الأربعاء، 30 مايو 2012

تحرير ام بداية التعثير

                       
ما اتعس الناس التي تدّعي ما ليست عليه ، وما اسعد الناس التي ترضى بما هي عليه ، فما بين الادعاء والرضى تكمن جوهرة النفس ونقاء الروح وحسن السريرة . ان القناعة كنز كما يقال ولكن القلة القليلة التي تعرف اين يكمن سر هذا الكنز فعلا . ان الكنز الحقيقي عند الشعوب هو في وحدتها وصون ارضها ومجتمعها وحماية افرادها ، وبالتالي يكمن كنز الارض بشعبها وبساكنها ولا قيمة لأرض خالية من الحياة ولا قيمة لشعب خال من الولاء . اننا وعلّنا نهتدي ، وعلّنا نقتنع ، ونصغي ونفهم باننا ابناء الوطن الذي سيصبح شبه وطن اذا شح فينا الولاء لهذا الوطن.
نفض ابو علي عنه غبار السنين ، ومسح ذاكرة الايام علّه يرى بوضوح تلك الاوقات التي كان للإنسان فيها قيمة واحتراما ووجودا . تدحرجت دمعة مثقلة بالصبر والايمان بين تجاعيد عبث بها التعب ولونها القهر وقال :سقى الله ايام زمان عندما كان للمرء رأيا وللمشورة صاحبا ، وكانت الكلمة اقوى من السيف والخاطر اقوى من الكثرة ، سقى الله يا بني ايام كان العز والفخر لحملة الاقلام واحرف الطباشير، وتابع قائلا :
اسمع يا بني ، نحن الجنوبيون تعودنا على التضحيات ودفع الاثمان وسداد ديون الوطن منذ فجر الاستقلال . نحن الجنوبيون لطالما كنا الحلقة الدائمة والجاهزة لربط اواصر الالفة والمحبة ، حلقة امتداد التواصل والتلاقي والتعاون ، نحن الجنوبيون لطالما كنا السباقين الى صون الارض والعرض والكرامة ، ندفع للكل عن الكل ودائما بغنى عن الكل .
شدني حديث الحاج ابو علي وشعرت بأن رباطا قويا جذبني الى ذلك الكهل المليء بالعبر والحكم ، واردت في قرارة نفسي ان يفرغ ما يحتويه ذلك الكنز من الذاكرة علّنا نستطيع ان نُخرج منه طريقا صحيحا لنا ولأولادنا من بعدنا ، هذا التاريخ المليء بالتجربة بل بالتجارب علّه يهدي من يفتش عن تجربة .
يا بني ،،لقد ضقنا ذرعا بالذين يحاولون ان يصوروننا وكأننا الفئة غير المكتملة عقلا وتفكيرا واجتماعا . لقد عفنا الناس الذين يحاولون اجبارنا على التصديق  بأننا ما زلنا اطفال الغابة الاولين الذين يتكلمون ولا يفهمون ، يأكلون ولا يشبعون ، يتعلمون ولا يفقهون .
ناولت الحاج لفافة تبغ بعد جهد جهيد في تحضيرها حسب التقليد " العربي " وقلت له : يا حاج ،،لماذا هذا التشاؤم ؟ الحمد لله انت في ارضك وفي قريتك وبقربك اولادك واحفادك ، ما الذي يزعجك ولا يرضيك ؟
قال : لقد قيل ان الولد هو اغلى ما في الدنيا ، وقيل ايضا ان ما اغلى من الولد الا ولد الولد ، ولكن يا بني ان اغلى من كل هذا هو الوطن ،فما نفع الاولاد اذا كانوا من دون وطن ، وما نفع الاحفاد اذا فقدوا الولاء والانتماء ، صحيح انني في قريتي وبين اولادي ولكنني غريب وما اصعب غربة الداخل يا بني ،،،
رفع راسه قليلا وتابع :منذ الاستقلال ونحن غرباء في الجنوب لا نمت بصلة الى الوطن ولا الى شركائنا في بقية المناطق ، ولا نمت بصلة الى الدولة ولا هي بالمثل ايضا وبالتالي اصبحنا مواطنين مع وقف التنفيذ ، ثم جاء الفلسطينيون وشرّعوا عملهم المسلح ضدنا وضد اسرائيل حسب اتفاق القاهرة عام 1969  واصبحنا اكثر واكثر اسرى المزاج الفلسطيني واللبناني الثوري الثائر المنتفض ، وبتنا ورقة لعب سياسية ومذهبية اكثر منها وطنية وقومية لبنانية .انتهت منظمة التحرير وجاءت اسرائيل، نعم يا بني لقد استقبلناها بالأرز والورد على امل انقاذنا مما نحن فيه طمعا بالأمن والامان والهدوء وربما طمعا بقليل من الديمقراطية الحقيقية وبعض من حقوق الانسان . فوجئنا بان مصالح الدول اهم بكثير من وجود الامم والمجتمعات وهكذا هُجّرنا من جديد وبيعت نفوسنا في سوق الولاء الرخيص واُضطهدنا تارة من الخارج المحتل  وتارة من الداخل المعتل ، وانتهى بنا المطاف في عام 2000  حين انسحبت اسرائيل وازيح عنا ذلك الكابوس والحمد لله يا بني لقد اراحنا الله من كوابيس عديدة وها نحن تحت كابوس جديد غير كل الذي سبقه ، انه كابوس الكيد والنار كابوس الظلم والعبودية باسم الدين وباسم الوكالة الالهية ، كابوس يا بني لا تستطيع رفضه لأنك ان فعلت فبذلك ترفض الوصاية الالهية ، والبعثة المقدسة ، وان حصل وتصديت له اصبحت عميلا وجاسوسا وكافرا وناكرا للدين والمذهب والجماعة . هل اتضحت لك الصورة الآن يا بني ؟ وهل فهمت لماذا الشكوى مما نحن فيه ؟
لقد ظننا ان زوال الاحتلال سيفتح لنا صفحة جديدة مشرقة في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وفي كافة المجالات ، ولكن فوجئنا باننا اصبحنا تحت احتلال آخر داخلي ، وهذا اصعب بكثير من احتلال اسرائيل او سوريا او منظمة التحرير الفلسطينية ، انه احتلال داخل البيت اللبناني نفسه احتلال الاخ لأخيه والاب لابنه ، سيطرة حارة على اخرى وبالتالي فئة على اخرى وهكذا تأتي غلبة طائفة وسيطرة مذهب وهذا ما نعانيه اليوم في لبنان . يقولون انه انقسام وانا اقول انه احتلال ، فالانقسام يحصل سياسيا وحزبيا وعقائديا وهو مسموح بين الفرقاء والشركاء ولكن بنفس الشروط والمعايير والمعطيات . لن يكون انقساما اذا وجد السلاح في يد واحدة ولن يكون سباقا للإصلاح السياسي والاجتماعي اذا كان السلاح نقطة الارتكاز ، انه الاحتلال بعينه فالقوي يحتل الضعيف ويسطر على خياراته كافة ، ولا دورا لمن يجري وراء الديمقراطية والحرية وبناء المؤسسات الحديثة العصرية ، في حين ان الذي يقبع وراء السلاح يشدنا كلنا بقوة هذا السلاح الى اتجاه واحد والى طريق واحدة رسمها هو وخطّ مفاصلها ومحطاتها دون الرجوع الى احد . انه واقعنا الحالي في هذا البلد وتراني اشكو واشكو واقول سقى الله الماضي حين كنا نشعر فعلا بالكرامة والفخر والولاء الوطني  .
اخي القارئ
اثنا عشرة عاما مضت على الانسحاب الاسرائيلي وكما يدعون في لبنان "العيد الثاني عشر للتحرير " حسب قاموس من يؤمن ويعتقد بانه فعلا حرر لبنان . سنوات مرت وانا اسأل اللبناني وخاصة الجنوبي هل هو حقا تحرير ؟ وهل انت ايها المواطن الجنوبي سيد نفسك ؟ وهل انت حرا مستقلا تستطيع عمل وقول ما تريد حسب ما يضمن لك القانون والحق العام ؟ام انك انتقلت من احتلال الى آخر والشكوى لغير الله مذلة ؟
ان احداث ما بعد عام 2000 ، بدءا بالمحاكمات غير العادلة وغير المنطقية مرورا بحرب العام 2006 وصولا الى "القمصان السود" واتفاق الدوحة ، كل ذلك كرّس احتلالا لا لبس فيه ، احتلالا مذهبيا وطائفيا وكل من يدعي غير ذلك فهو منافق وكاذب ومخادع ، وبكل اسف وصلنا الى ما وصلنا اليه ويأتي احدهم من خلف وهْمٍ وسراب ويقول انه " عيد التحرير " . اضف الى ذلك بأن كل لبناني يعلم بقرارة نفسه بأن تحرير لبنان يبدأ من الداخل ، من البيت من العائلة وبالتالي من الطائفة ، عندئذ لا خوف علينا من الخارج ابدا .
اخي اللبناني
انت يا حامل السلاح بالذات ، اقول لك من بعد تجربة مريرة وبكل مسؤولية : لقد حملت السلاح مرغما ومكرها ، والله لقد اطلقت الطلقة الاولى دفاعا عن النفس اولا وعن الوطن ثانيا ، لا انكر عظمة السلاح وتأثيره على الشباب ولكنه سرعان ما يتحول الى عبء يصعب حمله والى عادة سيئة يصعب التخلص منها ، نعم لقد كان اتعس يوم في حياتي ذاك اليوم الذي رفعت السلاح فيه بوجه اخي اللبناني وشريكي في الوطن ، وان اسعد يوم اتذكره هو اليوم الذي القيت بهذا السلاح جانبا وبغض النظر عن النتيجة .
صدقا اقول لك ، لا حلا مع السلاح ولا حلا من السلاح ، ولا انتصارا مع الهيمنة والكل خاسر ، فلا تجربوا ما جربناه سابقا ولا تعيدوا الكرة فالوطن لا يحتمل اكثر، حرروا انفسكم من قيود انتم وضعتموها ، حرروا انفسكم من التبعية ، من الولاء الاعمى ، من سياسات القرون الوسطى ، من العبث بالمصير، وانطلقوا نحو المستقبل بخطى ثابتة من الحرية والكرامة والاحترام المتبادل ولا ضير بالقليل من الديمقراطية ، هذا هو العيد الحقيقي وهذا هو التحرير المنشود .

الجمعة، 18 مايو 2012

الله يستر

                                  
عبارة يرددها الناس كلما فاقت الاوضاع التوقعات ، وكلما ضاقت السبل في الانقاذ والتغيير لتحاشي المآسي والويلات . التاريخ يعيد نفسه و" الله يستر"، نعم ونحن في لبنان اصبحنا اخصائيين في ترجمة وتحليل وتفسير هذه العبارة . ان التاريخ اللبناني مليء بالأحداث المتشابهة والمتكررة ، واللبناني لا يتعلم من التكرار ولا من التشابه ، فقط التاريخ يعيد نفسه ، يردد هذه الكلمة ويتمنى الرحمة والرأفة والعناية الالهية " والله يستر " .
اخي القارئ
امام المشهد اللبناني الاخير وامام الاحداث الدامية التي شهدتها عاصمة الشمال ، ومواقف الحكام اللبنانيين كافة ، وامام مواقف الناس المتعطشة للأمن والامان ، نرى ان التاريخ اللبناني قد استيقظ من جديد وفي طرابلس بالذات والتاريخ فعلا يعيد نفسه و"الله يستر " .
نعم صديقي القارئ ، لنعد الى الوراء وبالتحديد الى العام 1974 اي عام واحد قبل اندلاع الحرب اللبنانية المتعددة الاتجاهات ، الى عام التحضير والتعبئة لتلك الحرب العبثية في طرابلس الفيحاء عندما بدأت شرارة النار مع " قدورة " ودخول الجيش في مجابهة مع انصاره ولأول مرة يتدخل في صدامات زواريب وازقة ، فكانت آنذاك تعبئة فئوية ومذهبية ضد الجيش والدولة  ، من الفلسطينيين المدعومين من سوريا ، الى الاسلاميين من سلفيين وحركة التوحيد الاسلامي  بزعامة الشيخ " شعبان " في ذلك الوقت ، وها نحن اليوم امام نفس المشهد تقريبا وتحت عنوان " شادي المولوي " والسلفيين الطرابلسيين ، والعلويين المدعومين من سوريا ، واحزاب اخرى داعمة لهذا واخرى داعمة لذاك . اذا انه نفس المشهد يتكرر بعد نحو اربعة عقود تقريبا واللبناني يراقب ولا يتعظ ولا ينسى ولا حول له ولا قوة و"الله يستر " .
بدأت حكومة الرئيس الراحل رشيد كرامي بعد استقالة الرئيس الراحل تقي الدين الصلح بالتهيئة غير المباشرة للحرب عبر التصاريح الملغومة التي كان يطلقها الرئيس كرامي نفسه خاصة فيما يتعلق بالموقف العروبي للبنان وبالجيش اللبناني من خلال تخوفه من انقسام هذا الجيش اذا ما طُلب منه القيام بواجبه الوطني بردع المتطرفين والخارجين عن القانون والوقوف سدا منيعا بوجه كل من يريد الفتنة .تماما كما هو الحال اليوم في نهج حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ( الطرابلسي أيضا )، وعبر تصريحاته ومواقفه وبالتالي عبر النأي بالنفس عما يجري في سوريا وكأن ما يجري هناك هو وراء البحار ولا يمت بصلة الى الواقع اللبناني . تماما كما كان الحال عام 1974 -1975 عندما كانت المنطقة لا تزال تعيش ذيول حرب الاستنزاف السورية – الاسرائيلية واتفاقية فصل القوات في الجولان وها نحن اليوم نعيش الثورة السورية وعملية فصل النظام عن الشعب وفصل الحدود المشتركة عن كل اهتمام او رعاية  واتفاقية فصل اللبنانيين عن بعضهم البعض. نعم ان التاريخ يعيد نفسه وبتصريحات رئيس الحكومة بان عملية اعتقال الموسوي غير لائقة وغير قانونية وهي ربما تعتمد على اصول دينية او مواقف سياسية معينة ونتيجة لمواقف سابقة من الاسلاميين خاصة في الشمال وبعد معارك نهر البارد ذات الصلة المباشرة بالوجود الفلسطيني في لبنان ، وهنا تستوقفني الذاكرة بالرجوع الى تصريحات مشابهة تماما للرئيس رشيد كرامي عندما اعلن ان الفلسطينيين في لبنان مغبونين ويجب اطلاق سراحهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وبالتالي الامني واعطائهم حرية العمل الوطني .هكذا ان التاريخ يعيد نفسه من نفس المكان ومن نفس المسؤولين (رؤساء حكومة ) والله يستر .
عزيزي القارئ
الى متى سيستمر استغباء الانسان اللبناني عبر اطلاق مواقف سياسية اقرب الى الجنون منها الى مواقف ؟ الى متى سيبقى دولة الرئيس ميقاتي سائرا في هذا الخط ؟ خط المواربة والمراوغة والالهاء عن الحقيقة؟ اكاد لا اصدق ان احدا في لبنان يقبل ان يتقبل بعضا من تلك التصاريح التي تدل على تجاهل صاحبها لحكمة السامع ولحسه الوطني . آخر ما اتحفنا به الرئيس ميقاتي هو قلقه الدائم والشديد من استمرار الخروقات الاسرائيلية في الجنوب في حين ان الشقيقة في الشرق والشمال تجتاح الارض وتطلق النار وتقتل المواطنين اللبنانيين دون ان يبدي دولته القلق والارق وسهر الليالي والشجب والاستنكار، وتجتاح عصابات حلفائها بيوت المواطنين الامنين وتعتقلهم دون اي وجه حق فقط لانهم ضد النظام او يساعدون الثورة ، ودولة الرئيس وحكومته الموقرة لا تحرك ساكنا واذا ما تجرأ احد المظلومين على رفع سقف التنديد او المطالبة بالحق فالويل له  ومن عمالته للعدو الاسرائيلي او لأسياده الأمريكان والغرب .فأي عاقل يا دولة الرئيس يقبل او يؤمن بسياستك ويأخذها على محمل الجد ؟ واقول لك بكل احترام ومسؤولية : من يأبه الان بخروقات الطائرات الاسرائيلية لأجوائنا في حين عشرات القرى اللبنانية تعيش حالة الحرب الحقيقية والفعلية عبر الحدود الشمالية مع سوريا ؟ من يأبه بالخروقات الاسرائيلية والشعب اللبناني يُخرق يوميا بلقمة عيشه وبأمنه الشخصي والاجتماعي وبعمله واقتصاده وبسمعته وحتى بأخلاقه ؟ ان آلاف اللبنانيين يعيشون حالة الهلع والخوف من خروقات الداخل من حزب الله واعوانه وحكومتك الموقرة تلتهي بكيفية شرعنة السرقة واغتصاب الحق العام . من يأبه الآن بالخروقات الاسرائيلية ودولة الرئيس ميشال عون يبشرنا بان سوريا سائرة الى الديمقراطية بقيادة البعث والاسد وستكون منارة الشرق في حرية التعبير وحقوق الانسان ، وان لبنان يتطلع الى التحالف التاريخي مع الهند والبرازيل وجنوب افريقيا فلا مشكلة عنصرية تنتظرنا بعد الان ولا مشكلة القهوة والاستهلاك المفرط لها ، ولا مشكلة مع السيخ والهندوس بإذن الله . اي عاقل يا دولة الرئيس يقبل بعد الان بمقولة النأي بالنفس عن الاحداث في سوريا وانتم وحكومتكم من راسكم حتى اخمس قدميكم متورطون في قلب اللعبة القذرة التي تدور على حساب الشعب السوري المسكين وبالتالي على حساب الشعب اللبناني؟
اي عاقل في لبنان يا دولة الرئيس يقبل بعد الآن بسماع ابواق حكومتك وتفاهات نواب الامة والكيل بمكيالين فيما يتعلق بالحياة السياسة في لبنان وخاصة الزيارات الرسمية . فيلتمان جاء لتهيئة الحرب ضد المقاومة والنظام السوري وكل من قابل فيلتمان هو عميل ، و14 آذار تعد العدة حسب خطة معلمها لضرب عصب الممانعة والتصدي ، وان زيارة الديبلوماسي الاميركي للحدود الشمالية هو تدخل سافر بالشؤون اللبنانية ، في حين ان زيارة نائب الرئيس الايراني " رحيمي " هي زيارة رعوية رحيمية للرعية ولإقامة الصلوات في بيروت ومارون الراس علّ السلام يحل فوق رؤوس الجميع او يحلّ رؤوس الجميع . بالله عليكم يا اصحاب الدولة والمعالي والسعادة الى ما هناك من صفات ونعوت ، بالله عليكم لقد اصبحنا نصدق ان الشعب اللبناني هو فعلا شعب غبي وجاهل ليسمع هذه التفاهات . الحقيقة نقولها : تبا لكم ولفيلتمان ولرحيمي ولحكومتكم ولمجلسيكم ، وتبا لكل من يحاول غرس نباته في تربة غيره وتبا لسياسة الفراغ الاخلاقي والمسؤولية المجازة .
ايها اللبنانيون
اقول لكم ان التاريخ يعيد نفسه وان ما تخشونه ونخشاه جميعا اصبح قاب طلقتين او اقل ، فكونوا حذيرين ولا تدعوا السياسيين يرسمون لكم المصير، اقول لكم من باب التجربة المريرة التي مررت بها : هبوا لملاقاة بعضكم البعض ، تنازلوا عن بعض ما تريدون لتلاقوا البعض الآخر كما تريدون  " والله يستر " .

الأربعاء، 2 مايو 2012

زيارة مقبولة

افاقت المدينة على هدوء لم تشهد له مثيلا منذ مدة طويلة ، افاقت هذه المدينة المنكوبة على حلة جديدة وكأن شيئا لم يكن . افاقت لتنفض عنها غبار الحرب والدمار والخوف ولتلبس ثوب الحياة ولتتفتح زهورها ورياحينها .
دبت الحياة بكل احيائها ما ان لامست خيوط الشمس شوارعها وازقتها ، وعلت صرخات الباعة واصحاب البسطات وتهافت الناس الى اعمالهم بعد رشفة شاي او فنجان قهوة وبعد كلمات الصباح وتمنيات النجاح بيوم جميل وهادئ . اختفت المظاهر المسلحة وغاب الجنود عن الانظار ، واقفلت الدبابات والاليات العسكرية عائدة الى ثكناتها ، لا حرائق ولا بيوت مهدمة ، كل شيء طبيعي ولا يخرق هذا الهدوء الا بعض المراقبين الدوليين يطلبون بل يترجون احدا ان يطلق ولو بضع طلقات حتى لا يفقدوا وظائفهم . نعم لقد اصبح الوقت متأخرا بعض الشيء فعودوا الى بلادكم لقد انتهى كل شيء واخبروا من ارسلكم باننا انتهينا وعدنا الى رشدنا وعقلنا ولا حاجة لنا بكم ولا بمساعدتكم ولا بمراقبتكم لوقف اطلاق النار لان لا نارا بعد الآن .
فوجئت واكاد لا اصدق ما ترى عيناي ، اهو حلم ام سراب ؟ اهي نكتة من نكات اهل حمص ( مع احترامي لكل اهلنا هناك ) ؟ ام هي حقيقة فعلا ؟ استوقفت احد المارة وقلت له : بالله عليك ماذا يجري في حمص ؟ فرد مستغربا ،الم تسمع يا هذا ؟ ان السيد وئام وهاب في مدينتنا في حمص يتجول ويتفقد  والله انعم علينا بهذه الزيارة بوقت نحن بأمس الحاجة اليها .
مبروك عليكم يا اهل حمص ، مبروك عليكم يا ثوار حمص على هذه الزيارة التي اعتقتكم من نير النظام وعلاته ، مبروك عليكم يا ثوار حمص على هذه الزيارة التي جعلت النظام يعيد التفكير مرة بعد مرة قبل ان يقدم على نحر شعبه  وتشريده. مبروك عليكم ايها الموالون للنظام على هذه الزيارة التي اجبرت الثوار على التراجع والانكفاء ، مبروك عليكم هذه الزيارة التي اعادت ترتيب البيت السوري وخاصة في حمص . مبروك عليكم ايها الشعب السوري على هذه الزيارة المُنزلة المُباركة . مبروك عليكم هذا العيد الوطني ، فعيدوه قبل ان تفقدوه لان الاعمار بيد الله ، والله يطول بعمر الاستاذ وئام وهاب ليستمر في حقن الدماء .
لم اتفاجأ ابدا بزيارة السيد وهاب الى سوريا ، فقد عودنا على زياراته المتكررة اليها واصبحنا نحتفل به لدى وجوده عندنا في لبنان . لقد عودنا على زيارة دمشق ولقاء الرئيس وكبار المسؤولين لتقديم واجب الولاء والطاعة ، كذلك عودنا بين الحين والآخر على زيارة جبل الدروز والسعي لدى رجال الدين والوجهاء لحثهم على تأييد النظام ، ولكن الذي فاجأني هو زيارته لمدينة حمص المحترقة . ترى الى اين ذهب ؟ وبمن التقى ؟ وما الهدف من هذه الزيارة ؟ كلها أسئلة برسم الرد من قبله تجاه مناصريه على الاقل اولا ،هل الهدف هو الشد على ايدي الصامدين من البعثيين فيها ؟ ام شد ازر جيش النظام الذي بدأ يتهاوى شيئا فشيئا ؟ترى هل تجول السيد وهاب بشوارع حمص والتقى الناس المشردين المعدومين ؟ ام انه التقى وجهاء النظام القابعين نحت حماية الشبيحة والاشقاء؟ واني اسأل السيد وهاب :هل تناول طعام الغداء الى مائدة المحافظ ؟ ام الحاكم العسكري ؟ ام الحاكم البعثي في حين ان جياع المدينة من اطفال ونساء يجوبون الشوارع علهم يجدون من يعطيهم فرصة تناول الطعام كبقية اطفال العالم ؟
هنيئا للنظام وازلامه ، وهنيئا للثورة السورية والكل يغني على ليلاه وليكثر السيد وهاب من زيارته وتجواله في المدن السورية ، فكل جمع بحاجة الى الحقنة التي تناسبه .
اخي القارئ
اني اتوجه بكل احترام الى الاستاذ وئام وهاب لأسأله :لماذا ذهبت الى حمص ؟واتمنى ان يجيبني احد المطلعين على اسرار سياسته رأفة بمناصريه ومحازبيه ، عليه فعلا ان يجيب وان يشرح لهم الاسباب التي دفعته الى هذه الزيارة المشبوهة . اذا كان من الواجب زيارة الشقيقة فاعتقد ان هناك عدة اماكن يمكن زيارتها ضمن الاطر السياسية والحزبية وتنسيق العلاقات بين الدول .  واريد ان الفت نظر الاستاذ وهاب بان في لبنان امكنة بحاجة الى زيارات اكثر من اي مكان في العالم .
لماذا يا حضرة الوزير السابق لم تزر القاع ووادي خالد والحدود الشمالية لترى بأم العين معاناة الشعب السوري النازح ومعاناة الشعب اللبناني الفاتح له قلبه وداره. لماذا لم تزر حاصيبا مثلا او القليعة او بنت جبيل لتقف عن قرب على حقيقة معاناة الناس هناك من غياب الدولة الحقيقية ، ولتقف عن كثب على معاناة اهل الجنوب بعد تشريد الالاف من ابنائهم الى اسرائيل والخارج ؟ ام انها "وقفت عليهم " ؟
لماذا لم تزر المناطق التي يجتاحها الاستيطان الشيعي الجديد ، في الجبل وجبيل وكسروان والجنوب  ( واقصد الهجمة الشيعية المبرمجة لشراء الاراضي التي يقودها حزب الله بدعم من ايران ، ولا اقصد الطائفة الشيعية الكريمة ككل )، لتقف على التغيير " الكياني" الذي سيحل بلبنان عامة .
لماذا لم تزر المناطق التي يجتاحها التطرف السني الجديد بدءا من مدينة صيدا مرورا بالعرقوب حتى الشمال وطرابلس ، لترى ايضا ان النار عندنا تطلب اكثر من دولة واكثر من نظام .
لماذا لم تزر المناطق المسيحية المهددة بالاقتلاع الفعلي ، وبوجودها " قيد الدرس" في كافة الاراضي اللبنانية .
حضرة الاستاذ وهاب
لك الحق بالزيارة التي تريدها ، ولك الحق بالمكان الذي ترتئيه ، ولك الحق بمن تريد او تطلب مقابلته ، وهذا ما تضمنه لك الحرية اللبنانية التي تحاولون انتم ومن معكم ان تقتلوها ، ولكنك لا تملك حق اذلال الانسان اللبناني وخداعه، ولا تملك حق التكلم باسم فئة من الشعب اعطتك ثقتها ، لا لتزرعها في دمشق وطهران ، بل لتزرعها بالمكان الذي يمكنهم الحصاد فيه ،  والذي يمكنك رؤيتهم فيه يزدهرون وينعمون .ازرع في لبنان ، ازرع في الوطن في شماله وجنوبه ، في سهله وجبله . ازرع في لبنانيته وليس في عروبته ، ازرع في امته وليس في قوميته ، ازرع في توحيد ابنائه لا في تفرقتهم ، يا ابن التوحيد .
كنت اتمنى لو عدت من الشام وبصحبتك بعضا من السجناء اللبنانيين المعذبين .
كنت اتمنى لو عدت من الشام وتحت ابطك بعض خرائط ترسيم الحدود ولو لبضعة امتار.
كنت اتمنى ان تعود ومعك تفسيرا عن مصير شبلي العيسمي ، وعن التحقيق في مقتل مصور تلفزيون الجديد وعن اطلاق النار على القرى اللبنانية والسكان العزل ، وعن انتهاك حرمة الاراضي اللبنانية.
كنت اتمنى ان تعود مقتنعا لتقول لأصدقائك : ما النا الا لبنان يا اخوان .
كنت اتمنى منك الكثير والكثير ، وربما في بالوقت مهلة وعلى كل حال الحمد لله على عودتك سالما ، وانشاء الله تكون " زيارة مقبولة " .