الجمعة، 5 أكتوبر 2012

الرسالة الثالثة

الصديق
اجمل كلمة حاكتها الاحرف ، واجمل لفظة نطق بها لسان ، واجمل صورة رسمها خيال ، واجمل عطاء من صاحب العطاء ،،، انها ،،،،ولدي ...
ولدي الحبيب
تمر الايام مثقلة بالساعات وبعقارب لا تقوى على الدوران ، اخالها منهكة من ثقل الزمن وتدافع الوقت الذي لا يرحم مُتعَبا ولا يرأف بطالب راحة وسكينة . لا ادري ايهما اطلب وأتمنى يا بني ، سرعة الزمن كي تصل الى حريتك ، ام بطء الزمن كي لا اصل الى عكازتي ، ولكنك تعلم جيدا باني افضل الخيار الاول لأنه الخيار الطبيعي والصحيح .
ولدي الحبيب
اريد ان احدثك في هذه الرسالة عن ملاك مجهول ولكنه في متناول الجميع ،منهم من عرفه جيدا فتمسك به ومنهم من جهل قيمته فأضاعه ، انه الصديق يا بني ابن الحاجة والتجربة .
لا تفتش ابدا عن الصديق يا بني ، بل دعه يأتي اليك من خلال تصرفاتك وطباعك ومعاملتك للغير ، فصديقك في داخلك قبل ان يكون بالقرب منك فان شعرت به فهو فعلا موجود . تذكر دائما بانك لا تستطيع صنع صديقا بل يمكنك ان تكون دليله الى قلبك وحياتك ، اره نقاط ضعفك ليتسنى له تجنبها وتقويتها ، اره النور الذي تريده ان يراك به ، اره نفسه في ذاتك كي لا يشعر بالغربة والغرابة قربك ، اشعره بألف سبب لوجوده وبفراغ مطبق لغيابه ، فان نجحت بذلك تكون انت الصديق قبل ان يكون .
هذا هو صديقي يا بني
عرفته في وقت كان فيه الزمن يرمم بقايا اعاصير سنوات خلت ، وفي مكان شهد آثار تلك الاعاصير وعاش غضبها وجنونها . عرفت صديقي في زمنِ تدافع الوجوه من زحمة الحركة ، في مكان لا يُحدد ولا يُرسّم ، عرفته بزمن الحرب ، زمن الالم والعذاب ،  زمن التغيير والتعثر ، عرفته في مكان رويناه دما وعرقا واخذ منا زهرة شبابنا وثمرة عمرنا . هناك تعرفت اليه وتبادلنا الاسماء على صوت الطلقات وقعقعة الآليات ، تشابكت بنا الاصوات فأخرجت لحنا لا زلنا نعزفه حتى اليوم ، واغنية نطرب لسماعها ،،انها الصداقة ،،انه الصديق .
ولدي الحبيب
هكذا تبادلنا السلام واطلقنا التمنيات لنهاية سعيدة لكل ما كنا نؤمن به ونقاتل من اجله . مرت السنين وتأصلت العلاقة وتجذرت وتخطت اللقاء والتعارف ودخلت عالم الانصهار بالذات . ارى فيه وجهي الآخر، واشعر به كما لو كان في داخلي ، اراه دون الحاجة الى العين والمسه كل ما اشتقت اليه بأنامل المحبة والحنين ، اعتمد عليه كل ما الحاجة دعت ، واسند ظهري اليه كل ما احتجت الى سند .
كبرنا وكبُرتْ معنا القيم المشتركة بيننا ، وارتفعت اسهم الاحترام والثقة والتقدير  ، فكانت صداقتنا تقوى كلما ابتعدنا وتخبو كل ما اجتمعنا . هكذا يا ولدي كنت مع صديقي ولا زلت احمّله ما فاض عني من اثقال واحمل عنه ما استوجب من احمال، ننفض غبار اليأس لنتسلح مجددا بالإيمان والتفاؤل . تخمرنا كالنبيذ وتعتقنا في خوابي الصدق والوفاء وشربنا من سبيل جمعنا على ذات الخط والسبيل .
يا بني
هذا هو صديقي ، انه الظل الذي لا يحتاج الى نور ليظهر ،انه الكلمة التي لا تنتمي الى لغة ، انه الانس الذي لا يوازيه سعد ولا طمأنينة . علمني الصبر في وقت كان بأمس الحاجة الى الصبر. علمني التحمل وهو الذي بحاجة الى من ينأى بحمله .علمني الابتسامة في زمن ندر وجودها وعلا سعرها . هذا هو صديقي، افتخر بصداقته واكبر بمرافقته، واعتز بمعرفته، وارفع رأسي باسمه. كم اتمنى ان تحظى كما حظيت انا يا ولدي وكم ارغب بأن تسوقك الاقدار الى مثل هذا الصديق .
 يا بني اوصيك ان
لا تتباهى بعدد اصدقائك بل اكبر بنوعيتهم وبمدى اخلاصهم وثباتهم .
لا تعتذر من صديقك ابدا بل افعل ما هو ضروري لإصلاح ذات البين ، وليكن الاعتذار نهاية ترميم ما تصدع .
لا تترك صديقك بسهولة ، تمسك به وحاول ثم حاول ولا تيأس ،واذا ما حصل عكس ذلك ابقَ على ما كنت عليه ولا تدع غضب اللحظة يهدم ما بُنيَ في سنوات .
اياك التفريط بسر صديقك واعلم انه حامل سرك ايضا ، فاحفظ شعرة التواصل ولا تقطع امل العودة .
يقولون ان صديقك من يجرحك ، وانا اقول لك ان صديقك من يداويك قبل ان يجرحك .
يقال ان الصديق وقت الضيق ، وانا اقول لك ان الضيق هو في عدم وجود صديق .
هكذا نحن يا بني كنا وما زلنا وسنبقى بأذن الله ، وتذكر ان من اضاع صديقا كالذي اضاع يقينا ، فتتملك منه الحيرة لتقوده بعدها الى الشك الذي يحرمه دخول جنة الثقة والايمان .
هذا هو صديقي يا بني ، بداية خاتم المرسلين وبنهاية ما ملأ قلوب المؤمنين ، وما بينهما ما يرغبه الناس اجمعين .
فهل عرفته ؟


                                                       والدك
                                                5-10-2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق