الثلاثاء، 10 يوليو 2018

وطني


إني أكره لبنان، لأنه جعلني كافرا بعبادتي له.
جاهلي أنا، جاهلي في الإيمان والتقوى في الخشوع والخضوع والطاعة، في الحب والتضحية والفداء، جاهلي أنا يا وطني ويا ليتها تنمو وتكبر وتنتشر وتعدي من حولي لنصبح جاهليون نعبد هذا الجسم الذي لا حدود له، انه روح من روح كل مواطن، انه لبنان انه وطني انه جاهليتي، انه الذي اعبد واجل رغم الديانات والأنبياء والمرسلين. أنا عابد الحجر، عابد الشجر، عابد لبنان.
يا بني
لا أجد الكلمة المناسبة والملائمة لأبسّط لك الوطن وما يعنيه، ولا أجد الطريقة السهلة لان أصف وجود الوطن داخل العرق النابض، ولكنني سأمثّل لك كيفية زراعة الإنسان في الأرض فينمو بفضل الماء والهواء وينتعش ويشمخ ويكبر ورجلاه تغذياه من تلك الأرض الطيبة، وتأويه وقت يحين موعد الغفو الهنيء، انه الوطن ... لحاف دافئ وطمأنينة دائمة... وحب لا يبرد.
يا بني
إن الوطن هو انتماء وولاء،
انتماء في الحضور المميز والرفعة والفخر حين تسأل: من أنا؟ ....
وولاء في التضحية والدفاع والمحافظة حين تسأل: لمن أنا؟
إذا عرفت الإجابة الصحيحة تكون عندئذ قد أدركت وطنك فيك، وعرف وطنك طريقه اليك، واعلم يا بني انه حين يضعف الانتماء يصغر الوطن ويضمحل ويتقوقع، وحين يتجزأ الولاء تتشقق صورة الوطن ويضيع، فانت ما بين الانتماء والولاء أساس الاستمرار والبقاء.
وطنك أرزة وسنديانة وشجرة زيتون، انه الجبل والسهل والساحل، انه النهر والجدول والشلال، انه صنين وحرمون، انه الرؤيا التي لا تنتهي والأمل الذي لا يفارق، انه جبلة الأحرار والأبطال، انه السيف والساعد والقلم، انه لبنان ما قبل التاريخ وما بعد السطور انه الوطن الذي نُحسد عليه ولا يُحسد بمن فيه، انه أنت وانا وهم وهؤلاء، انه الجمع للجميع والواحد للجميع والباقي للجميع فلا تضيعه أبدا لأنك ستضيع وستضعف وستعود من جديد كطفل رضيع فوق رصيف النسيان والإهمال.
عندما كنت صغيرا كنت انتظر يوم الأحد بفارغ الصبر لأرى كاهن البلدة وهو في طريقه إلى الكنيسة ولسماع تراتيل لم أكن افهم منها كلمة واحدة بل كانت تأنس لها أذني وترتاح لها روحي، وكم كنت اجلس كل ظهيرة يوم لسماع آذان جامع بلدتنا ولأهذب نفسي بكلمات قاربت معانيها ما كنت اسمعه في الكنيسة. يا بني ، كنا لا نعلم اذا كان عيد الميلاد للمسيحيين والأضحى للمسلمين بل كنا نعلم بأن هذه الأعياد هي لنا كلنا وانها أعياد الوطن كل الوطن ، كنا نحتفل ونحتفل ونخرج بأبهى حلة ، يد بيد وكتف قرب كتف نعيد ونهنئ وندعو بالخير للجميع .هكذا تربيت في بلدتي وهكذا كبرت على حب هذا المجتمع وهذا البلد وهذا الوطن ، أحببته منذ صغري ولم اعرف أبدا إن كان يحبني أم لا ، لم اسأله ولم أحاول مجددا أن اسأل بل كنت اكتفي بالهواء النقي والماء العذب والثمر الطازج ، بالرفقة الحميدة والصداقة الصادقة ، بالمجتمع الآمن المسالم ، هذا هو وطني الذي ولدت فيه وهذا هو حبي الذي أحيا من أجله .
نقف على أطلال وطن بنيناه بالدم والعرق والعزم والأمل، نقف أمام شواهد كانت شاهدة على الإقدام والتضحية، نقف أمام حلم تبدد واضمحل من عدم يقظة الحالمين، نقف يا بني أمام بشر قدسوا الحجر فأصبحنا دمى لا حياة فيها، أسدلوا الشوارب فغابت الابتسامة وأرخوا اللحى فتشوه الوجه، فنحن ما بين الشارب واللحية فم يأكل ويشرب، ويصمت، ويصمت.
إن قلبي يعصر ألما، وان خاطري مكسورا، وانا الملم من ذكريات كانت بالأمس القريب مدرسة للوطنية الصحيحة، إني ابكي على ما كنت أهوى وأقدس، أقف عاجزا عن النطق وعن الفهم وعن الإجابة، من نحن؟  ولمن نحن؟