السبت، 30 أغسطس 2014

كل ديك على مزبلته صياح


يحكى ان ديكا جميلا كان يعيش في مزرعة كبيرة على كتف تلة تكسوها شجيرات مثمرة متنوعة ، وتعيش معه مجموعة دجاجات تكتلت هنا وهناك بمجموعات مختلفة الالوان والاحجام .كان هذا الديك يعتزّ كثيرا بعرفه الشامخ الكبير وبمنقوده المعوج الذي يعلم الدرس لكل من تسوله نفسه الاقتراب من حريم الدجاج او من قنّه المصنوع من الغصون وبعض الواح الخشب . يفتخر صاحبنا بمنزله كثيرا ويقف كل صباح عند حافة اللوح يصيح بأعلى الصوت معلنا شروق الشمس وبزوغ فجر جديد ليوم جديد في مملكته المترامية الاطراف .

دأب هذا الديك على اقناع دجاجاته كلها وافهامها بشكل قاطع ولا يقبل التأويل  بأن الشمس لا يمكن ان تشرق ولا تستطيع دون صياحه ، وان الله عز وجل قد انتدبه لهذه المهمة الجليلة المقدسة ، وعليه فان واجبه يقضي بأن يستيقظ باكرا ويصيح بأعلى الصوت لأيقاظ الشمس النائمة لتشرق على الكون وتزرع الدفء بين الناس لتعود اليعهم الروح من جديد بعد سبات الليل الطويل .هكذا فهمت الدجاجات هذه المهمة وهذا الواجب الالهي وتابعت باهتمام بالغ نهوض الديك الموقر، وواكبت صياحه العذب بتطلعات خشوع وتقديس لرؤية الشمس تشرق بعد اذن ديكها العظيم. مرت الايام والديك الجليل يقوم بمهمته على اكمل وجه ، من صياح مبكر وتجوال بين مزارعه المنتشرة ، ومحاضرات واقناع وتوجيه وتعليمات قبل حلول المساء والخلود الى النوم تحت حماية هذا القديس الملاك .

احدى الليالي الدافئة والانيسة ، تشرّف صاحبنا الديك باستضافة بعض الديوك من الاصدقاء والجيران فكانت حفلة صاخبة من الطبل والزمر والنفخ والشرب والثمالة حتى ساعات الفجر الاولى . انتهت وانتهت معها كل قدرة على الوقوف حتى ،وخلدوا جميعا الى النوم وغابوا في احلام عميقة وعميقة جدا كان يستحيل معها النهوض كالعادة . نعم نام صاحبنا ولم يستيقظ واشرقت الشمس وقارب قرصها وسط السماء ، وصاحبنا وشلّته الموقرة في" سابع وثامن نومة ". جزعت الدجاجات وظنت ان ديكها ميت لا سمح الله ، فاجتمعن من حول القن الرئاسي وحاولن ايقاظه على الاقل لمعرفة ما يحدث ، وكم كانت دهشتهم عظيمة وكبيرة عندما قام الديك وانتفض وبدأ بالصياح ظنا منه ان الصباح لا يزال في بدايته . صرخت الدجاجات ساخرة : لا تتعب نفسك فقد اشرقت الشمس منذ ساعات ومن تلقاء نفسها دون اذنك المقدس ، ونحن الذين كنا نظنك  المسؤول الاول والاخير عن الشروق ولكن واسفاه .. لقد اتضح كل شيء فنحن ضحية الكذب والخداع وكم نحن ساذجون عندما صدقنا بأن الشمس بحاجة لديك لتشرق ، كيف صدقنا ذلك ؟ كيف ؟ . انصرفت الدجاجات وبقي صاحبنا يندب حظه التعيس ويلعن ساعة تلك العزيمة المشؤومة وساعة شربه ونومه .

عزيزي القارئ

لقد تخيلت بان دجاجات بلدي ستكف عن البيض حين تعلم بان ديوكها تنام ملئ عيونها والشمس تشرق دون استئذانها ،ولكني اصبت بالخيبة المريرة حين علمت بأن هذه الدجاجات لا تزال على موقفها منقسمة الى مجموعات وكتل تتناحر فيما بينها في خلق الاعذار والحجج لديوكها التي تنتهك حرمة عقلها ببث الأكاذيب والاساطير حول القدرة والقدرة المطلقة التي حملها الله عز وجل لديوكها بقيادة مسيرة حرية الدواجن في الارض عامة .نعم لا زالت تتقاتل هذه المجموعات للاستحواذ والحفاظ على زعيم لها من بين تلك الديوك مع علمها المسبق بكذبه واحتياله وتنصله من واجباته والعبث بمصير الدجاج والقن والبيض وبكل ما يمت بصلة الى الجمهور الداجن العظيم .

 نعم صديقي القارئ لقد خاب ظني مرات ومرات حين ارى الجهل يقود العلم، وارى الحماقة تتقدم المعرفة ،والسكوت يغلب الحق ، هكذا هو الحال في هذه المزرعة، دجاجات حمق وديوك صياحة ومزابل بكثرة وصياح من وهناك اكان فجرا ام مساء لا يهم ولا فرق فالصياح صياح والصراخ صراخ طالما ان الآذان صماء ومكبرات الصوت تخفي مخارج الحروف وتضيع حقائق الكلام ما بين الصوت والصدى .

المنطقة تعج بالشر والويل قادم والآتي اعظم ،وديوكنا في لبنان لا تزال تنبش على المزابل رغم الرائحة الكريهة والامراض المعدية ، ورغم الفيروسات القاتلة القادمة من الشرق ومن الرمال القديمة والقديمة جدا ، ورغم كل هذا نراهم يصيحون ويصبون جلّ غضبهم جنوبا وكلما آلمهم رأسهم او خصرهم يقفون وينفضون الريش وبصوت واحد : اللعنة على اسرائيل ،، اللعنة على اسرائيل ،، نعم اللعنة على اسرائيل لأنها لم تضرب داعش، اللعنة على اسرائيل لأنها لم تساعد نظام الاسد ، لا اللعنة على اسرائيل لأنها تساعد نظام الاسد ،اللعنة على اسرائيل لأنها لم تساعد الاخوان في مصر، اللعنة على اسرائيل لأنها لم تساعد المالكي في العراق ، ولم تساعد الحوثيين في اليمن ،اللعنة على اسرائيل لأنها تساعد ولا تعرف ، واللعنة علينا لأننا لا زلنا لا نعرف من هي اسرائيل ولا نعترف بانها الديك الوحيد الذي لا يصيح على مزبلة .

اخي القارئ

لا يؤسفني قول الحقيقة ابدا بل يؤسفني تغاضي القارئ عنها والمرور عليها مرور الكرام .اننا بأمس الحاجة لقراءة مستفيضة ولا ضير في اخذ بعض المحظور وجعله مستحبا ، وان اخذ العبر من شيم العقل السليم .

اولا : اتوجه الى المسيحيين وخاصة بعد الذي جرى في العراق وسوريا وما يجري لكم في لبنان من تهميج وازاحة وتغييب ، لن يبقى لكم في الشرق سوى اسرائيل والدولة الفلسطينية العتيدة شئتم ام ابيتم انها الملجأ الوحيد المتبقي لمسيحيي الشرق والسنين المقبلة ستريكم صدق كلامي .

ثانيا :ان الدولة الفلسطينية هي منتوج اسرائيلي فقط شئتم ام ابيتم ، ولو ان كل دول العالم ارادت قيام دولة فلسطينية دون ارادة اسرائيل فلن تقوم ابدا ، فكفاكم ايها الديوك العرب لعبا على المزبلة الفلسطينية وكفاكم هدرا للوقت وللدم الفلسطيني واتركوا لأهل رام الله ما يرونه صائبا لهم .

ثالثا : ان الانظمة العقائدية والدينية مزابل آيلة الى الاحتراق والزوال وما على الدجاجات الا التفتيش عن حقول خضراء وليس عن مزابل جديدة والاستغناء عن ديوك تشرق الشمس وابدالها بديوك تحترم شروق فجر جديد ومستقبل واعد .

رابعا : ان ديمقراطية اسرائيل والمال القطري هما من عاث بالمزابل فسادا فوق فساد وخرجت جموع الدواجن ذئابا كاسرة من بين انقاض الصراع الديني والعقائدي والتطرف الاعمى لتغلّف هذا الشرق برداء اسود يكفن الاقليات ويقسم الجموع ولا ينهيه الا زوال نهج الهيمنة والتسلط والتبعية .

آن الاوان للديوك العربية ان تطلق جناحيها نحو بيئة نظيفة ونبع ماء عذب لينطلق صوت الصياح بكل نقاء وعندئذ يمكننا القول

                     " كل ديك عل مزبلته صياح"