الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

بينفشو وبيدفشو


يُحكى انه في زمن غاب عنه الزمن ، كان ملك ذو فطنة وحنكة فاقت توقعات أهل الذكاء كلهم ، وكان هذا الملك يملك من النكتة وحس الفكاهة أكثر ما يملك من بشر وحجر . راودته فكرة خلق شيء من لا شيء وجعل المستحيل ممكنا فوقع الخيار على وزيره الذي لا يترك مناسبة الا ويمدح الملك ولا يستثني شخصه بجملة أو بكلمة تثني عليه بمجرد قربه منه وخدمته وطاعته .

أمر الملك وزيره وقال له :

أريد منك أن تأتيني برجل فاشل وتعمل منه قائدا، وبغبي تجعله يصدق بأنه حكيم، وبجبان لا يشك بشجاعته، وبأميًّ يقارع الفلسفة، وبجاهل يسنّ القوانين، وبأحمق يصدق خبرته.

انحنى الوزير سمعا وطاعة وابلغ الملك بأن مطلبه سيلبى بغضون أيام قليلة . وهكذا وبعد مرور أسبوع فقط زفّ الوزير لسيده الخبر السار وقال له :

لبيك ،، لبيك ،،  ما طلبته بين يديك

تعجب الملك وقال لوزيره كيف فعلت ذلك ؟

أجاب الوزير: يا مولاي ! انها لعبة بسيطة ( نفشو ودفشو ) فيصدق ما هو عليه أو بالأحرى ما قصدنا أن يكون عليه .

قال الملك أوضح أيها الوزير

قال : أذا اتخذت من شخص ما عنوانا وبدأت في جعله محور الحركة وباب الحوار، ولن تقبل بغيره ممرا الى الجماعة ، بالرغم من كونه أعجز عن ادارة نفسه ، فسيصبح المرجع الاول والاخير وستنصّبه الجماعة قائدا أو ممثلا أو مرجعا ، وما عليه الا أن يصدق ما آلت اليه حاله وهكذا نحصل على قائد يطلق المراجل وينصح الفاشلين .

يا سيدي اذا أطريت على قول وجعلت منه حكمة وبالغت في الحديث عنه ،فسيصبح مثلا يُتبع وسيصدق صاحبه بلاغته ويسير في أحلامه ، وهكذا يصبح الغباء ذكاء والغبي حكيما .

وهكذا يا مولاي فاذا اجتمعت السلطة والمال مع غباء العامة فمن السهل صنع ما نريد ومن الاسهل تسويق ما كسد ، وأحياء ما فسد .

عزيزي القارئ

يقال بان الطاووس ينفش ريشه ليتباهى أمام انسبائه وخاصة أمام شريكته ، فينال أعجابها وأعجاب البشر ونخشع نحن أمام عظمة الخالق وحكمته ، أمّا بالمصيبة التي حلت بنا في لبنان فإننا نقف بحيرة وتشكيك تارة واستهتار وسخرية تارة اخرى بالذي وصل اليه حال التباهي واستعراض العظمة وبالتالي قضية نفش البعض للبعض وتركه عرضة للعض والوعظ .

ما بال الناس في التعامل المعيب مع وتيرة تقديس وتعظيم اذا لم نقل تأليه الشخصية (الهية) ، وكأننا عدنا الى عصر المعجزات لحث الناس على الايمان والتقوى .نعم  وفي خضم هذه المعاناة تخرج جحافل السياسيين عندنا لتستأثر بقليل العامة التي بقيت على حالها مريضة عليلة سقيمة المبادئ جاهلة الاهداف ، هياكل من بشر تأكل وتشرب وتنام ،،،، وتبصم .

أخي القارئ

نعم وسط هذا الاضطراب الذي يلفنا ، ووسط هذه التناقضات التي يعيشها الشرق برمته ، أصبحت الطائفة مصدر قلق بقدر ما هي مصدر أمان واطمئنان . أصبحت الطائفة سيفا ذو حدين والاسلم منهما هو تطرف واذ بنا امام معضلة الخيار وحيرة الاختيار ، والثمن مدفوع في الحالتين تهجير وهجرة ، قتل ودمار ، والعامة كما هي حقل تجارب ومختبر شعارات .

وسط هذا كله يأتي احدهم وينفش بريشه ويتطاول على الطاووس ويمشي الهوينة على أيقاع الطائفة والمذهب وينفخ البوق وتنتفخ الحنجرة وتنفجر الكلمات معلنة بدء معركة الصرف والاعراب ، فيتطاير الكرد واليزيد وتنهمر دموع المعابد والاديرة ويخبو صوت المآذن الا : من كل يصلي على قِبلته .

أخي

نُفشت الطائفة الدرزية في لبنان مع العلم بانها منتوفة بسوريا ، ودُفش ابن الجاهلية ليعلن التعبئة العامة وان نظام الاسد أسد ، فكانت النتيجة المرعبة في جبل السماق ولولا تدخل الاخت غير الشقيقة لكانت مجزرة حضر بمن حضر .

نعم نُفش العماد عون واُقنع على انه المخلص الوحيد للمسيحيين ( بالطبع بعد حزب الله) وان شراكته بالأبعاد الثلاثية كافية لبقاء الصليب فوق الشرق ، وأذ بنا نرى نتائج صولاته وجولاته فبعد كل خطاب ناري يطير دير في سوريا أو العراق ، وبعد كل ثناء على شراكته المقدسة ينزح المئات ويُشرد الالاف من أبناء الفاتيكان ، ويبقى القديم على قدمه : أنا أو لا أحد ، والنفش مستمر والدفش قادم والآتي أعظم وما على بكركي الا اعادة صياغة العهدين أو استحضار ذو القرنين .

نعم وأهل السنّة في حيرة من أمرهم ، أهمْ على سنّة الله ورسوله أم على سنّة الخليج وميوله؟ دققتم ناقوس الخطر من الشمال الى الجنوب ونفشتم بريش من لا يزال داخل البيضة حتى غرّد وشدا، وطار مع الاثير ووقع الاسير مطلوبا وليس أسيرا ، وخرج الرئيس غربا يدرس المستقبل وكيف سيُستقبل في حيرة بين الولاء والانتماء والهندام أوضح من الكلام ، وهكذا تسير الامة بالشكل والجوهر : محاربة أعداء الله بكَفَرَةِ الله ، والحث على الصمود من خارج الحدود .

نعم صديقي القارئ

ملائكة وطُهّر أنعم الله علينا بهم بعد شقاء الايمان وشحة التقوى ، أُنزِلوا من السماء بعد قسم اليمين بحضرة الخالق بانهم حراس العرش السرمدي وقضاة محكمة الآخرة ، وها هم نراهم يلبون نداء استغاثة البحرين واليمن وغزة والعراق، ويدخلون الى قلب المعادلة السورية بطلب من شقيقهم الاصغر لردع أبناء العم وأعادة ضبط العائلة . نحن الآمرون ونحن من يمسك بزمام الامور وكل من يحرك ساكنا سيسكن . نُفش الحزب وطارت عصافيره شرقا ولم تحسب للشمس حسابا ، فوقعت على قضبان الدبق ومن نجا سقط بنيران صديقة ، ليس مهما المهم أن تبقى الشقيقة وستحصل أم محمود على كامل حقوق "الشهيد" أبنها وعلى رأسها الرحمة .

وعجبا ، في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر ورفيقيه يطل علينا دولة الرئيس بري مثبتا أقدامه على خطى المغيّب، ويرفض كل مهادنة وصفقة حتى تنجلي الحقيقة . بوركت دولة الرئيس وبوركت معك كل الجهود لكشف خبايا هذه المعضلة ولكن:

أليس كان من المستحسن وأكراما للحضور عدم ذكر سوريا الاسد؟

نعم معك في ذكر سوريا الوطن وسوريا الشعب ولكن الاسد اصبح حالة تثير الغضب والاشمئزاز وخاصة بعد كل تلك المجازر والاهوال التي أصابت هذا الشعب المسكين ، وأذكّر دولتك : لماذا تستثنون الاسد الاب من عملية تغييب الامام؟ أليس من الجائر أن يكون شريكا كامل العضوية في تلك المسألة ؟ فاذا كان الابن لا يعرف فحتما السيد عبدالحليم خدام يعرف ، والسيد فاروق الشرع يعرف ، والعماد حكمت الشهابي يعرف ، والعماد مصطفى طلاس يعرف ، وغيرهم الكثير من أصحاب الايادي البيضاء في النظام السوري ، نعم لنترك للآتي ما ينير لنا طريق المعرفة والرجاء كل الرجاء في الخروج من تبعية أهلكت أهلكم وأهلنا على السواء ، وكفى نفشا لريش أصبح من الواجب ابداله للتحليق مجددا .

أخي القارئ

بالأمس القريب شهدنا حراكا فريدا من نوعه ، ولأول مرة نرى شعبا في لبنان ، نعم نرى شعبا حقيقيا لان شعب الاحزاب ليس بشعب بل دمى يحركها الحزب لصالحه .رأينا رأيا عاما مع العلم بأن الرأي يُسمع ولا يُرى ولكننا رأينا وسمعنا وشعرنا بأن الشعب اللبناني بالقدر الذي هو فيه متسامح ومحب هو محاسب شرس لو أراد ذلك حقا  وكلنا أمل بان يعيد البلاد الى قصر بعبدا . حذاري من التهاون وحذاري من الصفقات ، وحذاري من أفراغ مضمون ما تنشدون . أهل الحكم ليسوا بالعنوان بل هم الغلاف والغطاء ، اخرِجوا السلاح من الشارع وأعيدوا الشرعية الى السلاح ، نريد رئيسا يحمل العلم وكلنا خلفه

كلنا للوطن ،،،، كلنا للوطن ....