الاثنين، 16 سبتمبر 2019

لوين بعد؟



عادت في الآونة الأخيرة نغمة اللبنانيين البسطاء السذج حول العمالة والعملاء بعد عودة النقيب السابق في الجيش الجنوبي الأخ عامر فاخوري الى لبنان. نعم هذا ليس بجديد على قوم اعتاد النهوض كلما وُخز واعتاد الكلام كلما اُمر واعتاد الصياح كلما باضت الصديقة أو الشقيقة أو بدأت تنقشع الحقيقة.
عشرون عاما مضت وكأنها قرون من الانتظار، لا للعودة الى الوطن بل لمشاهدة نهوض وطن داس عليه هؤلاء القوم الذي رأيناه ينتفض ويهد ويرعد دفاعا عن "الكرامة والحرية".
عشرون عاما ونحن ننتظر ظهور المخلص الحقيقي لبلد القديسين والأئمة والأسياد، وها نحن نرى استمرارية الولاء والانتماء للسيد البعثي والفقيه الفارسي، وبأعلى الصوت وبكل وطنية نزحف نحو مستعمرة ابرويز ومستوطنة عفلق.
نعم كنا في حرب لا هوادة فيها ولا تهاون ، نعم كنا على مفترق طرق ما بين الوطن الحر المستقل وبين دولة عرفات البديلة ، وحملنا السلاح فيما كانوا هم يحملون أبا الهول وأبا الجماجم على راحات الأيدي بدءا من اليسار السياسي وصولا الى التطرف المذهبي .نعم واستمرينا بحمل السلاح ووقفنا ضد الوصاية العربية وعطف الأشقاء الى أن أصبحت احتلالا عسكريا استمر لثلاثين عاما عمل المحتل السوري على تغيير الهوية اللبنانية بكافة جوانبها وانتم كنتم بجانب المحتل المغتصب بل  اكثر من ذلك حاربتمونا بكل قواكم لنزعنا من الجنوب ولتسهيل بسط نفوذه على كافة الأراضي اللبنانية .نعم واستمرينا وبعد انتهاء عهد إمارة أبو عمار وانكفائه الى الخارج ومن ثم الى دويلته المستقبلية ، وبعد الأرز والورد والزهر في استقبال الجيش الإسرائيلي المخلص لهؤلاء الجهلة الذين رأيناهم اليوم يرهولون الى سجن الخيام ، نعم هم انفسهم ولو اختلفت الأسماء والأعمار ولكنهم مذهبا واحدا وقَسَما واحدا وصلاة واحدة .نعم تغيرت الموازين وأبرمت الصفقات وتغيرت مواقع القوى وتبدلت الأسلحة وانتهى الاحتلال الإسرائيلي وتبعه الاحتلال السوري لندخل في احتلال آخر عسكري وديني وثقافي واجتماعي ، احتلال للهوية وللقرار والقبض على ما تبقى من الهيكل اللبناني لجعله مطية إمام قُم وعكازة نظام القرداحة .
ونحن في الجنوب كنا من الستينات اللقمة الشهية لكل من يرغب ولا زلنا مكسر عصا لكل من يريد أن يلعب وأنتم لا زلتم أدوات الرغبة واللعبة.
عملاء؟ عملاء؟ ومن في لبنان ليس بعميل؟ هذا إذا سلمنا جدلا بالمفهوم المجازي للكلمة.
عملاء إيران وعملاء سوريا وعملاء السعودية وعملاء كوريا وروسيا الى ما هنالك من أسماء تستطيع أن تدفع وتمول، الستم كلكم عملاء؟ أوا ليس لكل من هذه الجهات سجنا في لبنان بمعنى أو بآخر؟ ناهيك عن سجن لبنان الكبير وكم من جزارين تبادلوا الأدوار والمهمات.
نعم، أنتم يا من وقفتم في سجن الخيام للمطالبة باشد العقوبات على عامر فاخوري، هل تتجرؤون بالوقوف بوجه جزار سجن روميه؟ أو سجن وزارة الدفاع اللبنانية أو سجون حزب الله المنتشرة والله ولي التوفيق؟ هل تتجرؤون بالوقوف أمام إشارة سير للمطالبة بسجن جزار السجون السورية المكتظة بالمساجين اللبنانيين أو بالأحرى بجثامين اللبنانيين؟ هل تتجرؤون بالوقوف دقيقة صمت واحدة على روح الطيار اللبناني سامر حنا؟ وقاتله سيدكم ومرشدكم وضاوي دربكم؟
لنتكلم بصراحة وبمنتهى الحرية (ربما أنا استطيع التكلم بحرية فقط) في مسألة العداء لإسرائيل من بلد تحكمه الطوائف والمذاهب، ولا يختبئنّ احد وراء إصبعه، إن عدوك ليس بالضرورة عدوي وان صديقي ليس بالضرورة صديقك، يكفي من المهاترات والمزايدات في قضية العداء لإسرائيل فوالله ما من عدو لنا إلا من يضمر الشر لنا ويسيطر على قرارانا ويتحكم بمصيرنا من اجل أهداف وغايات أنزلت عليه ،ما من عدو لنا الا من استباح البشر والحجروجعل من نفسه سليل القدر والمقدر، لكل منا حريته بالاختيار ولكن للأسف فان اختيارنا لم ينجح لأننا كنا الحلقة الأضعف بهذا الصراع وهي حلقة السلام والعيش الآمن الحر الكريم ، وهذا ما أثبتته الأيام في بلد غلب منطق السلاح فيه على كل منطق آخر، ودفعنا الثمن الباهظ فوق كل ما دفعناه وقبلنا باسدال الستارةعاى مغامرة المئات من الذين رافقونا وساروا معنا عبى درب المصالحة والتحالف مع اسرائيل من اهل السلطة السابقة والحالية ، مدنيين وعسكريين، مقيمين ومهاجرين، فارحموا انفسكم واسكتوا ، واسكتوا .
صدقا، لا أريد فتح صفحة الماضي الذي طويناها الى غير رجعة ولا أريد الدخول في جدل غير مجدي ولكني انصح تلك الأبواق الرنانة المأجورة من نواب وصحفيين ومحامين وجمعيات وأحزاب أن ينصرفوا الى عمل نافع ويدقوا ناقوس خطر إفلاس البلد وانهيار الوطن. دقوا جرس إنذار ليسمع الجميع وطالبوا بالقصاص من الذي يدفنكم بين أكوام النفايات، ومن الذي باعكم للخارج كمنتوج بشري تحت الطلب، ومن الذي سخّر صحتكم لصالح عصابات المولدات، ومن الذي أفسد الفساد نفسه من القصر الى النهر، ومن الذي يدفع بكم الى الهجرة والتسكع بالخارج،اطلبوا القصاص من ارهابي السلطة وسلاطين النهب وابادة المقدرات. نعم اطلبوا القصاص من الذين رهنوا أرزاقكم وكل ما تملكون بل الوطن برمته للخارج بدين فاق الاحتمال، وبحلف لا قدرة عليه.
وبالنهاية كنا بحرب نزولا عند رغبة دولتنا آنذاك ولم نخرج عن طاعتها أبدا، (واسألوا الفخامة والدولة والمعالي والسعادة) كلنا حاربنا وكانت لنا معتقلاتنا ونحن كنا نعتقل كل من يخالف نهجنا وأهدافنا كما فعل كل من قاتل في الحرب.
 دافعنا عن بيوتنا وقرانا ووجودنا بعد غياب الدولة وتخليها عنا.
 سجنا كل من رأى أن المنظمات الفلسطينية هي الأحق بلبنان،
اعتقلنا كل من حاول أن يحوّل لبنان الى محمية إيرانية أو مزرعة سورية
ابعدنا كل من كان ضد السلام والعيش المشترك
قاتلْنا كل من قاتلنا تحت أي مسمى أو هدف، وسجنا كل من تآمر علينا

كما كل الأحزاب اللبنانية التي انغمست بالحرب والتي كانت لديها معتقلات، كانت هناك أخطاء وتجاوزات ولكن هل يطبق مبدأ المحاسبة فقط على الجيش الجنوبي؟
مئات الألوف من القتلى بالحرب اللبنانية، وعشرات الألوف من المفقودين، والآلاف من المعتقلين، الم يكن لهم "جزارين" في مكان ما وزمان ما؟
اطووا صفحة الماضي واغلقوا هذا الكتاب الأليم، فان كنا عملاء فأنتم أيضا، وان كنا قتلة فأنتم أيضا، وإذا كنا خونة فأنتم أيضا وان كنا مأجورين فأنتم أيضا.
لنخرج كلنا من هذه الشرنقة ولنصنع حريرا دافئا يغمرنا كلنا.