الجمعة، 17 أغسطس 2012

اللعنة

لقد اعتاد البعض على الهروب من الواقع الأليم باللجوء الى بعض الخيال المفرح قليلا ، واعتاد آخرون على الدخول في متاهات التمني والتفاؤل ، ولطم البعض الآخر وجه التشاؤم ببعض الايمان ، وخلص الجميع الى خلاصة واحدة : اللعنة على القدر مع اننا نؤمن كلنا بالقدر ، فهل هذا يعني اللعنة على ما نؤمن به ؟
اخي القارئ
معاذ الله ان اقصد "باللعنة" الايمان بالله تعالى او بيوم الآخرة او بيوم الحساب، بل المقصود هنا هو ما نؤمن به في يومنا الآني ، بالبقاء احياء ، بالعيش الكريم ، بالحقوق الكاملة ، بالاحترام والصدق والثقة ، الى ما هنالك من مرادفات يومية نعيشها ونعيش من اجلها ونتمنى ان نؤمن بها .
ما اضعف الانسان وقت الصعاب حتى ولو كان من اقدر الخلق على التصدي ، ولكل فرد طريقته الخاصة للسير نحو الخلاص ، وهذه قصتي مع اللعنة التي قادتني الى بعض الكفر ، واعود صديقي القارئ واكرر بأن هذا الكفر ليس قصدا ولا نية بل ينزل كلمة ويذوب في بحر المغفرة .
هناك من يطرد السأم قبالة البحر ويغوص في تلك الزرقة اللامتناهية ويخرج من مكان طالما اراد ان يكون فيه او احدى محطات حياته، ومنهم من يجلس قبالة الشمس لمواكبة طلوعها والشعور بدفء الحياة المتجددة لينعم بيوم جديد وامل ورجاء .
اما انا ،فالشمال وجهتي ومحطتي ، اجلس على تلك الرابية المطلة على عرين شبابي على الجنوب بوابة الفخر والعزة لوطن فُقد الامل منه . انطلق من تلك الرابية الى طفولة رافقتها الاحداث وكبرت وسط الحيرة والقلق ، اعود الى السهول والجبال اركض بين الاحراج والجداول ، اعرف كل نقطة تقع عيناي عليها ، راقبت نمو الاعشاب وهجرة الطيور ، عشقت ثلج حرمون وشربت دموعه فزادني الشيخ صحة. ها انا في حلم الاحلام فوق يقظة الايام وبين ما كنت وما انا عليه الآن استفقت على سائل ويقول : من انت ؟ نعم سألني ذلك الحارس وقال : من فضلك هويتك ، اعطيته وانتظرت ... ماذا تفعل هنا ؟ سألني ماذا افعل هنا ؟ ومن انا ؟
اللعنة ....
اللعنة .. من اين ابدأ وكيف ، وماذا باستطاعتي اخباره ؟ ومن هو ليفهم من انا وهل يستطيع ان يستوعب اللعنة التي انا فيها او ان لديه لعنته الخاصة ؟
سألني والح على المعرفة ،، من انا ؟ قلت :
أترى تلك السهول والجبال...أترى تلك الوديان والتلال.. أترى الريح ؟ حدّق جيدا هناك كان التاريخ يُصنع وهنا بعض الخطوط الزرقاء تمنع ، هناك ازدحمت السنين وتراكضت الايام ، وفي عجقة الزمن ، حُشرت اللحظات فولدت المحبة ونبت السلام ،، ولكن ،، اللعنة على.....
صرخ مقاطعا: اللعنة، لقد عرفتك انك لبناني، فقلت له بالله عليك لا تلعن، دع اللعنة لنا فإنها منا وفينا.
اخي القارئ
قاتلت من اجل الحرية والديمقراطية ، نذرت شبابي وزهرة عمري من اجل الانسان وحقه في العيش الحر الكريم، قاتلت الاستبداد والأنا ، قاتلت عبدة الديكتاتورية ومنتهزي الديمقراطية ،،، اللعنة من اجل ماذا ؟ من اجل ان استجدي بعض الديمقراطية ؟ قاتلت العنصرية والطائفية والمذهبية ،،،، اللعنة ، لقد فقدت الهوية واين ابحث ؟ وهل أجرؤ على القراءة بعكس الابجدية ؟
ما ارخص حياة الانسان في النظام الاستبدادي ، وما ارخص قيمة الانسان في النظام الحر ، واللعنة .. والف لعنة ،،،فما بين القيمة والرّخصِ ضاعت القيمُ وكثُرت الرّخَصْ .
يُقال بأننا من العالم الثالث ، العالم التحتي الذي لا يعرف الا الشقاء ولا يعرف قيمة البقاء لأنه لا يملك اي ولاء. العالم الثالث ، عالم الجهل والتخلف كما تقولون او كما تدعون ، اي اننا من المتخلفين والجهلة ، ولكننا نملك المال الوفير وبنوك العالم الفوقي مشرعة الابواب وطالما نحن نضخ الذهب والماس فالتخلف نائم وغائب والاستبداد رحمة والديمقراطية نكتة .
اللعنة ....
نحن الذين حاربنا الطغيان ،، جهلة
نحن الذين وقفنا بوجه التفرقة العنصرية والمذهبية ونادينا بالحق البشري العام، نحن جهلة ومتخلفون.
نعم ، اللعنة علينا لأننا لا نعرف الرياضيات جيدا بل نعرف القيم نحفظها عن ظهر قلب .
اللعنة علينا لأننا لا نتقن الكذب ولا المراوغة ، بل كلنا ايمان ونتوق الى المغفرة .
نحن العالم الثالث نفشل بتعلم ما خلقناه وننجح باكتساب ما عُتق، نحن عنوان قصة لا تحكى ولا تُترجم.
وانتم العالم الاول يا من تظنون بانكم القدوة والمثل الاعلى ، لا ،لا ،انتم الخطأ والخطيئة ، لديكم سيف جدعون وتمساح فرعون ،ولدينا المعرفة بمن نكون وبخالق الكون .دعونا وشأننا وليكن العالم الثاني بيننا فهو يتسع لكلينا ، انزلوا اليه ونحن نصعد بدورنا وربما نلتقي في وسطية الحضارة ، وفي وسطية التطرف ، وفي وسطية الكمال ،،،، ونلعن اللعنة ....
عزيزي القارئ
تركني ذلك الحارس بهدوء ، فقط اشار بيده راحلا بسلام اشبه بالاستسلام ووقف بعيدا وقال :
اللعنة علينا جميعا : انتم لأنكم صدقتمونا ونحن لأننا كذبنا،
ضحكت اخيرا وقلت له : اللعنة على الرياضيات ، فقد ساوت اللعنة ما بين الكذب والصدق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق