الأحد، 15 يناير 2012

حوار الطرشان

                                  
ما من شك ابدا ، بان اللغة وجدت لتسهيل تفاهم الانسان مع الاخر ولتسهيل تفاعل المجتمعات مع بعضها البعض . انها وسيلة الاتصال الوحيدة الفعالة بين البشر ، بها يتفاهمون وبها يتعلمون ، يتقاتلون ويتصالحون ، يصلّون ويكفرون ، وبالتالي ان الحوار سيكون الوسيلة الفضلى للوصول الى قاسم مشترك لمواقف متباعدة او الرسو على حل ما يرضي الاطراف ويبعد شبح التناحر والتباعد والقرارات المنفردة . ان اولى شروط الحوار هي اللغة الواحدة المفهومة المضبوطة والنية السليمة الصافية والحسنة والمساواة في الحقوق والواجبات .
ان هدف الحوار هو الوصول الى نتيجة مهما كانت هذه النتيجة ، فبمجرد الوصول اليها يعني ان الحوار قائم وفي الطريق الصحيح . لا حوار بدون صعوبات ومناقشات وضجيج ، وحجج واقناع ، هكذا هو الحوار والذي يصبح جزء من الديمقراطية ومن الثوابت الوطنية .
ان نجاح طاولة الحوار يعتمد على ثلاثة اسس رئيسية :
اللغة ، الاطراف المشاركة ، الاهداف ،
لا شك اطلاقا بان السياسي اللبناني هو من اشد السياسيين في العالم الماما بالموضوع الذي يثيره ، وقد اثار اعجاب النقاد والمتابعين لمجريات الاحداث ليس في لبنان فحسب بل في الشرق الاوسط عامة . نعم لقد اثار السياسي اللبناني اعجاب الجمهور لشمولية اختصاصاته وتشعبات علومه ووقوفه على كل شاردة وواردة وتبصره بكل صغيرة وكبيرة . انه خبير اقتصادي وعالم جيولوجي ، رائد في الفضاء الخارجي وغطاس الاعماق في البحار والمحيطات ، مفكر فلسفي ، ملم بالأديان كلها ، حافظ سيرة الانبياء والرسل والقديسين ، انه فقيه لغوي وخبير استراتيجي ، خبير بحوادث الطرق ومحلل مالي ويسير حسب التوقعات يحكي اللغات ويكتب الشعر ، يتكلم عن كل شيء ويغمس اصبعه في كل شيء مطبقا شعار " توما " . انه محاور على جميع المحاور ، ضليع بمحاور الطول والعرض ، وبالمحاور الداخلية والاقليمية والعالمية ، سيد التاريخ والجغرافيا يستخلص العبر وينتقي الاصح . انه المحاور اللبناني الذي عصر الديكتاتورية واستخرج منها مزيج الديمقراطية التوافقية المطعمة بالعقائدية والعروبة والقومية , هذا هو المحاور اللبناني الذي قلب طاولة الحوار من مستطيلة الى مستديرة وما لبثت ان اصبحت مخروطية برأس معتمر وبقاعدة التبعية .
اخي القاريء
هذا المحاور الذي ادهشنا بطلاقة لسانه وتناسق الفاظه ، هل بإمكاننا معرفة اية لغة يتكلم ؟ وهل يتكلم في الحوار باللغة اللبنانية ؟ ربما هذا السؤال يُضحك بعض الشيء ولكن فعلا هل يتكلمون اللغة اللبنانية ؟ ام انهم جاؤوا من خلفيات لغوية مختلفة تتقاطع فيها المصالح الاقليمية مع المصالح الدولية مع ما تبقى من مصالح وطنية ؟ نعم وللأسف ان المحاورين لا يتكلمون نفس اللغة لان ولاءهم للغة اخرى لا تتماشى مع القاموس اللبناني . فماذا ننتظر من طاولة الحوار ؟ وهل يمكننا قراءة ما ينتج عنها بلغة نفهمها ؟ فيا حبذا لو اصبح القرار الاول هو بجعل اللغة اللبنانية اللغة الرسمية لطاولة الحوار ولتنطلق بعدها المسؤولية الوطنية الشاملة باتخاذ القرارات المصيرية .
ان الحوار هو الورقة الاخيرة التي يمكن لعبها سياسيا ووطنيا بعد تعطل المؤسسات الرسمية المكلفة بتسيير امور الدولة .ربما يأتي الحوار في بعض الاحيان كضرورة لقول كلمة الفصل في بعض الامور المصيرية نتيجة عدم امكانية اجراء استفتاء عام  كما تنص الديمقراطية الحقيقية ، وبالتالي يمكن ان يكون الحوار كإتاحة الفرصة لفئة متعلمة اكاديمية مستقلة لا تربطها سياسة او محور او تحالف وتقول ما عندها بكل صراحة وبدون ضغط او مسايرة لهذا او ذاك  لتساعد السياسيين على اتخاذ قرارات صائبة ومفيدة .بالنسبة الينا في لبنان فان السياسيين هم المحاورون وهم المقررون وهم المنفذون وايضا هم المعترضون  لذلك نرى ان مصالحهم تأتي دائما فوق مصلحة الحوار نفسه وهذا ما اصاب طاولة الحوار عندنا التي عُطلت من اعضائها ودُمرت من داخلها .
كثيرون رأوا ان الخلاف على احقية المشاركة هو ما افسد مقررات الحوار وبالتالي افشلها وان استثناء البعض منها كان له المردود السيء على مجريات النقاش ، وباتت نقاشات الساعات الاولى هي عن الذي يحق له الجلوس وزرعت هذه المشكلة في الشارع اللبناني واصبحت المادة الرئيسية للحوار الوطني فاذا تخطاها نجح الحوار واذا فشل اطاح بكل شيء لان التمثيل السيء سيجلب حتما القرار السيء .هواجس ربما تخطها الديمقراطية التوافقية بإسناد تمثيل بعض الفئات لفئات اخرى تدور في نفس الفلك السياسي ، ولكن الحقيقة ستبقى حقيقة وهي ان مقررات الحوار هي ملزمة شانها شان قرارات مجلس الوزراء والا ما الفائدة منها وعليه فان جميع المشاركين على الطاولة مباشرة او غير مباشرة ملزمون بتنفيذ المقررات دون تحفظ او تردد او تأجيل . والسؤال : اين نحن من هذا ؟
سنوات مرت على بدء طاولة الحوار وسنوات مرت على اتخاذ عدة قرارات ولم تنفذ خاصة القرارات المتعلقة بالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات، لماذا ؟ اعتقد انه آن الاوان لوضع النقاط على الحروف وابداء بعض الرأي بصراحة تامة بالأفرقاء المتحاورين بأهدافهم وغاياتهم والقول حسب المثل اللبناني " اعور اعور بعينك " .
اننا نفهم جيدا موقف قوى 14 آذار من طاولة الحوار وهو موقف دأبت كل القوى المنطوية تحت رايتها على تبنيه وهو نزع سلاح حزب الله وجعله بإمرة الدولة اسوة بباقي الميليشيات اللبنانية ، ثم تحول هذا الموقف الى موقف اخف لهجة تحت عنوان "الاستراتيجية الدفاعية " آملين كلهم بان هذه الاستراتيجية  ستكون تحت امرة الدولة فقط وبالتالي فان سلاح الحزب سيكون ايضا بإمرة الدولة .هذه القوى متمثلة بتيار المستقبل والقوات اللبنانية ومجموعة كبيرة من الاحزاب والتيارات الاخرى .اما الفريق الثاني اي 8 آذار فهو فريق اساسه حزب الله وحركة امل وتحالف وثيق جدا مع الحزب القومي السوري الاجتماعي وجزب البعث الاشتراكي وبعض الحلفاء الذين هم بالأصل حلفاء سوريا في لبنان وهو متمثل بتيار المردة بزعامة سليمان فرنجية الذي اوضح تكرارا ارتباطه الوثيق والصداقة العائلية التي تجمعه مع آل الاسد في سوريا .
ان حزب الله وبعد الذي وصل اليه لا يمكن ان يتنازل عن سلاحه ابدا وتحت اية ضغوط او صفقة او اغراء وبالتالي ان سيطرته على لبنان بفضل هذا السلاح ستستمر وستقوى ، وان الشيعة وصلوا الى ما وصلوا اليه بدماء ابنائهم وقوة ذراعهم شئنا ام ابينا بذلك ، لن يتنازلوا لاحد عن هذا الامتياز الذي حلموا به منذ عهد الاستقلال وعانوا الامرين خلال العقود الماضية . اذا ان كل حديث عن نزع سلاح حزب الله اي نزع سلاح الطائفة الشيعية ( المقاومة حسب تعريفهم ) هو هراء وباطل ومستحيل ولا يمكن القبول به شيعيا بعد ما ذاقت طعمه الطيب وعاشت نتائجه الجيدة ، وان البحث باستراتيجية الدفاع عن لبنان ليس الا ترسيخا لهذا السلاح وتثبيته بأيدي حامليه شرعا وقانونا كما حصل فعلا بعد اتفاق نيسان عام 1996 الذي شرع عمل الحزب في لبنان تحت اسم المقاومة الوطنية اللبنانية .
ان موقف حزب الله واضح جدا وهو يعمل على تفادي اي انزلاق الى حوار يمكن ان يؤدي الى التفريط بهذا السلاح ولا سيما بعد ان اعطى النتيجة المطلوبة في الداخل اللبناني وارغم السيد وليد جنبلاط على تغيير تموضعه السياسي بعد اسقاط حكومة سعد الحريري . الخلاصة ان سلاح الحزب والحزب نفسه مرتبطان ارتباطا مصيريا وان بقاء الحزب من بقاء سلاحه فلا جدوى من المضي قدما في طاولة الحوار اقله في الوقت الحاضر ، وان الاشهر القادمة سوف تغير الاتجاهات السياسية في لبنان اذا ما سقط نظام الاسد في سوريا ، عند ذلك سيكون البحث في استراتيجية استيعاب حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية دون سلاحه ودون تأثيره على الساحة اللبنانية ، لان السلاح سيصبح عبئا على صاحبه بعد انتهاء راعيه وغياب الهدف منه . اذاً ان هدف حزب الله من طاولة الحوار هو اضفاء الصفة الشرعية على السلاح وبالتالي استعماله وقت ما يراه الحزب مناسبا .
عزيزي القاريء
ان من يجلس الى طاولة الحوار لا بد من ان يعرف ماذا يريد والى اية نهاية يسعى او بالأحرى يحاول الوصول للأهداف التي رسمها من قبل . هنا لا بد من القول بان كل طرف ملزم بطرح مشروعه وافكاره واستراتيجيته وتكتيكه بين قيادته اولا وامام المواطن اللبناني ثانيا وذلك ليقف هذا الانسان المسكين ولو على حقيقة واحدة يدرسها ويفهمها ويقتنع بها وبالتالي يدافع عنها والا سنبقي بمقولة الراحل احمد الاسعد ( انا عم علّم كامل ليش بدكن تتعلموا ؟) .
اذا ما عدنا الى الاطراف المشاركة سنجد ان حزب الله وحركة امل في صف واحد  يدافعان عن السلاح لأنه اكتساب بعد معاناة واصبح امتيازا وبالتالي اصبح من صلب الوجود الشيعي في لبنان واحد اذرع الثورة الايرانية الشيعية .في مقابل هذا الموقف نجد تيار المستقبل ينادي بنزع هذا السلاح وجعله تحت امرة الدولة اي تحت امرته هو بالذات وذلك لكسر شوكة الشيعة الذين فاقوا السنة عددا وقوة وهذا غير مقبول لبنانيا ولا عربيا . تجلس القوات اللبنانية على راس فكرة القومية اللبنانية والمقاومة اللبنانية الاساسية في وجه التوطين الفلسطيني والوجود الفلسطيني المسلح والانعتاق من السيطرة السورية وحلفائها على لبنان والخروج بلبنان سيد حر مستقل وسيطرة الدولة على كامل تراب الوطن . هذا بالإضافة الى الكتائب اللبنانية التي تحاول جاهدة اعادة دورها الريادي في الصف المسيحي بعد ما منيت به من انتكاسات عسكرية وسياسية على مدى سنوات الحرب اللبنانية وسنوات الهيمنة والتسلط . ان الكتائب والقوات يَعتبران انفسهما ممثلا الشارع المسيحي الحر في لبنان الذي يريد الدولة خيارا ومرجعية ويريد انهاء السلاح الغير شرعي اكان لبنانيا ام فلسطينيا . آخر مقاعد الطاولة المستديرة اذا صح التعبير يجلس الدروز الى طاولة الحوار بعد فقدانهم امتيازات عديدة بعد اتفاق الطائف ومحاولين وضع انفسهم كالزئبق الذي يؤمن التوازن بين الفرقاء كافة ، انهم (كبيضة القبان ) وابرة ميزان القوى بين الكتل كافة. المميز بالدروز انهم ما زالوا وحدة واحدة رغم محاولات تقسيمهم وشرذمتهم كصف درزي طائفي واحد . تيار المردة يقف في صف النظام السوري ولا يحيد قيد انملة وذاك نابع من موقف فرنجية الجد من عائلة الاسد وما تربطهما من علاقة قوية استمرت مع فرنجية الحفيد . ان موقف تيار المردة لا يبعد كثيرا عن موقف اليسار اللبناني عامة وهو مع حزب الله وحركة امل وباقي التيارات الاخرى طالما هي في فلك النظام السوري . يبقى التيار الوطني الحر الذي يعرف ماذا يريد من طاولة الحوار ولكن لا احد يعرف من الناس ماذا يريد التيار الوطني الحر من نقاشات والى ماذا يسعى ومن اجل من يحارب . انه ليس من 14 آذار وليس من 8آذار ، ليس وسطيا ولا طائفيا ولا مذهبيا ، بعيد كل ابعد عن التطرف همه الوحيد الاصلاح والتغيير . كلها شعارات رنانة وطنانة تزعج الاذن بدل ان تطربها يستغربها العاقل ويطبل لها الجاهل . لست ضد التيار ابدا ولا زلت مصرا على انه المسؤول الاول عن ايقاظ الحس الوطني والتحرر من الهيمنة السورية وله الفضل في ايصال لبنان الى الساحة الدولية وما انتجت من قرارات خدمت القضية اللبنانية ولكن :اين التيار الآن من كل هذه الانجازات ؟
عزيزي القاريء
اريد ان اخاطب جمهور التيار الوطني الحر وان اطرح عليه بعض ما عندي من هواجس وملاحظات حول مسيرة التيار السياسية في لبنان وما نتج عنها من تغيرات طالت الشارع المسيحي الماروني بالدرجة الاولى. لنبدأ بورقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله والتي عرفت "بوثيقة مار مخائيل"  هذه الورقة المثيرة للجدل التي طبل لها التيار معتبرا انه استطاع اختراق الحزب وجذبه ناحيته اي ناحية الاصلاح وانه على قاب قوسين من تغيير في نهجه والدخول في لعبة الدولة والمؤسسات الديمقراطية وهذا ما اقنع التيار مناصريه به واعتبروه انتصارا لهم في انتزاع الحزب من الآخرين ويقصد هنا الحلف الرباعي . ان حزب الله من جهة ثانية يعتبر هذه الورقة نصرا له واعطاها بعدا طائفيا اكثر منه سياسيا بحيث امنت له الغطاء المسيحي مجانا لسيطرته على لبنان . وانا اسأل مناصري التيار الحر : ماذا حصل التيار في مقابل هذه الورقة ( الغطاء )؟
لنطرح الموضوع بكل وضوح وشفافية. ان وجود التيار الوطني الحر على طاولة الحوار ليس الا تكملة لورقة مار مخائيل واستمرارية الغطاء المسيحي الماروني للحزب بحيث ان غطاء تيار المردة لا يلبي الحاجة المطلوبة كونه اصلا موالي لسوريا قبل وجود التيار. اذا ان وجود التيار ليس لمطالب تخص التغيير والاصلاح ولا تخص الشعب اللبناني بل تخص عدة امور اخرى وعلى راسها رئيسه العماد ميشال عون بالذات في طموحه المستمر والمستميت لرئاسة الجمهورية . اود ان اطرح وان اسأل :
هل وجود التيار الوطني الحر في طاولة الحوار هو لمنع حزب الله من السيطرة على لبنان ؟؟؟ لقد سيطر ولم يحرك الحزب ساكنا .
هل وجوده على طاولة الحوار لمنع الحزب من استعمال سلاحه في الداخل ؟ لقد استعمله ولم يرف جفن واحد للتيار.
هل وجوده لمنع السيطرة الجغرافية للحزب على الاراضي المسيحية المارونية بالذات ؟ عُقدت صفقات عديدة وما زالت صفقات قيد الدرس والتيار الوطني الحر يرحب بل يدافع عن حرية كل شخص ببيع وشراء ما يريد.
هل وجوده على طاولة الحوار للإصلاح وهو يعلم ان لا اصلاحا تحت تهديد السلاح ؟
هل وجود التيار على طاولة الحوار هو لتعزيز النفوذ المسيحي ؟ واين اصبح المسيحيون اصلا قبل البحث عن نفوذهم .
ماذا فعل التيار بالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات ؟
هل المصالحة مع سوريا كفيلة بإزالة كل المصائب التي خلفها النظام السوري في لبنان ؟ وهل كلمة انفتاح ساعدت على فتح السجون السورية لإطلاق سراح مئات اللبنانيين المحتجزين منذ عشرات السنين دون وجه حق ؟ لماذا ايد التيار حزب الله في مساعيه لإطلاق سراح المسجونين في اسرائيل من خلال حرب مؤلمة ومريرة ولا يحرك ساكنا لا مع الحزب ولا مع سوريا لإطلاق سراح اللبنانيين في سوريا ؟ ربما ان اللبنانيين في سوريا لا يحق لهم الحرية كونهم عند شقيق ولا خوف عليهم .
مئات من الاسئلة برسم الاجابة من التيار الوطني الحر خاصة لان من يدعي انه يمثل الشارع المسيحي في لبنان وانه يمثل الاصلاح والتغيير ، وانه يمثل القدرة على التعاطي مع كافة الملفات وانه الوحيد الذي يستطيع نبش قبور الفساد واحياء الحق والعدل  . ان من يدعي كل هذا عليه ان يجاوب الكثيرين من اللبنانيين على الاقل لإقناعهم بصدقية رايه وثبات خطاه .
لا اجوبة عند التيار ولا حجج لأنه لا توجد اصلا استراتيجية سياسية واضحة سوى الكلام والصراخ ونبش الملفات ، والمضحك المبكي في آن هو ذاك الصراع وتلك المعمعة لدى استلام كل وزير من التيار الحر لوزارته بدءً  بالمدير العام وصولا الى اصغر اجير مع اقتحام المكاتب والطوابق وطرح المشاريع وسحبها الى ما لا نهاية لهذا اللعب . الا يحق لي كمواطن ان اضحك وان ابكي وان اطالب بالكف عن هذه السخافات ؟ الا يوجد في الحكومة غير جبران باسيل وشربل نحاس ونقولا صحناوي؟ (مع حفظ الالقاب والاحترام) ، الا يكفي اللبنانيين غيرة وحرص وزير الدفاع السيد فايز غصن على مصالح الوطن والمواطن من وجود القاعدة في عرسال ؟ الا يكفينا وجود الرئيس الحريري على تويتر لإدارة دفة المعارضة عن قرب ؟الا تكفي سرماية وئام وهاب لحفظ ماء الوجه ؟الا تكفي فتيلة ناصر قنديل لإضاءة دروب الظلام امامنا ؟؟؟؟؟؟
حبذا لو اتخذت قوى الرابع عشر من آذار وباقي القوى في لبنان قرارا جريئا بالصعود الى الرابية (مدينة الفارابي للتغيير والاصلاح ) وابلاغ العماد عون بقرار ترشيحه للرئاسة الاولى ، بحيث ان لا خسارة بهذا الموضوع ابدا فالرئاسة الاولى على حالها ليست بمطمع ولا بهدف لأي مرشح جدي ، وان وضع حلفاء العماد عون في موقع المواجهة معه هو امر جيد ومريح للجميع ولنرى امكانية مساعدته على استرجاع صلاحيات وقيمة موقع هذه الرئاسة وان نجح فسنقول حتما ان التيار قد احدث تغييرا واصلاحا وان الحلفاء التزموا ووفوا بتعهداتهم تجاه بعضهم البعض وان العماد عون هو رجل المرحلة بل كل المراحل وسوف ادعو بكل فخر الى ابقائه رئيسا مدى الحياة اعترافا له بتضحياته الجسام ، واذا اخفق بذلك فسيكون مصير التيار على المحك ضمن الخارطة السياسية اللبنانية بحيث انه وصل الى هدفه وانتهى .
ان رؤية مغاوير طاولة الحوار وكأنهم رعاة بقر انتهوا من السطو على بنك دسم ويحاولون اقتسام المال كل حسب قوته ونسبة مشاركته في العملية ،وجاءت اخيرا كلمة الحق لغبطة البطريرك بان لبنان اصبح دويلات واهل الحكم فيه يتقاسمون خيراته وميراثه ، فيا حبذا لو تكرم علينا الاعلام اللبناني واعطانا فرصة يعفينا من خلالها سماع كلمة طاولة حوار حتى اشعار آخر ونحن له من الشاكرين .
بالنسبة الى تيار المستقبل فلا جديد على صعيد تطلعاته واستراتيجيته المستقبلية ، فهو يمثل (الدبكة الخيامية )- نسبة الى بلدة الخيام – في نضاله السياسي اي انه واقف بمكانه ، وهو يشبه المصارع الحديث الذي اكتمل جسده عضلا وقوة ولكنه يخسر دائما كل نزال لقلة الخبرة وانعدام التجارب لديه ، واعتقد انه الى حين تعلمه الحيل السياسية وزواريب المراوغة والاقتناع بان القوة ليست بالكلمة دائما ، سيصبح للكثيرين عضلا وقوة وبأسا يشاطر تيار المستقبل القيادة والسيطرة. لا احد في لبنان لا يريد العدالة ومعرفة من قتل الرئيس الحريري ورفاقه وباقي الشهداء ، ولكن تيار المستقبل قد اصبح اسير هذه المعرفة وارتبط قراره السياسي ومسيرته السياسية والعمرانية والاقتصادية بالعدالة وتطبيها وبالتالي اصبح المواطن اللبناني المؤيد والرافض على حد سواء يعاني من هذه المواقف ، العدالة او لا شيء واعتقد ان التطرف بالوطنية كفقدانها تماما والتطرف في التمسك بشيء وترك الكل خلفه هو تطرف اعمى ، فالرؤساء يأتون ويرحلون وتبقى الاوطان ولكي تبقى ايها الاخوان علينا ابقاء الأنسان كانسان وليس كسلعة ولا اجير مبدأ او عقيدة ،  تماما كما الحال مع حزب الله "المقاومة هي كل شيء" .هذا العقم السياسي تجلى اكثر من مرة في تخبط السياسيين اللبنانيين وخاصة عند كل تحدي وعند كل مفترق حكومي او انتخابي . ازاء هذه العقلية وهذه المواقف الجامدة ، هل تستطيع طاولة الحوار ان تزحزح هذا الجمود ولو على سبيل المجاملة ؟
قطبان آخران بقيا على الساحة الحوارية نبيه بري ووليد جنبلاط ، حليفان وصديقان رغم كل شيء ، يمارسان اللعبة السياسية بالفن وروح النكتة ، مواقفهما تحير وسرعان ما تُغير ، لهما اسلوب مختلف يؤثران على مجريات الامور ، ولكن : اعتقد ان حركة امل قد اقتنعت اخيرا ان حزب الله سينتزع منها الشارع الشيعي نهائيا وان سلطتها على الارض باتت مهددة وضعيفة وغير مجدية ، لذلك تسعى الحركة الى استقطاب واستيعاب اجيال شابة من الشيعة ذات الخلفية اليمينية –اي من اليمين الشيعي التقليدي – وذلك بإظهار الوسطية السياسية لدى الحركة وهذا بالتعاون مع الحزب الاشتراكي الذي يسعى رئيسه الى الوسطية وتثبيتها كقوة ثالثة بين 8 و 14 آذار . اننا على ابواب تحالف درزي – شيعي- مسيحي واغلب الظن في مرحلة ما بعد الاسد في سوريا ، الرئيس امين الجميل والرئيس نبيع بري والاستاذ وليد جنبلاط ، هذا الثلاثي الوطني بامتياز هو الذي سيلعب الدور الرئيسي في طاولة الحوار المستقبلية .واعتقد ان هذا الحلف الوسطي هو الذي سيحل محل المثالثة الطائفية- المذهبية "الشيعة – السنة – الموارنة " وستبرز طاولة الحوار على صورة القوى السياسية وليس القوى الطائفية ، وستعقد اولى الجلسات الى طاولة مثلثة الابعاد : اليمين واليسار والوسط . هكذا ربما يمكننا العودة الى اللعبة الديمقراطية الصحيحة .
اننا نشهد الآن الفصل الاخير من حياة النظام السوري وان الخيارات امامه باتت محصورة بخيارين اثنين فقط :
الاول : تنحي الرئيس بشار الاسد وسفره الى الخارج وانتهاء حكم العلويين وبالتالي انتهاء حقبة حزب البعث .
الثاني :انزلاق سوريا الى حرب اهلية وهو خيار غير مستحب لا لدى العرب ولا الاوروبيين ولا الإيرانيين الذين وسعوا رقعة التدخل في الشأن السوري واعطوه البعد الدولي وخاصة مع بدء المناورات العسكرية الايرانية في الخليج والتهديد بإغلاق مضيق هرمز ، كل ذلك هدفه ابعاد اعين العالم عما يجري في سوريا وابعاد الاهتمام العالمي عنها ولو لبعض الوقت من خلال شغل العالم بقضية الملاحة والبترول ، اضف الى الخوف الايراني الحقيقي من نجاح الثورة السورية وانتقالها الى الشارع الايراني الذي سيتأثر بها لا محالة . لا هذا ولا ذاك سيساعد النظام بشيء لان الشعب السوري قد اتخذ قراره بالمضي قدما بالثورة حتى اسقاط النظام والتحول نحو الديمقراطية والحرية وتقرير المصير .
لا بد من الرجوع الى الواقع الحقيقي للذي يحصل في لبنان ، واتمنى على كافة الاحزاب والتيارات ان تعقد طاولة حوار داخلية بين قادتها لاتخاذ الخطوات السياسية الثابتة ورسم الطريق للوصول الى اهدافها ، ومن ثمَّ عقد طاولة حوار بينها وبين قاعدتها الشعبية لاطلاعها على خططتها ودراستها واقناع الشارع بها قبل الذهاب الى طاولة الحوار الوطني .
كلنا امل بان نرى حوارا سياسيا سليما لا تشوبه لغة ولا ينقصه تمثيلا ولا يفتقر الى هدف ، ولا تعطله حاسة سمع ، ولننسى "حوار الطرشان ".                            

الأحد، 1 يناير 2012

علاّقة

حزين وكئيب ، وكأن هموم الدنيا فوق كاهله المُثقل اصلا بسنوات طوال من العمل والجد والكد . جلس شاهين ينظر الى الافق البعيد ، ينفخ ما استطاع من نفس ليوقد موقدا شارف على ان يخمد ، محاولا تحضير فنجان قهوة تحت تلك السنديانة العتيقة التي شهدت ولادته وولادة ابنائه واحفاده .
قصة شاهين قصة طويلة وطويلة جدا ، كقصة السنديانة نفسها بدأت منذ فجر التاريخ حيث كان لشاهين الطموح لما يريد ، والارادة لما يريد ان يكون . ترعرع على حب الطبيعة من الارز وشجرة الليمون الى السنديانة الى نبتة التبغ التي شربت من عرقه لتعيش قبل ان يشربها وينتهي .
جلست بقربه محاولا ان احرك الصمت وان ادفع بالحروف لتجتمع علّها تطلق كلمة تكسر هذا الهدوء المقلق ، نظر اليّ ثم نظر ثانية فقلت له نعم وكأني احثه على مشاركتي بعض ما يعانيه . ثبت لبادته على راسه وشد زنار سرواله وانحنى على الارض وحمل حفنة تراب وتركها تنساب من بين اصابعه تاركا للريح حرية العبث بها وتنهد قائلا :عليها ولدت ، ولأجلها عشت ،وسأعود اليها كلما اشتقت ، زرعت فيها الامل وسقيتها الرجاء ، حصدت منها الثبات وفخر الولاء،، انها الارض ، انها الاصل ، انها الزمن الذي لا ينسى ، والقدر صاحب الباع الطويلة ، والايام كثر ولكنها قليلة .
حملني شاهين من حاضري وقدمني للحقيقة ، وسلمني للزمن وخبأني في الذاكرة ، وما بينهم مشوار طويل ، تعاقبت عليه الامطار والرياح ، ولونته الثلوج وصدعته زلازل ، مسيرة بثبات الى انزلاق الى مراعاة خواطر ، ثم خرق المحظورات واباحة المحرمات .
صعد شاهين ذاك الجبل الشامخ وقال اتبعني ولا تسأل ، تأمل ولا تتكلم ، دع الصمت يخبرك والعبرة تقنعك ،صعدنا ببطء وثقل ووجل ذلك السفح المنقش بشقائق النعمان وورق الغار ، تنبسط تحت الصنوبر والشربين ، تحاول عصر الزيتون وسلق البلوط لتمد ساكني هذا الجبل بعصارة الخلود .حديقة غناء ورياضٌ معلقة تزاحم الغيوم في ملعب السماء ، كل شجرة تقصُّ قصة وهي القصة بذاتها نقلناها جيل بعد جيل الى ان اصبحت اسطورة ، والاسطورة حقيقة ، والحقيقةُ تقال ان الحقيقة كذبة بيضاء احتراما لأبطال الحقيقة .
لم اتمالك نفسي بالرغم من شدة بأسي ، وحبست انفاسي الى ان فلت مني صمام المعرفة وثار بركان صدري وصرخت :يا الله ،،،يا الله ،،،وكانت صرخة من الاعماق ايقظت الشواهد ، وتحركت من تحت الثرى جذور اورقت حروفا واُلصِقتْ دروسا على هياكل كانت من الامس هامات يحسب لها .
جلست بالقرب من عود ثقبه الزمن ورشح منه قدر وافي من اجوبة لا اسئلة لها . من انت ؟ ولماذا ؟ وكيف ؟ ،،، بكيت وبكيت على خبر لا اعرف بدايته ، بكيت من قصص وروايات خُلّد صانعوها وغاب ذكر ابطالها ،ولكن من يتكلم ومن يجرؤ ومن يصدق ، لا احد كلهم شواهد ، والشاهد لا يتكلم لأنه لا يرى ولا يسمع بل يعظ ويهدي ويدل وينصح .
حمل شاهين معوله وراح ينبش التراب ويقلّب موجات من اسرار خبأها التاريخ والبسها النسيان ، وأكفهرّ وجه شاهين والعرق ينزلق على خديه مصطدما بمطبات رسمها الزمن وحفرها التعب والشقاء . وقف والتفت اليّ وقال : هذا منزل شهيد، وهناك آخر ، وتجمع آخر فوق ، وآخر ،،وآخر ،هل ترى ؟ هل ترى ؟ وبدأ يقفز ويقفز ويروح ويجيء متنقلا بين تلك القبور محركا الشواهد وكأنه يدق الباب او يطرق نافذة ووقف : هنا قاعة الامراء ، فخر الدين وبشير ، هنا من حارب العثمانيين وربما ندم ، وحارب الفرنسيين والتجأ اليهم ، وآخرين ، شهداء اصحاب واغراب ، عابروا سبيل ، اتعلم لم يصلّوا ابدا كانوا كفرة نعم كفرة ، كفرة بالطوائف والمذاهب ، مؤمنون بالله والوطن فقط ، لذلك سموا بشهداء . شاهين يركض ويتنقل ولا استطيع السيطرة عليه او مجاراته في الحركة رجوته ان يتوقف وقلت له : كفى بالله عليك كفى . جلس اخيرا ووضع راسه بين يديه ودموعه تبلل يده ، هنا سقط الرجال من كافة المناطق اتوا ليسقطوا عندنا من المنظمات والاحزاب والتنظيمات ، ابناء البلد وابناء الجيران ، اغراب احبوا الموت عندنا لأنه يجلب لهم الجنة والخلود ونحن اصحاب الارض واصحاب المهن الحرة خبراء الصلاة والدفن والتعزية ، ولا تنسى ابدا تشعب الثقافة عندنا نصلي بكافة اللغات وندفن حسب المعايير الدولية . لا ادري هل اتوا للدفاع عنا ؟ ام للدفاع عن قيم هم آمنوا بها ؟ شهداء من اجل لبنان ؟ واي لبنان ؟ ماذا قدم لهم لبنان بعد الشهادة ؟ هل هذا هو الوطن الذي ارادوه ؟ ام هذا هو الدور الذي لعبوه ؟ تعددت الاسباب وتبعثرت الجمل ، وتراكمت عبارات الحزن لفراق الرفاق ، علت الشواهد فوق بعضها علها تنهي ما قبلها وهكذا لوحة فوق لوحة وتاريخ فوق تاريخ لتجد طريقا الى مكتبة اعماق الضمير البشري . ويعود شيخ من هنا وامام من هناك وناسك ما بينهما ليقولوا انهم شهداؤنا وليرحمهم الله ويسكنهم فسيح اعماقنا .،
 لا ادري يا بني لعلي كبرت بالسن وخانتني الذاكرة ، كل يوم آتي الى هنا لأحفر وازرع وكل مرة اجد شاهدا جديدا وسائلا يسأل نفس سؤال الذي سبقه : اين اصبحنا ؟ هل شفينا من آفاتنا ؟ هل ما زلنا بحاجة الى شواهد اخرى ؟ وهل كتب علينا الموت من اجل الموت ام اننا في طقوس ونذور ؟ وهل اصبحت الشهادة عادة عندنا ؟ لا اعلم ربما ستصبح عادة سيئة بعض الشيء.
حاولت تهدئة شاهين بالسكوت المطلق وطاعة الاستماع ولكنه ازداد انفعالا واستمر بضرب معوله هنا وهناك وفجأة ،،، شقت الارض وانتصب مارد بحلة انيقة ودنا هامسا : ماذا تفعلان هنا ؟ ومن انتما ؟ افقت من الصدمة لبرهة وجمعت بقايا شجاعتي ونظرت اليه جيدا ، يا للهول ويا للعجب افي حلم انا ام في يقظة ،  لقد عرفته ، نعم لقد عرفته ، انه علاّقة ،، علاّقة قائد ثورة مدينة صور ، منذ فجر التاريخ والناس تردد وتردد " عزٌ بعد فاقة ،ثورة علاّقة " والتفت ناحية شاهين فأشار بنعم انه هو . اعادت رشدنا صرخته تلك : " اسمعوا اعرف كل شيء منذ موتي قبل آلاف السنين ولا شيء تغير ، يكفي ما تحملته في حياتي من مصاعب ومصائب ، ويكفي خيبة الامل من احفادي بالرضوخ والقبول بما لم اقبل به لهم ابدا، اريد الهدوء واطلب منكم المغادرة وعدم العودة ، وازرعوا في مكان آخر،،، واختفى علاّقة وغاب ،،،
عدنا الى الصحوة وامسكني شاهين وقال : تعالى يا بني ،، في هذه الارض يزرعون الموت ليحصدون المناصب .



                                                                 25/12/2011