الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011

الخوف المسيحي

 التقيت بالأمس القريب بصديق قديم بعد انقطاع  بيننا لأكثر من عام تقريبا وكانت مناسبة سعيدة للسؤال عن الصحة والعائلة والعمل ، وكم فاجأني صديقي هذا عندما سألني عن آخر الأخبار وعن الذي يدور على الساحة اللبنانية. نعم لقد تفاجأت لأني على علم بانه يكره السياسة والسياسيين ولا اظنه استمع الى نشرة اخبار او تابع حدثا ما او قرأ صحيفة منذ مدة طويلة . حدقت به وسألته اتسألني سياسة ؟ قال لي : اسمع .. لقد اقلقني كثيرا الخطاب السياسي المسيحي الأخير في لبنان والذي يدور حول خوف المسيحيين في الشرق عامة وفي لبنان خاصة من تقلبات الأحداث وانعكاسها عليهم جراء الربيع العربي المحتدم في حين يمر مسيحييو لبنان بخريف لبناني او بالأحرى بشتاء قطبي .
حاولت ان اخفف من انفعال صديقي وقلت له ان لا مبرر اطلاقا لخوف المسيحيين وان اطلاق صرختهم جاءت سياسية وليست مصيرية  ابدا. ان الوجود المسيحي في الشرق وخاصة الموارنة منذ اكثر من الف وستمائة عام تقريبا ، هو وجود كنسي واجتماعي وحضاري وانتقل ليصبح وجودا سياسيا كيانيا مع بداية عصر النهضة وعصر الحريات . منذ ذلك الوقت والمسيحييون ما انفكوا بلعبون الدور التاريخي لوجودهم في الشرق تحت عباءة بكركي وبطريركية انطاكيا وسائر المشرق ولم يراودهم اي خوف لا من قريب ولا من بعيد بل كانوا السباقين الى خوض غمار الصراع من اجل الكيان اللبناني والأستقلال والكل يشهد لهم بذلك ولا ننسى سيرة البطاركة الأوائل الذين كان لهم الدور الريادي في الأستقلال ولم نسمع منهم كلمة خوف او تردد .
اسمع يا صديقي
ان تاريخ لبنان الحديث حافل بالمواقف التي اتخذها المسيحييون ولم يتملكهم الخوف ابدا بل كانوا قدوة لمسيحيي الشرق ، فكل مسيحي في العراق او بلاد الشام او في مصر كان ينظر الى الكرسي البطريركي في لبنان على انه السند الفعال والمنقذ له وقت الصعاب ولم يكن الأمر كذلك لولا وحدة المسيحيين وصلابتهم ووقوفهم خلف قيادات  سياسية ذات استراتيجية واحدة  وقيادة دينية يحترمونها ويقدرونها. ان هيبة المسيحيين في لبنان كانت تمتد الى كافة الأقطار العربية وان اي انحدار او تخاذل في هذه المواقف كانت تصيب الجميع  . ان الصرخة التي يطلقونها الآن جاءت نتيجة ضعف وهوان على مدى سنوات خلت ضعف في السياسة العامة وهوان في المواقف المفصلية والمصيرية  .
  لقد قيل في الماضي ان المسيحيين انتزعوا الأستقلال من فرنسا وعلى المسلمين ان ينتزعوا الأعتراف به من العرب ، وخاصة من الجار الأقرب سوريا . بقيت هذه المقولة داخل الكواليس السياسية تثار من حين الى آخر حسب اوقات الأزمات وحالات الرخاء والهدوء. اشتد التصلب بطرفي هذه المعادلة بعد حرب 1967 وخاصة بعد اتفاق القاهرة بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية ولاحقا مع بداية الحرب الاهلية اللبنانية . بدأ الفريق المسيحي (الموارنة ) يبحث عن حلقة ضائعة وسط المد القومي العربي من الناصرية الى البعثية بشقيها "السوري والعراقي " وصولا الى كوبا وفيتنام ، هذه الحلقة التي اضاعها المسيحيون انفسهم بعد الأستقلال اي صيغة 1943 وذلك بالتفرد بالقرار الأستراتيجي وبالحياد في الصراع العربي الأسرائيلي دون اعطاء تفسيرا واضحا ومحددا ومقنعا لهذا الحياد والذي كرس بالخطاب الرنان ان قوة لبنان في ضعفه وان صراعنا مع اسرائيل هو صراع سياسي واجتماعي وادارت الدولة ضهرها لكل محاولات دمج لبنان بالحد الأدنى بالأحساس العربي الشامل للمسؤولية الملقاة على عاتقها دون الأخذ بالأعتبار مشاعر بقية ابناء الوطن ودون الأخذ بحساب الوجود الفلسطيني الآخذ بالأزدياد ولا سيما بعد ايلول الأسود في الأردن عام 1970 ، وبدل ان تعالج الدولة اللبنانية (المسيحية) القضية المستجدة بطريقة عقلانية وموضوعية اخذت بصب الزيت على النار باعادة احياء المقولة القديمة بانهم من جلب الأستقلال والمسلمون اليوم يحاولون انهاءه عبر التحالف والأندماج والتبعية لسوريا والقوى الممانعة الأخرى ، وعبر الأنتماء العربي القاتل كما كانوا يسمونه اي تبني القضية الفلسطينية بشقها العسكري مع العلم  ويا للمفارقة ان راس الدولة اللبنانية آنذاك الرئيس سليمان فرنجية هو من تبنى الشق السياسي عبر التكلم باسم القضية في مجلس الأمن الدولي .
ان القرارات المسيحية ابان الحرب اللبنانية كانت نتيجة التكتلات السياسية والعسكرية وتستند الى الحاجة الداخلية احيانا والى الاهداف الخارجية احيانا اخرى وكانت بكركي في خضم هذه الأحداث تبحث عن الدور الحقيقي لها وسط غبار المعركة المصيرية بين اركان "الأنا" ومن سيسيطر على الشارع المسيحي ولم نسمع وقتها اي صرخة تحذر من اهتزاز الوجود المسيحي ولكنه كان على وشك السقوط ومن ذلك الوقت اصبحنا نشهد انحدارا في هيبة المسيحيين كطائفة رائدة في الكيان اللبناني وبداية في النزف الداخلي والتشرذم والتمزق .
ان اسوأ خطوة قام بها الموارنة في لبنان هي الأنقلاب على اليمين المؤيد لهم من الطوائف الخرى من الدروز بزعامة الأمير مجيد ارسلان ومن السنة بزعامة صائب سلام ومن الشيعة بزعامة كامل الاسعد بالأضافة الى تخليهم عن زعامات معتدلة حتى وصلت النهاية بهم الى غلطة العمر بعدم انتهاز الفرصة بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري وبزوغ فجر الربيع السني في لبنان .
لقد اعطى الطائف حق المناصفة في الوظائف ومجلسي النواب والوزراء ولكن هل سيبقى هذا الحق قائما دون المحافظة عليه ؟ وهل يعتقد الموارنة ان هذا الحق سيبقى رغم ضعفهم وهجرتهم ومغادرتهم الوطن ؟
لا ادري مما يخاف المسيحييون حقيقة بعد كل هذا ، هل من تغيير النظام في سوريا؟ وهل كان النظام البعثي يحمي المسيحيين ام كان يستعملهم طعما لأرضاء الغرب تارة ولتخويف المسلمين المنشقين تارة اخرى ؟هل صرختهم الآن تعني ان المسيحيين كانوا من مؤيدي ومناصري وحماة الأنظمة الأستبدادية في العراق وفي مصر وسوريا لأطلاق هذه الصرخة بعد سقوط هذه الأنظمة او بداية زوالها؟ام انهم يصرخون اليوم خوفا من زوال عفلق الشام ليولد عفلق لبنان ؟
ايخافون من التركيبة اللبنانية وتحولها من المناصفة الى المثالثة ؟
هل يخافون من الطوائف الأخرى ؟
لا يا صديقي والف لا ،
لا اتصور مسلما في لبنان يرضي ببلد الأرز دون بكركي
ولا اتصور درزيا يرضى بالجبل دون مسيحييه ( مررنا بتجربة مرة ولن تعود حتى يوم القيامة)
ولا اتصور مسيحيا في لبنان يعيش ولا يستقيظ على صوت آذان الفجر
نعم سيأتي يوم يخاف فيه المسيحييون على مصيرهم ولكن من انفسهم بالذات وليس من غيرهم ، يجب ان يخافوا من قراراتهم ، من تصرفاتهم ، من تحالفاتهم ، من انقساماتهم ، من حبهم للسلطة ، ويا صديقي شئنا ام ابينا وشاؤوا ام ابوا  ان اي هوان يصيب المسيحيين  سيصيب كل الطوائف وكل لبنان ،
لقد آن الأوان للقادة المسيحيين ان يتنازلوا قليلا ويتصافحوا ويعيدوا قراءة الواقع الذي يعيش فيه هذا الوطن من تغيير لنظامه السياسي والأمني والأقتصادي والأجتماعي وحتى الأحوال الشخصية حتى لا يستيقظوا يوما على فقدان الرسالة والهوية ...
لينفض المسيحييون عنهم غبار التفرقة ، وليشلحوا ثوب الخوف ، ولينتفظوا من جديد في اعادة تثبيت دورهم التاريخي في الحفاظ على لبنان من خلال ربيع ماروني وبثورة ارز حقيقية والا ،،
ليقفلوا ابواب بكركي وليحجزوا مجد لبنان بداخلها حتى يعي الساسة المسيحييون ان مجد لبنان اكبر من منصب ومن كرسي ومقام .

السبت، 22 أكتوبر 2011

الديمقراطية التوافقية

لطالما حلمت بالديمقراطية ولطالما تمنيت ان  ارى  المجتمع الذي انتمي اليه يحاول الأمساك ولو بحرف واحد من تلك الديمقراطية .لطالما حلمت بتفسير صحيح ولا جدل فيه لهذه الكلمة ، وحدنا نحن العرب نفسر الديمقراطية ونعطيها صفاتا تلائم وجهة نظرنا وتطلعاتنا وتنطبق على حساباتنا. نحن فقط العرب نريد ان تكون الديمقراطية عربية ، ونحن اللبنانيون نريدها ان تكون اسلامية ومسيحية ومذهبية اذا امكننا ذلك ، ونظامنا يريدها ان تكون جزءا من العقائدية والمبادىء الحزبية ، ويريد من الشعب ان يكثر من جرعات الديمقراطية بانتخابات برلمانية وبلدية واختيارية وكلها "اختيارية" من الأنظمة الديمقراطية العربية وتحت اشراف بعثات دولية اكثرت من التجوال حتى تخمت واصبحت بحاجة الى طبابة غربية وقفلت عائدة وقدمت التقرير الأولي ليصبح تقريرا امميا يضفي الشرعية على تلك الأنتخابات ولا يلبث ان يصبح تحذيرا للرعايا من عدم التجوال الا عند الضرورة .
 لقد طورنا الديمقراطية  من حرية التعبير والتفكير، وحرية العمل السياسي والحزبي الى حرية لا تعرف حدودا ولا ضوابط ولكي نعطي ىهذا التطرف الديمقراطي فسحة تحرك ، استعنا بالتوافقية وتوافقنا على ان نخط لهذه الديمقراطية طريقا واضحا ونتائج معروفة سلفا حتى لا نقع في الخطأ وفي الممنوع .
نحن في لبنان لنا ديمقراطيتنا الفريدة من نوعها اقليميا وعالميا ، ديمقراطية التسلح والسلاح ، ديمقراطية القرار المنفرد "للحرب والسلم " ديمقراطية التناحر والتلاسن ، التهديد والوعيد ولا فرق اذا كان اصحابها فوق السن القانونية او تحتها ، تحت القبة الديمقراطية او العباءة الدينية ، المهم ان تبقى ضمن اطار الحرية المطوقة بالديمقراطية التوافقية .
قال لي احدهم :انتم في لبنان تنعمون فعلا بالديمقراطية . قلت له : فسر يا هذا ...
قال : انتم تنعمون بانتخابات لا تفاجىء احدا ونتائجها معروفة وقد سبقتم غيركم باشواط كبيرة في التنظيم والتطبيق . قلت : شكرا هذا من فضلك
قال : لديكم الحرية المطلقة في لبنان
اذا اردت سلاحا فهو موجود
اذا اردت قتالا فلا مانع ، في الداخل اماكن عديدة وفي الجنوب مساحات واسعة
اذا اردت منصبا فعليك الألتحاق بحزب ما ولكن عليك اولا التأكد ان هذا المنصب يعود لهذا الحزب
واذا اردت الخروج من مأزق ما ،سجن مثلا او دائرة حكومية ، محكمة او نظارة فما عليك الا الدفع لأحدهم "وليس اي احدهم " فيأتيك ما في الغيب ، وتابع قائلا :
لماذا هذا التذمر فانتم تعيشون بمناخ افضل بكثير من عدة اماكن انتم المتنفس الوحيد لطلاب الحرية قاطعته وقلت : اصبحنا المتنفس الوحيد للأعمال الحربية ،
اذا كان لبنان رغم السلاح بلد ديمقراطي
واذا كان لبنان رغم الهيمنة بلد ديمقراطي
ورغم الدويلات والتنظيمات والبؤر الأمنية بلد ديمقراطي
واذا كنا ننعم بحرية التحزب والتطرف ، وحرية التسلح والقتال ، حرية التحالف والأنتماء ،
فاذا كان لدينا حرية اختيار الأصدقاء والحلفاء ، فلماذا لا يكون لدينا حرية اختيار الأعداء والأشرار ؟
يا صديقي ،، نحن في لبنان نعيش ديكتاتورية الديمقراطية في الداخل  وديمقراطية الديكتاتورية من الخارج ، وما بين الديمقراطية والديكتاتورية وجدنا التوافقية لنضرب بها " تارة على الحافر وتارة على المسمار " .

الخميس، 20 أكتوبر 2011

وقف لحظة

اخي القارىء
لا بد لي في بداية الأمر ان اعود قليلا الى الوراء لبضعة عقود خلت كانت بدايتها المفصل الأساسي في حياة الوطن وحياة اللبنانيين كافة .
لا اريد اطلاقا ان افتح جراح الماضي ولا اريد باي حال من الأحوال ان اضع لوما او ان احمل مسؤولية لأحد ما ، بل جلّ ما ابغيه هو الوقوف لحظة على اهم فصل من فصول الحرب اللبنانية وما تبعها من فصول لاحقة حتى وصولنا الى ما نحن عليه .
ان اتفاق القاهرة المشؤوم عام 1969 كان نقطة انطلاق المآسي اللبنانية ،هذا الأتفاق الذي لم يوفر لحظة واحدة للبناني واحد لأن يقف ويفكر ويتأمل ما وصل اليه الخطاب السياسي اللبناني وما وصل اليه التضامن العربي من استهتار بحياة الوطن وبالتالي بحياة الناس .تلك الأيام لم توفر ايظا للشباب اللبناني حرية الخيار والأختيار بين عناوين عديدة كانت تتحكم بالفكر العربي وبالتوجه الأستراتيجي العربي الشامل والتي اختصرتها اللاآت الثلاث لمؤتمر القمة العربية في الخرطوم .هذه العناوين التي بقيت صامدة بفضل القمع والبطش الى ان انهارت الواحدة تلو الأخرى بعد وضوح الرؤية ونضوج الأمة .
كان الشباب اللبناني في خضم هذا الأزدحام الثوري مأخوذا بحماس شديد واندفاع قوي لا مثيل له في مجاراة الأحداث التي كانت تدور من حوله ثم لاحقا دخلت عقر داره ، فكان لا بد من اتخاذ بعض الخطوات فجاء بعضها ناقصا والبعض الآخر اكثر من اللازم ، واندفع الشباب اللبناني وانخرط في عاصفة التحزب السياسي غير عابيء بالنتائج ، همه التغيير والتغيير فقط .كل واحد وضع خارطة طريق وكل واحد اتخذ القرار المناسب له ، وهكذا تفرقت الجموع الى مجموعات متناحرة متقاتلة تدعي كل واحدة الحق والصواب دون الوقوف لحظة واحدة لمعرفة ان هذا الحق وهذا الصواب سوف يدمران الوطن وينهيان الرسالة .
انا من الذين لم اتوقف تلك اللحظة بل قررت مثل غيري من الشباب ان اسير وفق ما اراه مناسبا واتخذت الطريق الذي اردت ووضعت لها عناوينا تغيرت مع تغير الأحداث والأهداف والتحالفات . لا زلت احترم خياراتي واحترم خيارات الآخرين ، ولكن لنقف لحظة ولندرس هذه الخيارات من لحظة اتخاذها الى تنفيذها وصولا الى تداعياتها ولنأخذ من كل ذلك ما يناسب الوطن الذي نحلم به اولا وآخرا ولنبدأ مرحلة من الحوار البناء المجدي دون خوف او ضغط او اغراء ولنتقبل بعضنا كما نحن عليه ولنجد القواسم المشتركة وهي كثيرة جدا جدا .
                                                                                                                          وشكرا