الاثنين، 22 أكتوبر 2012

العين بالعين والسن بالسن

رحم الله حمورابي واسكنه فسيح جنانه ،رحم الله حمورابي وطيّب ثراه واكرم ذكراه ، رحم الله حمورابي لأنه ادرك منذ آلاف السنين ان الشرق العربي لا يُحكم الا  : "العين بالعين والسن بالسن ".
رحمة الله عليك يا حمورابي ، واقف الآن اجلالا واحتراما لفطنتك وبُعد نظرك وذكائك ، فوالله ما اخطأت في تقديرك ولا زايدت في تفكيرك ، فقد رسمت طريق الديمقراطية الصحيحة التي لا تقبل الشك ولا التأويل ولا ترضى الحذف ولا التغيير ، فمن عاملك بالحسنى تعامله بمثلها  ومن عاملك بخشونة تعامله بخشونة ، ومن مدّ يده اليك تمد له يدك ، ومن ضربك تضربه ومن حماك تحميه، اوا ليست هذه قمة الديمقراطية والمساواة والعيش المشترك ؟
ايها اللبناني
انت تعيش في غابة والبقاء فيها للأقوى ، آن الاوان لتدرك من انت  وللأسف الشديد " ما انت " . آن الاوان لتدرك بان الفرز الطائفي في لبنان انتج فرزا طبقيا ، وتصنيفا بشريا متدرجا في  المواطنة . ان الكلام الصريح هو الذي يفيد ولا مجال بعد اليوم للاختباء خلف الوهم والتسلح بكلام لا يُقنع ، فاعرف نفسك جيدا وبأي درجة انت وما هو محلك من الاعراب المذهبي والطائفي وما هو ولاؤك الاقليمي اولا والمحلي ثانيا . اننا اليوم امام صورة نخجل منها جميعا ولكننا دائما نطليها باللون الذي نريد لتظهر بالمظهر الذي نريد وهذا هو رأس الغباء والتنكر للحقائق . اعرف نفسك اين انت وتصرف من خلال موقعك وان كنت تريد التغيير فآن الاوان لاتخاذ القرار .
ايها اللبناني
ان حزب الله لا يمكن ان يترك سلاحه ابدا مهما كلف الامر، وطالما انت في موقع الصراخ والتمني والترجي بأن يمنّ عليك هذا الحزب ببعض النعم فانت ستبقى كما انت رقما لا اكثر ولا اقل ، فاتخذ القرار وتذكر حمورابي وقوله الشهير وتذكر بانك لست البادئ ، فكل مبتغاك هو رفع الظلم والمساواة والمشاركة . نعم ايها اللبناني ، فاذا استمر الغيرُ بامتلاك السلاح ، فتسلح انت ، ولماذا لا ؟ الا يحق لك حمل السلاح للدفاع عن النفس ؟ الا يحق لك حمل السلاح للوقوف بوجه اعداء الوطن كما يحق لمن يدعي الحرص على الوطن ؟ الا يحق لك حمل السلاح  على الاقل من باب المساواة في الحياة والمصير ؟ الا يحق لك حمل السلاح من اجل طائفتك ومذهبك كما الحال لغيرك ؟
اخي المواطن
ان اسألك واسأل نفسي : لماذا كل هذه الاغتيالات من طرف واحد  اي 14 آذار ؟ لماذا وحدهم فقط زعماء وقيادات 14 آذار يعيشون في دوامة الخوف والقلق داخل الوطن ومنهم من فضّل السفر والعيش في الخارج ؟ لماذا لا يخاف زعماء 8 آذار على انفسهم ولا يقلقون من الارهاب وسلاحه ؟  الجواب بسيط جدا وحتى الاحمق يعرف الحقيقة ، والاثباتات كثيرة ، منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري (- الشهيد -وبالإذن من النائب ميشال عون ) ومنذ صدور القرار الاتهامي بمنفذي الاغتيال والعناصر المتهمة في حماية حزب الله رافضا تسليمهم ، والمتهم ايضا بمحاولة اغتيال النائب بطرس حرب لا يزال حرا طليقا في عرين حزب الله ، الى ما هنالك من ميليشيات وعشائر مسلحة تحت راية المقاومة المشكوك بأمرها جدا جدا . ان سكوتك ايها المواطن هو الذي اعطى الغطاء للاغتيالات وفتح الباب من دمشق الى بيروت مع علي مملوك وميشال سماحة وصولا الى اغتيال وسام الحسن . نعم ايها اللبناني الساذج البسيط او المتباسط اللّامهتم ، نراك اليوم تصرخ وتصرخ وتنادي وتدعو الى التظاهر واستنكار الجريمة ، وهل هذا ينفع ؟ الا ترى نفسك كشبه مواطن في شبه وطن ؟ الا ترى قيادتك مشتتة في كافة انحاء العالم ؟ اهذا هو النضال ضد السلاح والديكتاتورية باللجوء الى فرنسا او السعودية او قطر ؟ هل رفضك للحالة المزرية هي السعي لإرضاء الحزب واعوانه من خلال النائب عقاب صقر وغيره ( مع الشكر طبعا لكل من يسعى لإعادة اي لبناني الى وطنه ) للاندفاع لإعادة المخطوفين في سوريا الى بيوتهم ؟ ولماذا لا يندفع النائب علي عمار مثلا لإعادة المخطوفين اللبنانيين في سجون النظام السوري ؟ هل ارضاء حزب الله هو ضمانة مستقبلكم ولأجيالكم من بعدكم ؟
ايها اللبنانيون
اذا كان النزول الى ساحة الحرية والتظاهر والاعتصام لأسقاط الحكومة ، فالأفضل لكم البقاء في بيوتكم لان اسقاط الحكومة لن يفيدكم بشيء ، ولنفرض سقطت ، فهل تستطيعون تولي الحكم والمسؤولية ؟
لقد مررنا بتجارب سابقة منذ العام 2005  ولم نحرز اي تقدم يذكر باستثناء الانسحاب العسكري السوري – العلني – والكل يعرف البقية . ان المطالبة بإسقاط الحكومة مضيعة للوقت والطاقة والاندفاع ، فالمطالبة الحقيقية هي بإسقاط نظام السلاح والتبعية والاحلاف الطائفية والولاءات الخارجية .
اخي المواطن
ان اغتيال اللواء وسام الحسن هو درس ورسالة لكل لبناني يحاول ان يرفع راسه قبالة حزب الله واعوانه واسياده السوريين والايرانيين ، انها رسالة واضحة لكل عاقل ،لا اجهزة امنية مستقلة خارج السيطرة والتوجيه ، ولا منظومة امنية غير التي يرضى بها الحزب ويسمح بها ، لا سياسة خارجية غير التي يريدها ( والبركة بالوزير عدنان منصور ) ، ولا سياسة اصلاح الا التي تصلح له ( وليسمع التيار العوني ) ، ولا قرارات مصيرية غير التي يقررها ( وليسمع ميقاتي جيدا ) وبالتالي  لا دولة الا دولة حزب الله ، وكل من لا يرضى بذلك ويُسلّم له سيدق عنقه ، وسيتبدد جسده وستُمحى ذكراه . اعلموا ايها اللبنانيون ان لا قوة فوق قوة حزب الله ولن يكون لكم الا الطاعة والاذعان لهذا المثلث : حزب الله وحزب البعث وحزب الائمة ، الا اذا حزمتوا امركم ووقفتوا وقفة الند للند . نعم اني اتوجه الى القادة في 14 آذار واقول : اذا لم تكونوا على دراية بما تفعلون وعلى قرار واضح بالمضي قدما مهما كلف الامر ، لإسقاط سلاح الهيمنة غير الشرعي ،فالأجدر بكم ان تلزموا بيوتكم وترفعوا الرايات البيضاء ، او تسافروا الى بلاد العم لويس الى ان يحل الله امرا يكون خيرا لكم .
اخي المواطن
انا لا ادعوك الى الحرب ولا ادعوك الى الثورة  ، بل ادعوك للوقوف ولو لمرة واحدة تحت راية واحدة والمطالبة بمطلب واحد وهو نزع السلاح من كل الاحزاب والحركات والمنظمات على الارض اللبنانية وحصره فقط بالدولة . مرة واحدة ، ليقف كل لبناني وقفة لا عودة عنها حتى تحقيق الهدف ، لنعلن الربيع اللبناني ، لنملأ الساحات والشوارع في كل مدينة وبلدة وقرية بالشابات والشباب ولنعلن العصيان على هذا السلاح حتى يصدأ ويقع ، لنناضل سلميا وحضاريا ، واذا ما جوبهنا بالبربرية وبالسلاح فاعذر من انذر ، ، العودة الى ديمقراطية حمورابي " العين بالعين والسن بالسن " والبادئ اظلم .

السبت، 13 أكتوبر 2012

هات ايدك والحقني

ومرة اخرى يفاجئنا الساسة اللبنانيون بحرصهم ومتابعتهم وتأكدهم من حصول المواطن اللبناني على حقه المقدس ، بإيصال صوته من خلال انتخابات حرة ونزيهة في ظل قانون جيد يراعي العيش المشترك ، ولا يخرق اتفاق الطائف ولا يكسر العرف ولا التقليد .
ومرة اخرى عزيزي القارئ نرى هؤلاء الساسة يتدافعون ويتسابقون بإعطاء الدروس والنصائح، وبتلاوة البيانات البليغة والمؤثرة حول جدية هذا الطرح او ذاك ، وحول مصداقية هذا القانون او ذاك ، وهم بالحقيقة يعزفون جماعات وافرادا على قانونهم الخاص الذي يوصل الكرسي اليهم قبل ايصال صوت الناخب الى المكان الحقيقي والى هدفه المحق والمشروع .
عزيزي المواطن
ما بين قانون الستين ومشروع القوات ، وقانون النسبية وطرح اللقاءات ، ضاعت الديمقراطية ومُررت انتخابات برلمانية بمن بقي وبمن حضر واُنتج مجلسا امتدادا لسابقه في الصراخ والضجيج والانقسام والتباعد. نعم، فلا قانون الستين انتج برلمانا حقيقيا ولا قانون التسعين ( او قانون غازي كنعان ) انتج نوابا بأصوات ناخبيهم ، ولا النسبية ستنجح بالمرور بين الغام الطائفية والمذهبية ، ولن ينجح اي تقسيم للدوائر في ظل تقسيم اداري لإدارة الطائفية والمذهبية . لا اريد الشرح والغوص ، فاللبناني حفظ هذه القوانين عن ضهر قلب ، ولكن الذي لم يدركه حتى الآن مع الاسف هو توقيت الساسة وانتظارهم حتى الدقيقة تسعين لطرح افكارهم وصياغة قانونهم والتسابق بإقناع العامة بذلك قبيل موعد الانتخابات ، وكأنهم بذلك يريدون الضغط والاستعجال ليصل بهم المطاف اخيرا الى نهاية لا جديد فيها ولا قانون ، ويبقى القديم على قدمه وتحصل اللعبة الديمقراطية مع بعض التعديلات الخجولة .
ان مشكلة السياسيين هي التبجح بالحرص على العيش المشترك والحفاظ على ما نص عليه اتفاق الطائف بهذا الخصوص ، ونراهم يصبون جام غضبهم على آراء اخصامهم وافكارهم وقوانينهم ، على انها تنسف هذا العيش والتلاقي بين اللبنانيين .مع العلم بان الانتخابات منذ الاستقلال وحتى هذه اللحظة لم تفرّق ابدا بين اللبنانيين ، بل ان الذي فرّق بينهم هو قادتهم وزعماؤهم ، هم وحدهم من يزرعون بذور التفرقة والكراهية ويدقون طبول الانقسام تحت شعارات وحجج سئمها كل عاقل ومدرك .
اذا كان هناك فعلا اخي المواطن من يريد قانونا انتخابيا عصريا قدر الامكان ، فلماذا التأخير في سن مثل هذا القانون ؟ ولماذا يثار هذا الموضوع في الوقت بدل الضائع ؟ الم يكن بوسعهم دراسة وتجهيز وتركيب كل القوانين والاقتراحات المطروحة خلال السنوات الاربع الماضية ؟ ولماذا يُترك هذا الموضوع للحكومات المتعاقبة  ولوزير الداخلية بالذات ليبت فيه ويقدمه ؟ الا يوجد في البلد رجال فكر وقانون ومختصون يستطيعون انجاز الف قانون وقانون ؟ لماذا لا تؤلف لجنة وطنية مهمتها وضع قانون انتخابات عصري يفي بكل متطلبات القوى السياسية والاجتماعية ؟ رضينا سابقا بالمشرّع اللبناني، ورضينا بمؤلف وملحن النشيد الوطني، فهل من مانع للجنة وطنية لموضوع وطني حساس وضروري ؟ ولماذا لم تزل حتى الساعة مسألة مشاركة المغتربين مرهونة بقرار حكومي مع وقف التنفيذ ؟ تارة تُتهم الحكومة وتارة تُتهم وزارة الخارجية ، وتارة اخرى تُتهم السفارات اللبنانية في الخارج ، حتى وصل الاتهام اخيرا الى المغتربين انفسهم على انهم لا يريدون التسجيل في سجلات لوائح الشطب .لماذا هذا الاستهتار بالمغترب اللبناني او بالأحرى اتساءل ، ما هذا الضعف بالمغترب اللبناني ولماذا هذا السكوت غير المبرر على تقاعس الدولة في ابسط واقدس حق له وهو ابداء الرأي الحر وممارسة الحق المشروع بالانتخاب ؟
اني ادعو المغتربين كافة وعلى مختلف انتماءاتهم الحزبية والطائفية ، ادعوهم للامتناع عن المشاركة بالتصويت الا اذا حصلوا على حق الاقتراع في بلدان انتشارهم ، وادعوهم بكل احترام الى عدم تلبية رغبات الزعماء بالقدوم الى الوطن للإدلاء بأصواتهم ، فان ذلك يعطيهم ما يريدون ويحقق مبتغاهم ويبرر تقصيرهم بواجباتهم تجاه المغتربين ، وهكذا ستمر اربع سنوات اخرى وسنعود الى نفس الحالة . اخوتي ، ان مقاطعتكم للانتخابات كما ذكرت لن تمس بحبكم للوطن ولا باحترامكم للحق الدستوري والقانوني ، بل ستكون ملاحظة هامة وشجاعة للذين يديرون دفة البلاد والعباد .
اخي القارئ
ان الهدف من الانتخابات هو ممارسة الواجب الوطني في تقرير مصير الوطن من خلال برلمان منتخب يقوده ويقرر مصيره . ومن اهداف العملية الانتخابية أيضا ،جعل الديمقراطية تتكلم وجعل الاكثرية المنبثقة عن هذه العملية تحكم وتُحاسب حسب النظم القانونية والدستورية . ان الحقيقة المؤلمة هي ان لا اكثرية نيابية حكمت ولا اقلية عارضت ، واجمل البدعات كانت في حكومة وحدة وطنية لا معارضة لها الا بعض الاصوات التي لا حناجر لها ولا آذانا تسمعها . ان السؤال الذي يطرح نفسه: اذا كنا لا نستطيع ان نحكم بأكثرية فائزة ، ولا نستطيع الحكم بحكومة وحدة وطنية لأنها لا تمثل الوحدة بل المحاصصة، ولا نستطيع ان نحكم لان التشريع في وادٍ والتنفيذ في وادٍ آخر ، ولا نستطيع ان نحكم لان السلاح يحكم قبل القضاء وفوق القانون ، ولا نستطيع ان نحكم لان الطائفة والمذهب والعشيرة قبل الهوية والانتماء والمواطنة ، بعد كل هذا لماذا الانتخابات اذا ؟ ولماذا هذا الصراخ ووجع الراس حول القانون والاسلوب والتوقيت والتحالف ؟
اخي المواطن
نشتم ونلعن الطائفية ونحن نعيشها كل يوم في الدوائر الحكومية وفي الوظائف العامة وفي المناسبات والاعياد وفي الطعام والملبس والمشرب ، اننا في صلب الطائفية وكل من ينكر ذلك فهو احمق وجاهل وحالم يعيش في عالم آخر ، لذلك لندع العواطف جانبا ونحكّم العقل قليلا ولو طائفيا ولنذهب مع الطرح الارثوذكسي ونطرح انتخابات مذهبية علنية ، وليسمحوا لنا ببعض التغيرات الطفيفة بان تنتخب الطائفة ثلثي ما وهبه اتفاق الطائف لها من مقاعد نيابية( بقانون الاكثرية او النسبية او بالتعيين وبكلمة اوضح حسب ما تراه الطائفة مناسبا ، وبذلك نكون قد احترمنا خصوصية كل مكونات المجتمع اللبناني )  والعمل على انتخاب الثلث الباقي ضمن دائرة واحدة لكل لبنان وبقانون النسبيّة بلائحتين فقط 14 و8 آذار مع امكانية الترشح للمستقلين . ربما نكون بذلك على ابواب تجربتين جديدتين : القانون المذهبي (80 نائبا) والقانون النسبي (40 نائبا) ولنقرر على ضوء النتائج خطوتنا التالية .
اخي المواطن
"هات ايدك والحقني " انه النظام اللبناني ، انه النهج ( الديمو- كتاتوري) الفريد من نوعه الذي جعلنا اسرى خياراته المنزلة والمقدسة (مع حرية الكفر) ، وابقانا عبيد الاقطاع السياسي والتطرف الديني (مع امكانية التحرر) ، وسنبقى نكتب ونلحن ونغني للديمقراطية حتى لا ننسى وقعها ككلمة ،ولا نقع فيها كفعلٍ .
ايها المواطن الكريم ، انت الذي يذكرك الزعيم قبيل الانتخابات ، او قبيل زيارة ابوية واخوية للوقوف على اوضاعك لان مهلة السنوات الاربع شارفت على نهايتها ، انت الانسان الطامح  والمواطن الصالح ، انت الساعي للواجبات ومستمهل الحقوق ، انت الذي تسعى الى حياة شريفة ولقمة عيش حلال ،انت الذي تؤمن بمستقبل مشرق لأولادك واحفادك ، اصبحت تردد مقولة " عباس واخيه " عشر ولاد عندو وخيّ ،، وينيّ الدولة ؟
نعم وينيّ الدولة ؟ اين اولادها واحفادها ؟
الاول يئس وسافر،
والثاني هُجّر وطُرد وتشتت في مختلف اقطار الارض ،
والثالث هُجّر وطُرد قسرا داخل وطنه الصغير ،
والرابع مفقود لدى الشقيق ،
والخامس مخطوف من اجل فدية،
والسادس مسجون دون محاكمة،
والسابع مريض دون علاج وتأمين،
والثامن عاطل عن العمل ،
والتاسع خبير مظاهرات واشعال دواليب ،
والعاشر مدمن سلاح ،

وتريدون ايها الساسة اجراء انتخابات ؟

الجمعة، 5 أكتوبر 2012

الرسالة الثالثة

الصديق
اجمل كلمة حاكتها الاحرف ، واجمل لفظة نطق بها لسان ، واجمل صورة رسمها خيال ، واجمل عطاء من صاحب العطاء ،،، انها ،،،،ولدي ...
ولدي الحبيب
تمر الايام مثقلة بالساعات وبعقارب لا تقوى على الدوران ، اخالها منهكة من ثقل الزمن وتدافع الوقت الذي لا يرحم مُتعَبا ولا يرأف بطالب راحة وسكينة . لا ادري ايهما اطلب وأتمنى يا بني ، سرعة الزمن كي تصل الى حريتك ، ام بطء الزمن كي لا اصل الى عكازتي ، ولكنك تعلم جيدا باني افضل الخيار الاول لأنه الخيار الطبيعي والصحيح .
ولدي الحبيب
اريد ان احدثك في هذه الرسالة عن ملاك مجهول ولكنه في متناول الجميع ،منهم من عرفه جيدا فتمسك به ومنهم من جهل قيمته فأضاعه ، انه الصديق يا بني ابن الحاجة والتجربة .
لا تفتش ابدا عن الصديق يا بني ، بل دعه يأتي اليك من خلال تصرفاتك وطباعك ومعاملتك للغير ، فصديقك في داخلك قبل ان يكون بالقرب منك فان شعرت به فهو فعلا موجود . تذكر دائما بانك لا تستطيع صنع صديقا بل يمكنك ان تكون دليله الى قلبك وحياتك ، اره نقاط ضعفك ليتسنى له تجنبها وتقويتها ، اره النور الذي تريده ان يراك به ، اره نفسه في ذاتك كي لا يشعر بالغربة والغرابة قربك ، اشعره بألف سبب لوجوده وبفراغ مطبق لغيابه ، فان نجحت بذلك تكون انت الصديق قبل ان يكون .
هذا هو صديقي يا بني
عرفته في وقت كان فيه الزمن يرمم بقايا اعاصير سنوات خلت ، وفي مكان شهد آثار تلك الاعاصير وعاش غضبها وجنونها . عرفت صديقي في زمنِ تدافع الوجوه من زحمة الحركة ، في مكان لا يُحدد ولا يُرسّم ، عرفته بزمن الحرب ، زمن الالم والعذاب ،  زمن التغيير والتعثر ، عرفته في مكان رويناه دما وعرقا واخذ منا زهرة شبابنا وثمرة عمرنا . هناك تعرفت اليه وتبادلنا الاسماء على صوت الطلقات وقعقعة الآليات ، تشابكت بنا الاصوات فأخرجت لحنا لا زلنا نعزفه حتى اليوم ، واغنية نطرب لسماعها ،،انها الصداقة ،،انه الصديق .
ولدي الحبيب
هكذا تبادلنا السلام واطلقنا التمنيات لنهاية سعيدة لكل ما كنا نؤمن به ونقاتل من اجله . مرت السنين وتأصلت العلاقة وتجذرت وتخطت اللقاء والتعارف ودخلت عالم الانصهار بالذات . ارى فيه وجهي الآخر، واشعر به كما لو كان في داخلي ، اراه دون الحاجة الى العين والمسه كل ما اشتقت اليه بأنامل المحبة والحنين ، اعتمد عليه كل ما الحاجة دعت ، واسند ظهري اليه كل ما احتجت الى سند .
كبرنا وكبُرتْ معنا القيم المشتركة بيننا ، وارتفعت اسهم الاحترام والثقة والتقدير  ، فكانت صداقتنا تقوى كلما ابتعدنا وتخبو كل ما اجتمعنا . هكذا يا ولدي كنت مع صديقي ولا زلت احمّله ما فاض عني من اثقال واحمل عنه ما استوجب من احمال، ننفض غبار اليأس لنتسلح مجددا بالإيمان والتفاؤل . تخمرنا كالنبيذ وتعتقنا في خوابي الصدق والوفاء وشربنا من سبيل جمعنا على ذات الخط والسبيل .
يا بني
هذا هو صديقي ، انه الظل الذي لا يحتاج الى نور ليظهر ،انه الكلمة التي لا تنتمي الى لغة ، انه الانس الذي لا يوازيه سعد ولا طمأنينة . علمني الصبر في وقت كان بأمس الحاجة الى الصبر. علمني التحمل وهو الذي بحاجة الى من ينأى بحمله .علمني الابتسامة في زمن ندر وجودها وعلا سعرها . هذا هو صديقي، افتخر بصداقته واكبر بمرافقته، واعتز بمعرفته، وارفع رأسي باسمه. كم اتمنى ان تحظى كما حظيت انا يا ولدي وكم ارغب بأن تسوقك الاقدار الى مثل هذا الصديق .
 يا بني اوصيك ان
لا تتباهى بعدد اصدقائك بل اكبر بنوعيتهم وبمدى اخلاصهم وثباتهم .
لا تعتذر من صديقك ابدا بل افعل ما هو ضروري لإصلاح ذات البين ، وليكن الاعتذار نهاية ترميم ما تصدع .
لا تترك صديقك بسهولة ، تمسك به وحاول ثم حاول ولا تيأس ،واذا ما حصل عكس ذلك ابقَ على ما كنت عليه ولا تدع غضب اللحظة يهدم ما بُنيَ في سنوات .
اياك التفريط بسر صديقك واعلم انه حامل سرك ايضا ، فاحفظ شعرة التواصل ولا تقطع امل العودة .
يقولون ان صديقك من يجرحك ، وانا اقول لك ان صديقك من يداويك قبل ان يجرحك .
يقال ان الصديق وقت الضيق ، وانا اقول لك ان الضيق هو في عدم وجود صديق .
هكذا نحن يا بني كنا وما زلنا وسنبقى بأذن الله ، وتذكر ان من اضاع صديقا كالذي اضاع يقينا ، فتتملك منه الحيرة لتقوده بعدها الى الشك الذي يحرمه دخول جنة الثقة والايمان .
هذا هو صديقي يا بني ، بداية خاتم المرسلين وبنهاية ما ملأ قلوب المؤمنين ، وما بينهما ما يرغبه الناس اجمعين .
فهل عرفته ؟


                                                       والدك
                                                5-10-2012