الاثنين، 5 أغسطس 2013

الداء الوباء


لا اخفي سرا بأني مللتُ من سماع كلمة الديمقراطية ومن نغمتها ولحنها والترويج لها ،ولا اخفي سرا بأني اصبحت من الحاقدين عليها وعلى كل الذين يتبجحون ويطبلون لها . لماذا يا ترى ؟ وكيف لي ان افسر ما يجول في خاطري عن هذه اللعبة الآفة كما ادعوها ، او عن هذا الوباء الذي اصاب غالبية سكان الارض ، او ربما سيصيب ما تبقى من شعوب لم تلتفت جيدا الى من سبقها في ركب هذه الديمقراطية ، بدءً من الهند وباكستان مرورا بروسيا الحديثة وصولا الى العراق وافغانستان وفنزويلا ودول اوروبا الشرقية المولودة حديثا والقائمة طويلة وطويلة ، بانتظار وصول ابطال التغيير ومنقذي الشعوب من ظلم الديكتاتورية الى عبودية الديمقراطية .

عزيزي القارئ

ربما تتساءل عن الدوافع وراء هذه القراءة الجديدة والمستغربة للديمقراطية ، ويمكن ان تأخذك الظنون الى بعض الجنون في فنون صياغة الكلام واللعب على الحروف . ان الحقيقة تبقى حقيقة ولا شيء يغيرها على الاطلاق ، والوقائع التي تدور كل يوم في العالم اجمع هي خير دليل على اتجاه الديمقراطية المغلوط ، وعلى مفهوم الديمقراطية منذ القدم على انه مفهوم خاطئ وذي قراءة مغلوطة .

ان مفهوم الديمقراطية الرائج منذ القدم هو القبول او الخضوع والمضي بقرار الاكثرية ، اي ان الانسان يخضع لقرار العدد بغض النظر عن نوعية هذا العدد وعن خلفياته الدينية والاجتماعية والثقافية ومدى ادراكه للحس السياسي المسؤول ، اي بمعنى آخر ان القرار الصائب والحكيم والفائز هو نتيجة احتساب الارقام وجمعها ومقايضتها وتجييرها ، والنتيجة النهائية هي ديمقراطية بمفهوم حضاري وان الشعوب تقرر مصيرها بنفسها وان الارقام تشهد على ذلك وما على المجتمع الحريص على النظام الديمقراطي الا الخضوع والقبول والمباركة لقرار الارقام وسلطة الاعداد .

اخي الديمقراطي

لنبسط الامور اكثر ولننزل الى اسفل الهرم في مجتمع نختار عدده على سبيل المثال ونختار مكانه على انه من دول العالم المتطلع الى الديمقراطية .لنقل صديقي القارئ بأننا في بلدة تعدادها خمسة آلاف ناخب وان من يفوز بالأكثرية يصبح العمدة ورأس الهرم الاداري فيها . لنقل ان هذا المجتمع يضم مذاهب مختلفة وتيارات دينية تحتمي بالديمقراطية وتمارس الضغط الديني من جوانب الارشاد والايمان فتأتي نتائج هذا الانتخاب حسب ارقام وعود الجنة والخوف من النار كما هو الحال في ايران مثلا ، وتقرع الطبول وتنفخ المزامير بانتصار العرس الديمقراطي وكلمة الشعب ضد من ؟ لا ادري ، ربما ضد العلمانيين او غير المتدينين الكفرة الملحدين ، او الشيطان او صاحب كل ربطة عنق او حذاء لماع .

لنقل أيضا صديقي الصبور ان غالبية هذا المجتمع هم من الجهلة غير المتعلمين ولا يفقهون القراءة والكتابة ، وينال الاكثرية واحد منهم في انتخابات حرة ونزيهة ويتوج الجاهل عمدة البلدة ويرمى بالمهندس او الطبيب في سلة الخاسرين حسب النظام الموقر ، فنكون بذلك قد وصلنا الى ديمقراطية الجهلة الشفافة .

من ناحية اخرى ، لنقل ان غالبية سكان هذه البلدة هم من اصحاب السوابق وان الحاجة ملحة للإصلاح والتوعية ، فتأتي نتائج هذا الاقتراع بفوز احد اصحاب السوابق او لنسهل الامر احد الاشخاص غير المحمودين ، فبذلك نكون قد وصلنا الى ديمقراطية نوعية تفرز نفس النوع الذي لا رجاء منه للتغيير وبالتالي فقد فقدت العملية الديمقراطية الهدف المرجو منها .

اخي القارئ

ان تسويق الديمقراطية وفرص نجاحها يتطلب شروطا وضوابط في المجتمعات والا كانت من الديمقراطيات التي ذكرت بعضها . اذا لا بد من ذكر بعض المتطلبات لدفع العملية الديمقراطية قدما :

اولا : يجب ان يكون المجتمع متجانسا ومتقاربا بالتحصيل العلمي والثقافة العامة قدر الامكان .

ثانيا : يجب ان يكون هذا المجتمع على قدر متساو في الادراك العام للحس الاجتماعي والتربوي .

ثالثا :يجب ان يحظى هذا المجتمع بالتنوع الاكاديمي ومن اصحاب الاختصاص وبالتالي بالتنوع المهني الذي يدعم فرص التنافس الموضوعي على الخدمة العامة .

رابعا : يجب ابعاد التطرف الديني والعقائدي والعنصري من خلال مجتمع يحترم الدين بالقدر الذي يصون فيه الحرية الفردية وقبول الرأي والرأي المضاد في مستوى واحد من الوعي للذات والكيان .

خامسا : يجب ان يكون مجتمعا مكتفيا ذاتيا وعلى قدر جيد من الدخل الفردي وان ينعم باقتصاد متين وقادر .

ان المساواة التي تنادي بها الديمقراطية تخص الانسان كإنسان فقط اي الانسانية بشكل عام وكلنا خلق الله ولا تمييز في البيولوجيا ،ولكن الا يجب ان تفرق الديمقراطية بين صوت وآخر كما الحال في الراتب بين شخص وآخر ؟ لماذا يتقاضى هذا الشخص راتبا اكثر بكثير من ذاك الأخير ؟ نعم ان هذا الطبيب مثلا تعلم ودفع الكثير من المال حتى وصل الى ما وصل اليه ، كذلك المهندس والمحامي وكل صاحب مهنة علمية او ادبية ، ونرى في المقلب الآخر مجرما قضى وقته في الاجرام او بائع مخدرات زرع الوباء والفساد او آخرا لا يعمل شيئا سوى العيش عبئا على المجتمع ، كلهم في لحظة واحدة نراهم يصوتون ويتساوون في الحقوق المدنية العامة بل اكثر من ذلك يشاركون في صنع قرار مهم يخص المجتمع والعامة دون ان يكون لهم مكانة في هذا المجتمع ودون ان تكون لهم اية مشاركة فعالة في استمرارية وبقاء هذا المجتمع . اذا كان المجتمع المدني قد ميز ما بين الطبيب والقاتل وما بين الامي والمخترع فلماذا لا يميز بينهم في قيمة الصوت الانتخابي ومدى فعاليته في احداث تغيير ما ؟

صديقي القارئ

الا تعتقد ان الدعوة الى الديمقراطية في افغانستان مضحكة بعض الشيء ؟ الا ترى ان الديمقراطية في لبنان هي فيلم كاو بوي من الغرب الاميركي ؟ الا تعتقد ان الديمقراطية في العالم الاسلامي كالرقعة البيضاء على ثوب اسود ؟ الا ترى ان معظم الديكتاتوريات في العالم تختبئ خلف الديمقراطيات المزيفة ؟ وبالنهاية الا ترى معي مدى غباء الغرب وحكوماته بالسعي للتسويق للديمقراطية لدى الشعوب التي تراها شيطانا وكفرا واستعمارا ؟ الا ترى معي بان كل تغيير باسم الديمقراطية يجيء بديكتاتورية اشد ظلما وقهرا من سابقتها ؟

اخي القارئ

 حتى نعي ما نحن فيه وحتى نعي ما نريد ان نكون سنبقى ندفع ثمن الديمقراطية دون ان ندرك اننا واياها خطان متوازيان لا يلتقيان ابدا ، ابدا ،،، ابدا ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق