الاثنين، 30 مارس 2015

كيري - ظريف


 هل يعيد التاريخ نفسه ؟ وهل سنشهد ما شهدناه قبل قرن من الزمن تقريبا؟

لم تغب عن ذاكرتنا ابدا قصة الزيارة التاريخية التي قام بها رئيس وزراء بريطانيا السابق لويد جورج الى الزعيم النازي هتلر في بير شتيسجادن عام 1936 والتي اكد من خلالها على انه استطاع ان يقنع الزعيم الالماني بالهدوء والتخلي عن العنف بإعطائه بعض الاقاليم الطامع بها في اوروبا وبعض الامتيازات الخاصة بالهيمنة والنفوذ وبذلك يكون قد ضمن ابعاد شبح الحرب عن اوروبا كما ظن واعتقد . نعم لقد خاب الظن وانقلبت الموازين وباتت القوة هي المعيار الوحيد في الحوار والمحاورة وفاجأ هتلر الجميع باجتياحه لبولندا ضاربا عرض الحائط بكل ما قيل عن التهدئة وعن التفاهم .هكذا كانت وبمختصر شديد الاحوال السائدة اوروبيا وعالميا قبيل نشوب الحرب العالمية الثانية ، حوار هنا وتنازل هناك وتشدد في مكان آخر ، انظمة تتقوض وانظمة تبصر النور ، ديكتاتوريات تنهار واخرى يلمع نجمها والنتيجة واحدة ، اكبر حرب مدمرة عرفتها البشرية ولكن: هل تعلمت البشرية منها ؟ وهل اخذت العبر الكافية ؟

صديقي القارئ

حوار اليوم بل حوار الساعة ومحط انظار العالم كله حوار ظريف- كيري ، طبق المثل القائل تمخض الجبل وولد فأرا . والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا هذا الحوار ؟ والى ماذا يسعى وزير الخارجية الاميركي مستعجلا راكضا متلهفا لعقد اتفاق بل صفقة لا تغني ولا تفيد بل تزيد المصرّ اصرارا والمذلّ اذلالا والخائف خوفا والمنتصر استبدادا .الم تعطي العقوبات نتيجة؟ الجميع يؤكد نجاعتها ومصداقيتها ، الم يشعر النظام الحاكم بالإرباك الاقتصادي والعزلة الدولية ؟ نعم حسب الاخبار والاقوال العالمية ، الم يحاول الشعب الايراني قلب الموازين الداخلية لإيصال الاعتدال الى السلطة ؟ نعم والغرب يتفرج ويتبع المقولة اللبنانية الشهيرة النأي بالنفس ،الم تتكبد ايران الحمل الثقيل والثقيل جدا والعناء الشديد لتصدير الثورة وايصال صدق وقدسية الثورة الاسلامية الى كل بقعة ممكنة؟ الا ترزخ ايران تحت الديون الخارجية والداخلية ومحاربة المجتمع الدولي لها اقتصاديا وسياسيا وماليا وثقافيا وحضاريا والى ما هنالك من اوصاف ونعوت؟ مع هذا كله لا اعرف لماذا هذا الحوار ، ولماذا يجلس الغرب مع ايران ليعطيها ما كان يرفض دائما التحدث به معها ؟ لماذا بعد كل هذه المعاناة العقيمة والجلسات والقرارات الدولية والتصويت وشغل بال الكونغرس والشيوخ ، وتجنيد الخليج كله وايقاظ حس المسؤولية الاوروبية واللقاءات الماراثونية ، بعد هذا كله لماذا الحوار ؟ والى اين يا سيد كيري تريد ان تصل وما هو الهدف ؟ اهو منع ايران من الحصول على القوة النووية؟ ام هو تأجيل حصول ايران للقوة النووية ؟ ام جعل ايران قوة نووية مع وقف التنفيذ لتقاسم الهيمنة مع من تراه اميركا اهلا لهذه وظيفة؟

اخي القارئ

لم يجرؤ احد على استعمال القوة النووية منذ الحرب العالمية الثانية ، مع العلم بأن معظم الدول المالكة لهذه القوة قد مرت بأزمات عديدة وحروب مدمرة ولم يفكر اي زعيم بهذا السلاح ، معارك اميركا في فيتنام وقبلها في الكوريتين، ومعارك روسيا (الاتحاد السوفييتي السابق) في افغانستان ، معارك اقليم كشمير بين الهند وباكستان ، حرب جزر الفوكلاند بين بريطانيا العظمى والارجنتين ، حروب اسرائيل والعرب ، واخيرا وليس آخرا القوة النووية لكوريا الشمالية والتهديد المستمر بها وليس لديهم ما يكفي لإطعام اطفالهم وجبة ارز واحدة . وبالتالي ما الفرق اذا امتلكت ايران هذا السلاح وما سيحدثه من اخلال بالتوازن . اعتقد صديقي القارئ ان سلاح الكلاشينكوف هو الذي يحدث الفرق بكل مكان لأنه السلاح المُستعمل اما السلاح المُخزن فهو عبئ وثقل على مالكه واثبتت الايام ذلك  وخير دليل تخلص اوكرانيا من هذا السلاح . حبذا لو كانت المحادثات مع ايران على تحديد النفوذ وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول الاخرى ، وعدم تغذية الاضطرابات والفوضى في كل مكان تستطيع ايران الوصول اليه ولن اقول في كل مكان تتواجد فيه الطائفة الشيعية ، نعم للأسف صديقي القارئ ومع احترامي وتقديري لهذه الطائفة الكريمة على اختلاف تسمياتها نرى ان البعض منها ينجر وراء اغراءات السلطة باسم الله عز وجل ،لا لشيء بل لبسط النفوذ والهيمنة . وانا اطرح السؤال على السيد كيري : هل تقبل ايران بالتخلي عن تصدير الثورة اي التخلي عن حزب الله في لبنان وعن الشيعة المعارضة في البحرين وعن الحوثيين في اليمن وعن النظام الديكتاتوري البعثي العلوي في سوريا ، مقابل سلاح نووي عن كل تخلي؟ اقول لك لا يا سيد كيري فان الهيمنة اهم بكثير من السلاح النووي وان كل هذا الحوار هو تغطية المطامع بالاحتلال والتاريخ يذكر بأن هتلر احتل اوروبا كلها بدون سلاح ذري ، فإلى اين ايها المحاور الفطن الذكي والى ماذا تسعى بعد كل ما رأيته من كلام هنا وعمل مناهض هناك ؟

اخي القارئ

ربما صحي الفكر العربي وتنبه لما يجري على الساحة الشرق اوسطية وخاصة المملكة العربية السعودية التي شعرت بالنار تقترب منها رويدا رويدا وبعد الاستهتار الاميركي بالاعتدال العربي الذي تمثله غالبية الدول العربية ، وبعد السياسة الفاشلة الاميركية بتدفيع العرب ثمن اخطاء الساسة الاميركيين بدءا من القاعدة بأفغانستان حتى الحوار الايراني الغربي الاميركي بامتياز مرورا بالعراق وسوريا وليبيا ولا ننسى مصر والموقف الأميركي من الاخوان المسلمين وما الى ذلك من تبعات اساءت كثيرا الى الدور الاميركي الراعي للتوازن العالمي والحافظ للاستقرار والامن العالميين ، وبعد كل ذلك وجراء كل ذلك انتفضت العربية السعودية ومعها كل القوى السنية المعتدلة للوقوف بوجه الهجمة الايرانية في اليمن لوضع حد للتدخل الاقليمي بالشؤون العربية الخاصة .

بوركت مصر والسعودية وبورك الخليج برمته الذي عودنا دائما على الانتفاض والوقوف مع الشعوب المضطهدة بالمساعدات المالية والدعم السياسي ولكن هذه المرة تغيرت اساليب الدعم لتتوجه الى مكان الجرح ومعالجة الجرح بالجراحة اللازمة . هذا ما كان يجب ان يكون منذ زمن بعيد ، بوضع الامور في نصابها واخذ القرارات المناسبة التي يجب ان تكون على قدر المسؤولية وعلى قدر الرهان الحقيقي .استمروا بهذا النهج ولا تتوقفوا ولا تترددوا ولا تعيروا انتباها للأبواق النافخة من هنا وهناك ، ولا تتراجعوا حتى يعي كل من تتوق نفسه لإمبراطورية او لخلافة بان زمن المبايعات قد ولىّ وزمن الولاء قد انتهى .

اخي القارئ

لقد ضقنا ذرعا بتفاهات الخطابات ، والكذب بالحجج والبراهين ، واللعب على اوتار المذاهب والدين ، نعم ضقنا ذرعا بأقليات تنتفخ بتخمة السلطة والجاه لتظن انها الاكثرية تحت دولاب الديمقراطية الغربية السخيفة ، ضقنا ذرعا بالمتاجرة بأرواح الناس على انها اسهم بورصة النفوذ والتحكم ، ربما آن الاوان لان ننزل الى الشارع ونقول لهم : كفى ،،، عودوا الى ضمائركم ،، عودوا الى بيوتكم .