13 نيسان 1975 ،كنت في العشرين من عمري في صيدا عاصمة الجنوب اخوض معارك ضد اليسار اللبناني والمنظمات الفلسطينية وعلى راسها منظمة الصاعقة السورية على اثر مقتل النائب معروف سعد ، كنت آنذاك جنديا في الجيش اللبناني بصفة طالب احتياطي لفترة سنة في خدمة الوطن .
13 نيسان 1975 ، وعلى بعد اربعين كيلومترا من معارك الجنوب نشبت معركة اخرى (معركة البوسطة ) في بيروت – عين الرمانة – هذه المعركة او الحادثة التي اشعلت الحرب اللبنانية كما اتفق عليها ، ولكنها كانت مشتعلة في الجنوب منذ ست سنوات تقريبا اي منذ ما قبل التوقيع على اتفاق القاهرة . فأي تاريخ نعتمد فعلا لبدء الحرب اللبنانية ؟
عزيزي القارئ
بالنسبة الينا نحن الجنوبيون ،لقد بدأت الحرب منذ ان تخلت الدولة عنا ووقعت اتفاق الذل والشؤم (القاهرة عام 1969 ) . منذ ذلك الوقت ونحن نخوض حرب البقاء على ارضنا وفي قرانا ومدننا ، ومنذ ذلك التاريخ ونحن نخوض حرب التواصل مع الوطن وعدم سلخنا عنه ، منذ ذلك الوقت ونحن في صراع مستميت مع محتلين تعاقبوا على احتلال هذه الارض وعاثوا فيها فسادا ودمارا وتشريدا ، والدولة الكريمة غائبة نائمة متسترة بورقة لا تستر عيبا ولا تغض نظرا .
نعم ، لقد كتب علينا القهر والعوز ، التهجير والهجرة ، الحزن والكآبة ،ولكننا بقينا على كرامتنا وعلى ايماننا بوطننا ، على حريتنا ، بقينا على ارضنا ندافع عنها ونقدم لها كل غال ونفيس من دماء شاباتنا وشبابنا . كنا في حربنا الخاصة قبل حربكم العامة، كنا قبل الثالث عشر من نيسان واتيتم لتكملة ما بدأنا به بعد ان وصل "الموس لذقنكم " كما يقول المثل ، وليكن هذا التاريخ تاريخ بدايتكم ونقول معكم " تنذكر ما تنعاد " .
اخي اللبناني
" تنذكر ما تنعاد " ، نعم لنتذكر الحرب حتى نعلم ما جنت ايادينا ، لنتذكر الحرب حتى يعي اولادنا ويلاتها ومآسيها . نتذكر الحرب حتى نتعلم ويتعلم كل من يأتي بعدنا ان لا حلولا نتيجة حرب ولا مستقبلا نتيجة حرب ، فالحرب نهاية الحوار وبداية التباعد ، هي تقصير بالأداء وسوء تعبير عن الآراء ، انها النقمة والكره والانحلال .
" تنذكر ما تنعاد " تلك الحرب اللعينة التي قضت على كل قيم تربى عليها اللبناني الكريم الحر ، تلك الحرب التي ابعدت الاخ عن اخيه ، واقصت الصديق عن الصديق ، هجّرت الفرد من العائلة ، وابعدت العائلة عن جذورها . حرب ، خضناها بعد ان عشقها البعض واحبها البعض الآخر ، خاضها من كرهها مرغما لأنه يعرفها وناسبت من يجهلها ، هذه الحرب الخطأ بل الخطيئة اوقعتنا جميعا بالخطأ والخطيئة.
" تنذكر ما تنعاد " ايتها الحرب اللبنانية ، من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب ، من الجبل الى السهل الى الساحل ، وكلنا امل ان لا تعاد المتاريس للفصل بين الاحياء ، ولا اكياس الرمل لتسكير النوافذ والابواب ، ولا الحواجز لفصل المناطق عن بعضها البعض .
اخي القارئ
تعود اللبناني على جملة " تنذكر ما تنعاد " وخصّ فيها الحرب وقصد تلك السنوات المريرة والصعبة ، وتعودت عليها السن العامة : الحرب ، الرصاص والقذائف ، القتل والتشريد والتدمير ، ولكن ايها اللبنانيون لدينا " تنذكر ما تنعاد " لأمور اشد مرارة من طلقة النار وانفجار لغم او قذيفة ، واشد وقعا من سيارة ملغومة او فقدان صديق او عزيز. " تنذكر ما تنعاد " لكل ما وصلنا اليه بعد اكثر من عشرين سنة على انتهاء حرب النار والدخان .
عزيزي اللبناني
اقول "تنذكر ما تنعاد " عندما ارى ما نحن فيه ،وما اصبحنا عليه من تقسيم وشرذمة بالنفوس ، من احقاد وضغائن .
عندما ارى السياسيين واسمعهم يتكلمون باسم الشعب ، واي شعب بقي لينطقوا باسمه .
عندما ارى فئة من اللبنانيين تغمرها نشوة الغلبة والسيطرة بفضل سلاح اصبح مشبوها وعليه الف علامة استفهام .
" تنذكر ما تنعاد " للتقسيم الجغرافي والفرز المناطقي ، للبؤر الامنية والمربعات الحزبية ، للتجمعات الاستيطانية الجديدة ( ويا ليتهم تعلموا الديمقراطية الاسرائيلية بدل ذلك ).
"تنذكر ما تنعاد " للاغتيالات السياسية بعد ما تعذر الاقناع والاقتناع .
لمجلس نيابي خذل الامة واصبح دون مستوى طموحات هذا الشعب الجبار.
" تنذكر ما تنعاد " لحكومات تبدأ وطنية وتنتهي عميلة ،ومنتوجا مستوردا .
لفساد مستشرٍ ، ولهدر مالٍ ، وسرقة خيرات هذا الوطن .
"تنذكر ما تنعاد " على ولاء طغى على الهوية اللبنانية وعلى انتماء ضاع ما بين نظام وولاية .
" تنذكر ما تنعاد " على اجهزة حكم مسيّرة وعلى المصالح المعتبرة فوق كل اعتبار، على القضاء ، على الاصلاح وحقوق الانسان وحق الوطن وواجب المواطن.
تنذكر ما تنعاد على هذا الوطن ، على لبنان .
ايها اللبناني
لندع العاطفة جانبا ولنتكلم بالعقل وبالمصلحة الوطنية العليا ،كل فرد يختبئ خلف "تنذكر ما تنعاد " ولا احد يجرؤ على قول الحقيقة . كل من زاوية مختلفة يشعر بقرارة نفسه بانه الخاسر الوحيد من هذه الحرب وبالتالي يتمنى ان يصحح هذه النتيجة ، انه شعور الغالب والمغلوب الذي بات واضحا الان اكثر من اي وقت مضى .
لا اريد التطرق الى التفاصيل حتى لا يقال عني اني من دعاة الحرب ، ولكن الوقائع لا تكذب وشحن النفوس لا يُستّر، وانتهاك حرمات الناس وحريتهم السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية وحتى الحرية الشخصية كلها تتجه نحو ما نخشاه كلنا ، ونعود "نتخبى بخيال اصبعنا " ونقول " تنذكر ما تنعاد " .
ايها اللبنانيون
كلكم اسستم لحرب اهلية الا نحن في الجنوب ، كل احزابكم استعدت لها الا نحن ،كلكم شاركتم بها على اساس طائفي ومذهبي الا نحن ، تعددت عندكم الولاءات وتنقلتم بين الاعداء الا نحن ، ربحتم وتنازلتم وقبلتم وختمتم اتفاقات " الطائف ، والدوحة ، والاخوة ، الى آخر ما بصمت ابهامكم اليسرى واليمنى الا نحن، نحن من دُفع اليها واُجبر على خوضها ، ونحن في مهب الريح ، كلكم رضيتم بالذي اصابنا وتساهلتم مع ضمائركم حتى نسيتم وقع صراخها ،آلاف المهجرين والمهاجرين ، واللاجئين ،والمحتجزين ، والمغيبين والمفقودين ، وبعد كل هذا تأتوا الينا وتقولوا "تنذكر ما تنعاد "؟ .
اخي اللبناني
لست من هواة الحرب، ولا من هواة العنف، ولا الصمود والتصدي ولا الاستسلام والتخاذل. انا من هواة بل من عبدة لبنان والارز ، انا واحد من الذين سقوا التربة دماءً وحملوا راية الوطن عالية حرة ، انا واحد من الذين قاتلوا سنوات طويلة دفاعا عن قيم لبنان واحلام لبنان وصيغة لبنان ،لا احد يستطيع ان يثني عزيمتي ، ولن اقبل الا بالحق لكل صاحب حق وبالهوية لكل من يستحقها .
بالله عليكم كفى " تنذكر ما تنعاد " .