السبت، 13 أكتوبر 2012

هات ايدك والحقني

ومرة اخرى يفاجئنا الساسة اللبنانيون بحرصهم ومتابعتهم وتأكدهم من حصول المواطن اللبناني على حقه المقدس ، بإيصال صوته من خلال انتخابات حرة ونزيهة في ظل قانون جيد يراعي العيش المشترك ، ولا يخرق اتفاق الطائف ولا يكسر العرف ولا التقليد .
ومرة اخرى عزيزي القارئ نرى هؤلاء الساسة يتدافعون ويتسابقون بإعطاء الدروس والنصائح، وبتلاوة البيانات البليغة والمؤثرة حول جدية هذا الطرح او ذاك ، وحول مصداقية هذا القانون او ذاك ، وهم بالحقيقة يعزفون جماعات وافرادا على قانونهم الخاص الذي يوصل الكرسي اليهم قبل ايصال صوت الناخب الى المكان الحقيقي والى هدفه المحق والمشروع .
عزيزي المواطن
ما بين قانون الستين ومشروع القوات ، وقانون النسبية وطرح اللقاءات ، ضاعت الديمقراطية ومُررت انتخابات برلمانية بمن بقي وبمن حضر واُنتج مجلسا امتدادا لسابقه في الصراخ والضجيج والانقسام والتباعد. نعم، فلا قانون الستين انتج برلمانا حقيقيا ولا قانون التسعين ( او قانون غازي كنعان ) انتج نوابا بأصوات ناخبيهم ، ولا النسبية ستنجح بالمرور بين الغام الطائفية والمذهبية ، ولن ينجح اي تقسيم للدوائر في ظل تقسيم اداري لإدارة الطائفية والمذهبية . لا اريد الشرح والغوص ، فاللبناني حفظ هذه القوانين عن ضهر قلب ، ولكن الذي لم يدركه حتى الآن مع الاسف هو توقيت الساسة وانتظارهم حتى الدقيقة تسعين لطرح افكارهم وصياغة قانونهم والتسابق بإقناع العامة بذلك قبيل موعد الانتخابات ، وكأنهم بذلك يريدون الضغط والاستعجال ليصل بهم المطاف اخيرا الى نهاية لا جديد فيها ولا قانون ، ويبقى القديم على قدمه وتحصل اللعبة الديمقراطية مع بعض التعديلات الخجولة .
ان مشكلة السياسيين هي التبجح بالحرص على العيش المشترك والحفاظ على ما نص عليه اتفاق الطائف بهذا الخصوص ، ونراهم يصبون جام غضبهم على آراء اخصامهم وافكارهم وقوانينهم ، على انها تنسف هذا العيش والتلاقي بين اللبنانيين .مع العلم بان الانتخابات منذ الاستقلال وحتى هذه اللحظة لم تفرّق ابدا بين اللبنانيين ، بل ان الذي فرّق بينهم هو قادتهم وزعماؤهم ، هم وحدهم من يزرعون بذور التفرقة والكراهية ويدقون طبول الانقسام تحت شعارات وحجج سئمها كل عاقل ومدرك .
اذا كان هناك فعلا اخي المواطن من يريد قانونا انتخابيا عصريا قدر الامكان ، فلماذا التأخير في سن مثل هذا القانون ؟ ولماذا يثار هذا الموضوع في الوقت بدل الضائع ؟ الم يكن بوسعهم دراسة وتجهيز وتركيب كل القوانين والاقتراحات المطروحة خلال السنوات الاربع الماضية ؟ ولماذا يُترك هذا الموضوع للحكومات المتعاقبة  ولوزير الداخلية بالذات ليبت فيه ويقدمه ؟ الا يوجد في البلد رجال فكر وقانون ومختصون يستطيعون انجاز الف قانون وقانون ؟ لماذا لا تؤلف لجنة وطنية مهمتها وضع قانون انتخابات عصري يفي بكل متطلبات القوى السياسية والاجتماعية ؟ رضينا سابقا بالمشرّع اللبناني، ورضينا بمؤلف وملحن النشيد الوطني، فهل من مانع للجنة وطنية لموضوع وطني حساس وضروري ؟ ولماذا لم تزل حتى الساعة مسألة مشاركة المغتربين مرهونة بقرار حكومي مع وقف التنفيذ ؟ تارة تُتهم الحكومة وتارة تُتهم وزارة الخارجية ، وتارة اخرى تُتهم السفارات اللبنانية في الخارج ، حتى وصل الاتهام اخيرا الى المغتربين انفسهم على انهم لا يريدون التسجيل في سجلات لوائح الشطب .لماذا هذا الاستهتار بالمغترب اللبناني او بالأحرى اتساءل ، ما هذا الضعف بالمغترب اللبناني ولماذا هذا السكوت غير المبرر على تقاعس الدولة في ابسط واقدس حق له وهو ابداء الرأي الحر وممارسة الحق المشروع بالانتخاب ؟
اني ادعو المغتربين كافة وعلى مختلف انتماءاتهم الحزبية والطائفية ، ادعوهم للامتناع عن المشاركة بالتصويت الا اذا حصلوا على حق الاقتراع في بلدان انتشارهم ، وادعوهم بكل احترام الى عدم تلبية رغبات الزعماء بالقدوم الى الوطن للإدلاء بأصواتهم ، فان ذلك يعطيهم ما يريدون ويحقق مبتغاهم ويبرر تقصيرهم بواجباتهم تجاه المغتربين ، وهكذا ستمر اربع سنوات اخرى وسنعود الى نفس الحالة . اخوتي ، ان مقاطعتكم للانتخابات كما ذكرت لن تمس بحبكم للوطن ولا باحترامكم للحق الدستوري والقانوني ، بل ستكون ملاحظة هامة وشجاعة للذين يديرون دفة البلاد والعباد .
اخي القارئ
ان الهدف من الانتخابات هو ممارسة الواجب الوطني في تقرير مصير الوطن من خلال برلمان منتخب يقوده ويقرر مصيره . ومن اهداف العملية الانتخابية أيضا ،جعل الديمقراطية تتكلم وجعل الاكثرية المنبثقة عن هذه العملية تحكم وتُحاسب حسب النظم القانونية والدستورية . ان الحقيقة المؤلمة هي ان لا اكثرية نيابية حكمت ولا اقلية عارضت ، واجمل البدعات كانت في حكومة وحدة وطنية لا معارضة لها الا بعض الاصوات التي لا حناجر لها ولا آذانا تسمعها . ان السؤال الذي يطرح نفسه: اذا كنا لا نستطيع ان نحكم بأكثرية فائزة ، ولا نستطيع الحكم بحكومة وحدة وطنية لأنها لا تمثل الوحدة بل المحاصصة، ولا نستطيع ان نحكم لان التشريع في وادٍ والتنفيذ في وادٍ آخر ، ولا نستطيع ان نحكم لان السلاح يحكم قبل القضاء وفوق القانون ، ولا نستطيع ان نحكم لان الطائفة والمذهب والعشيرة قبل الهوية والانتماء والمواطنة ، بعد كل هذا لماذا الانتخابات اذا ؟ ولماذا هذا الصراخ ووجع الراس حول القانون والاسلوب والتوقيت والتحالف ؟
اخي المواطن
نشتم ونلعن الطائفية ونحن نعيشها كل يوم في الدوائر الحكومية وفي الوظائف العامة وفي المناسبات والاعياد وفي الطعام والملبس والمشرب ، اننا في صلب الطائفية وكل من ينكر ذلك فهو احمق وجاهل وحالم يعيش في عالم آخر ، لذلك لندع العواطف جانبا ونحكّم العقل قليلا ولو طائفيا ولنذهب مع الطرح الارثوذكسي ونطرح انتخابات مذهبية علنية ، وليسمحوا لنا ببعض التغيرات الطفيفة بان تنتخب الطائفة ثلثي ما وهبه اتفاق الطائف لها من مقاعد نيابية( بقانون الاكثرية او النسبية او بالتعيين وبكلمة اوضح حسب ما تراه الطائفة مناسبا ، وبذلك نكون قد احترمنا خصوصية كل مكونات المجتمع اللبناني )  والعمل على انتخاب الثلث الباقي ضمن دائرة واحدة لكل لبنان وبقانون النسبيّة بلائحتين فقط 14 و8 آذار مع امكانية الترشح للمستقلين . ربما نكون بذلك على ابواب تجربتين جديدتين : القانون المذهبي (80 نائبا) والقانون النسبي (40 نائبا) ولنقرر على ضوء النتائج خطوتنا التالية .
اخي المواطن
"هات ايدك والحقني " انه النظام اللبناني ، انه النهج ( الديمو- كتاتوري) الفريد من نوعه الذي جعلنا اسرى خياراته المنزلة والمقدسة (مع حرية الكفر) ، وابقانا عبيد الاقطاع السياسي والتطرف الديني (مع امكانية التحرر) ، وسنبقى نكتب ونلحن ونغني للديمقراطية حتى لا ننسى وقعها ككلمة ،ولا نقع فيها كفعلٍ .
ايها المواطن الكريم ، انت الذي يذكرك الزعيم قبيل الانتخابات ، او قبيل زيارة ابوية واخوية للوقوف على اوضاعك لان مهلة السنوات الاربع شارفت على نهايتها ، انت الانسان الطامح  والمواطن الصالح ، انت الساعي للواجبات ومستمهل الحقوق ، انت الذي تسعى الى حياة شريفة ولقمة عيش حلال ،انت الذي تؤمن بمستقبل مشرق لأولادك واحفادك ، اصبحت تردد مقولة " عباس واخيه " عشر ولاد عندو وخيّ ،، وينيّ الدولة ؟
نعم وينيّ الدولة ؟ اين اولادها واحفادها ؟
الاول يئس وسافر،
والثاني هُجّر وطُرد وتشتت في مختلف اقطار الارض ،
والثالث هُجّر وطُرد قسرا داخل وطنه الصغير ،
والرابع مفقود لدى الشقيق ،
والخامس مخطوف من اجل فدية،
والسادس مسجون دون محاكمة،
والسابع مريض دون علاج وتأمين،
والثامن عاطل عن العمل ،
والتاسع خبير مظاهرات واشعال دواليب ،
والعاشر مدمن سلاح ،

وتريدون ايها الساسة اجراء انتخابات ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق