الأربعاء، 22 مايو 2019

دمع احفادي


نهضت باكرا كعادتي وبدأت الاستعداد لهذا اليوم المميز غير العادي في حياتي وحياة أسرتي وآلاف اللبنانيين، مهاجرين أو مهجرين، مبعدين أو بعيدين، انه يوم اعتدت فيه أن أزور الحدود وأتفقد ما تركت وانظر إلى ما بنيت وأتألم على ما آلت اليه تلك الربوع العزيزة، وان أفي بوعدي لأولادي وأتابع ما قد بدأت به منذ تسعة عشر عاما بأن أقصّ عليهم كل عام قصة من الجنوب، قصة تعيد لهم الأمل برجاء جديد وأمنية جديدة.
ما أجمل العودة لحلم وان ضاع، ولمكان حتى ولو تغير، وما أجمل الوقوف دقائق وساعات من اجل ذاكرة لا أريدها إلا أن تبقى كما كانت محاولا نقل ما أستطيع لجيل نشأ بعيدا وكبر غريبا.
فاقت دهشتي حسرتي وأخذني العجب أكثر من الحنين حين لم أجد سوى القلة القليلة من الرفاق الذين اعتدت أن أراهم في مثل هذا الموعد. تألمت كثيرا ودمعت عيناي من يقين كان بالأمس القريب مستحيلا وها أنا أمام الذي كنت أخشاه دائما، النسيان ثم النسيان ثم النسيان.
لم أجد كلمة واحدة أقولها لأولادي علها تنقذني مما أنا فيه، ولم أجد وسيلة للهروب من واقع عودتهم عليه وأشبعتهم ترسيخا وإيمانا بأن الوطن لا يبدل أبدا. نعم ربما هذه المرة الأولى التي أجد فيها نفسي عاجزة عن الحوار وعن الكلام، خاب أملى وأثقلني الاستياء وأبكاني هذا المشهد المؤلم.
كسر الصمت وسألني: ماذا هناك يا أبي؟ ولماذا هذا السكوت المريب؟ قلت له انه الحنين والاشتياق، إنها العودة إلى الذات، إنها الذكريات التي لا تموت.
يا بني سأقص لكم قصة من بلادي، قصة من الجنوب، قصة عن الوحدة والتضامن والمحبة، قصة الخندق الواحد والهدف الواحد والمصير الواحد. هكذا كنا صغارا وكبارا جنودا ومدنيين من مختلف المناطق، جمعتنا حالة الوطن الممزق، وخلقنا حالة لوطن نمضي فيها قُدما يدا واحدة وهدفا وحدا. حلمنا بالحرية فدفعنا دما، حلمنا بالكرامة فدفعنا التضحيات، حلمنا بالسلام فدفعنا ضريبة البعد والتفرقة والتهجير، حلمنا بوطن فأفقنا على لجوء.
إخوتي وأحبائي
ليكن هذا اليوم دافعا لإعادة الأحلام إلى حقيقتها، لنتمسك بتربيتنا اللبنانية الصحيحة، لنحافظ على تراثنا الاجتماعي والأخلاقي، لنعلم أولادنا المحبة والتسامح والتضامن، لنكون أسرة لبنانية واحدة، ولنبني مجتمعا لبنانيا نتباهى فيه ونفتخر.
الثالث والعشرون من أيار، يوم مراجعة وتأمل ومحاسبة: ماذا عملنا وماذا أنجزنا وما يجب أن يكون مستقبلا. لنجعل من هذه الذكرى حافزا للحمة والتقارب، وإعادة ترتيب البيت الذي أوشك على السقوط، ولنجعل من هذا اليوم بداية قصة جيل جديد:" لبلادي مع دمع أحفادي".