما بين لهجة او لكنة .

هذه لحية سوداء داكنة، طويلة تنساب حسب تقاسيم الوجه، انه شاب لا يتجاوز العشرين من العمر، ترى ما الذي استوجب هذا الشاب لأن يترك لحيته على هواها ؟ اهو القنوط ام اليأس ام الحرب ام الدين ام المذهب ام الشعار ام التوجه السياسي او العقائدي ام ام ام ،،، ام ان لا وقت لديه لهذه الكماليات ؟

كنا بالأمس القريب نعرف بمجرد النظر الى مثل هذا الشاب ونتأكد بأن مكروها قد اصابه او اصاب احد المقربين منه وهذا ما ندعوه بالحداد ، وكنا نتعاطف مع هذا الواقع المرير ، اما اليوم فنراه مع السلاح ونرجوه ان يعطف علينا وان يرفق بنا قبل ان ننطق من نحن ومن اين اتينا والى اين ذاهبون . هذه هي حال شوارعنا واحيائنا وسطوح منازلنا ومفارق طرقاتنا ، لحى تأمر واخرى تنفذ ، وهذه تكفّر وتلك تحلّل وثالثة تحرّم .

خشي شاهين من عبور الطريق وايقن ان حياده السياسي والديني والاجتماعي لن يرأف به عند هؤلئك "المتكملون" الافاضل ، فقرر ان يحلق ويتراجع عن نذره المقدس ولكنه سرعان ما ادرك انه ربما يتعرض للخطف مقابل فدية مالية على اساس انه من اصحاب الاموال والنعم نظرا لما هو عليه من هندام انيق في حال نعّم وتنعّم .

اخيرا قرر شاهين ان يتنكر ويقوم بدور "الاخرس" علّه يستطيع التنقل دون خوف من طرح الأسئلة : من انت ؟ ومن اين ؟ والى اين ؟ ، وهكذا نجحت خطته وعبَرَ دون اي ازعاج بمجرد انه لا يتكلم ولا ينطق ، ولا فرق ان كان بلحية ام لا .

اخي القارئ

هكذا نحن في لبنان اخي القارئ الكريم ، ننجح بالعيش شرط ان لا نفتح فاهنا الا للطعام ،، هذا ان وجد .

الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

حكي بحكي


، جف قلمي ؟ ام بدأت يداي ترتجفان ؟

لا ادري ، ولكن ما اعرفه تحديدا هو تلك الخطوط المتعرجة والاحرف المتناثرة وتلك الصعوبة في تجميع كلمة واحدة اضعها على سطر او ازين بها بعضا من صفحات فارغة  ...

ربما التقدم في السن وفقدان التركيز ، ربما الهم الذي لا يفارقني ، سكن في قلبي ، سيطر على تفكيري ، قاد حياتي وسلك مسلك سلوكي وسيطر وسيطر واصبحت اسير الامس والذكريات البعيدة .

ها انا اليوم امام صفحة متلبدة مزدحمة بأماكن وارقام وتواريخ ، الملمها وانسقها واحاول ان اجعل منها خارطة طريق لما تبقى لي من فلول التاريخ والجغرافيا والحساب وفق المعادلة الانسانية ولكن ،، كلنا الى الزوال ولا يهم متى واين وكيف بل المهم هو الايمان .

ايها القارئ العزيز

صدق اني احاول ان اجد موضوعا اكتب عنه ، موضوعا مقنعا لي اولا حتى يمكنني ان اقنعك فيه وبوجهة نظري ، اكان سياسيا ام اجتماعيا ام ادبيا . يئست من الدوران فلا السياسة سياسة ولا الاجتماع يعترف بابن خلدون ولا الادب يذكر جبران وطه حسين والعقاد ، ولا ولا الى آخر ادوات النفي والانكار .

شرق ملتهب وغرب مرتبك ، وعمامات تتوج وانظمة تتهاوى ، وخيارات تطرح واخرى تحذف من قاموس التداول ، وتبقى الشعوب المتعطشة الى الهدوء والطمأنينة ورغيف الخبز اكثر منها الى الشعارات الرنانة والعناوين الذهبية التي لا تسد جوعا ولا تروي ظمأ . وتدفع الثمن مرتين ، مرة الثمن الحقيقي بالمال الذي اشترى فيه النظام سلاح المواجهة والصمود والتصدي ، ومرة ثانية تدفع حياتها جراء استعمال النظام لهذه البضاعة وهذه "الشروة "، اسلحة نخبئها لتدمرنا ونحفظها لتبيدنا ، كل هذا والشرق بألف خير طالما ان الغرب يعجز عن مهاجمتنا ويكبح جماح حكامنا . نحن اهل الشرق لا نعرف للشرق شروقا لأننا لا نرى الشمس من زنزاناتنا وخنادقنا واقبية سجوننا المظلمة الظالمة ، فهيهات ان نعتز بأكثر من طوفاننا على مستوى سطح الفكر العادي البسيط .

ويطل علينا بين الفيهة والاخرى رجل يحاكي الجن في افكاره ويقرأ المستور ويكشف عن الحقائق ويتكلم ويشرح ويناقش وكأنه في صف محو الامية  وخلاصة الموضوع ان هذه المؤامرات التي تحاك ضد الشعب لن تمر ولن تمر ابدا طالما نحن هنا .

حكي بحكي

صفصفة كلام " ولتلتة" واستهتار بالسامع ، هذا اذا كان من يسمع ، فالحضور هو واجب سواء فهم الحاضر ام لا ، والمتغيب يجب ان يبرر غيابه بعذر شرعي والا ،،، سيغضب راعي الامة وحاميها .

ايها اللبناني

 ايها العبقري في فهم الكلام من دون كلام ، ايها الحذق الشاطر الذي يلتقطها على الطاير كما يقولون ، انت  ايها المتعلم المثقف ماذا تنتظر بعد ؟

ماذا تريد اكثر من ذلك ؟ وهل وصلتك الرسالة الحقيقية ؟ هل وصلك كتاب التعريف الخاص بك ؟ اتعرف من انت ؟

قبل ان اجيبك من انت ، اقول لك :

قف وخذ قرارك ، احمل سيفك وقاتل من اجل وجودك او احزم حقائبك وارحل  او وقع وثيقة استسلامك وعبوديتك ،

اختر وقرر، لقد حان الوقت لتأخذ المبادرة،،فبادر 

الأحد، 25 أغسطس 2013

شي سخيف


" كلمة بتجيبك ، وكلمة بتوديك "

مثل شعبي واقعي لاقى استحسانا وآذانا صاغية لدى شريحة كبيرة من الذين يسمعون اكثر ممن يتكلمون ، ويصغون اكثر ممن يدعون. هؤلاء هم الذين اوجدوا قيمة الكلمة من خلال قيمتها بالذات ، لا من قيمة متكلمها ومطلقها ، واذ بنا امام متحرك لغوي يهينُ احيانا وينصفُ احيانا اخرى ، فالكلمة ميزان القيم ومفتاح التلاقي ومدخل الاحترام والتقدير .

اخي القارئ

لقد احتارت الكلمة في إيجاد اللسان المناسب لها ، لينطق بها ويوصلها الى مسامع المحتاج والمتشوق. لقد احتارت الكلمة في ايجاد الشخص المناسب لتتبناه وتمضي معه الى الغاية المنشودة في صقل الفقه والقواعد والتعابير ، ولكن ،،،

هل يجوز ان ننسف مبادئ الكلمة بأذية الاذن الحاضنة لها ؟

اليس من السخافة ان نلعن الكلمة بكلمة هي من امها وابيها وعائلتها ومن نفس نسيبها الازلي ؟

اقف امام أمرئ متكلم بصفة القائد او الراعي او المصلح للجماعة، واحاول ان اجهد في فهم فهمه لقيمة الكلمة وقوة وقعها على اذني ، انا السامع المنتبه . انه يؤلمني ويقلل من احترامي حين يفرش الورق بسخافات لغوية لا يقبلها عقل ولا يهضمها منطق . تتوالى السخافات تلوى سخافات حتى يصبح من السخافة ان لا استمع الى تلك السخافات بل من المحرم عليّ ان لا انحني امامها ان لم اقل ان اقدسها واعبدها . نحن اليوم امام سخافات من نوع جديد دخلت قاموس اللغة اللبنانية ، لغة تهذيب الشعب واعادة تصحيح ماضيه وحاضره ورسم مستقبله بتسريحة لا تحتاج الى شعر لتقصه بل الى رأس لتلعب فيه .

عجبا !!! عجبا !!!!

يصدقون انفسهم بانهم اصحاب لغة واصحاب مقامات وبحور في فن الخطابة والإلقاء ، ولا يدركون ان سخافاتهم اصبحت نكتا ونوادر لكل امسية وجلسة ، هؤلاء السياسيون الحمقى الذين بسخافاتهم صدقوا ان الماء الساخن هو اختراع ....

عزيزي القارئ

لا يزال الوطن يمر في اصعب مراحل تهدد بقاءه كوطن وشعبه كشعب واحد متماسك حر كريم ، ولا يزال السياسي عندنا عند سخافاته وآرائه يرشق السامع بما وصلت اليه الشفاه وبما حاكته ارجوحة فكيه وعظمة لسانه ، في وقت اصبح فيه المواطن اقرب للحجر منه الى البشر .

تتلاعب بنا ايادي غريبة ونحن نعلم جيدا من هي ، وفجأة يطل علينا احدهم وسط الغبار والدخان عارضا بل فارضا الحقيقة التي يراها ، ونسأله عن اصلاح الوضع السيء وعن المستقبل الغامض ، وعن مخافة الله في عبيده ، نسأله الحد من الايادي العابثة ، فيخرج ماسات الكلام المصقولة : اسرائيل هي المستفيدة ، اعلموا جيدا ان العدو يريد التفريق بيننا ويريد زرع الفتنة ،،، ويعلو صوت امرأة تصرخ : هل رأى احدكم ولدي ؟ اني ابحث عنه منذ الكارثة ساعدوني ،،،، يتقدم منها ذلك الاسطورة الوطني الخام ويطبطب على كتفها : جازاك الله خيرا وانعم عليك بشهادة ابنك فأنت من الرابحين ونحن المتمنين ان نحذو حذوك .... وهكذا نكون قد لقنّا العدو درسا قاسيا في الوطنية والتبعية وطأطأة الرأس والطاعة العمياء، والاستسلام والتسليم.

شي سخيف ؟

ان يأتي حكيم من العالم الرابع او الخامس ليدون لنا بضعة ملاحظات عن حقوق الانسان وسط الحطام ويصرخ : لا يجوز ابدا ابدا سنعمل على ابعاد هذه الكأس عنكم بإقفال ملف الارهاب عندكم ، وان ما لديكم هو جوهر الديمقراطية وحقوق الانسان . اليس من السخيف ان يضع الاتحاد الاوروبي الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الارهاب ؟ واين سيضع جناحه السياسي الذي عطل البلد وعطل الديمقراطية التي يدعو اليها الأوروبيين ؟ واين سيضع جناحه المالي الذي اشترى النفوس قبل الارض ، وفرض الخوات وبيض الاموال ومارس التهريب والتجارة غير المشروعة ؟ اين سيضع جناحه الديني الذي كفّر الجميع وانكر انسانية الجميع واخذ الجميع الى تبعية الفقيه وسجن الولاية ؟ واين سيضع جناحه التربوي الذي تعب في تعليم الصغار كار الكبار؟ اني اسأل الاوروبيين ماذا تعرفون عنا ؟ وماذا تعرفون عن الشيعة وعن السنة وعن الدروز وعن .. وعن.. وعن ، بل ماذا تعرفون عن المسيحيين بحق ؟ ؟ اليست سخافاتكم هي التي اوصلتنا الى ما نحن عليه ؟ اليس تقاعسكم عن قول الحق وعن مساعدة المحتاج هي ما اوصلت العباد الى هجر البلاد ؟

ايها اللبناني المسكين

حكومتك تقدمت بشكوى ضد اسرائيل لانتهاكها للمجال الجوي اللبناني ، هذا حق متعارف عليه وهذا يندرج ضمن المنظومة الدولية التي رحب بها لبنان بل كان من مؤسسيها ولكن ، الا يجب ان يتقدم لبنان ايضا بشكوى ضد الاعتداءات السورية اليومية والتي تودي بأرواح المدنيين العزل ؟ الا يجب ان يتقدم لبنان بشكوى ضد التدخل الايراني بشؤونه الداخلية ؟ الا يجب ان يتقدم لبنان بشكوى ضد السعوديين والاتراك والمصريين والروس والصينيين وكل من يتكلم لغة لأننا اصبحنا مكسر عصا للجميع واصبحنا كرة تتقاذفها ارجل المجتمع الدولي ؟ لماذا ؟ لاننا ضعفاء ومستسلمون ومتخاذلون نفسح المجال لكل من يريد الشر بنا ونترك خياراتنا وورقتنا بأيدي سياسيين سخفاء .

من حمل السلاح مرة لا يخاف حمله مرة ثانية ، ومن صان استقلاله مرة يستطيع صونه ثانية ، ومن دافع عن الهوية مرة يستطيع ان يضحي من اجلها دائما ، ومن عاش الحروب كخبزه اليومي يستطيع ان يجعل الامن والسلام والحرية والكرامة خبزه ايضا ،
قف ايها اللبناني على رجليك وخذ قرارك بيديك واصرخ للوطن لبيك ، لننبذ العنف والارهاب والتبعية والولاء والانتماء وكل ما يبعدنا عن وحدتنا الوطنية ولنقف مرة واحدة ضد الارهاب بكل اشكاله ولمرة واحدة دون سخافات