الأربعاء، 5 سبتمبر 2012

الرسالة الثانية

                                   
كنت اتمنى ان لا اكتب لك ثانية ، ولكن الخامس من ايلول اصرّ ان يقرأ لي مرة اخرى .
نعم يا بني ها انا اكتب اليك راجيا ان تكون بصحة جيدة ، آملا ان لا تحسب الايام والليالي فان حسابها يأتي دائما على حساب الجسد وراحة البال .
احمل القلم مجددا واحاول ان اصنع من عصارته خطوطا تسابق الشوق اليك وتطبع على خدك قبلات وقبلات . اكتب اليك يا بني لأني اجد في الكتابة ملاذا من سأمٍ ويقينا من حيرة، اخاطبك عبر هذه الحروف لأرشدك وانصحك وأقوّم ما اعْوجّ والتوى ،بكلام منه ما وقع على صواب ومنه ما سرح في خبط عشواء، انه القفز فوق الرغبة والسقوط عند اللقاء  .
بني
لا يوجد في الحياة اثمن من الحرية ، ولا توجد حرية اثمن من الروح .الروح تبقى وان غابت الحرية ولكن لا حرية بدون روح ، اكمل طريقك على خط البقاء واعمل لغدك وكأنه سيصبح الامس . ليكن الامل مفتاح يومك وبهجة حاضرك وسبب قيامك، ولا تدع الندم يأخذ منك فرح التوبة ، ان الندم دواء ولكن التوبة شفاء .
ولدي
اوصيك بأخيك ، لا تدع شيئا في الدنيا ابدا ،،ابدا يبعدك عنه او يبعده عنك ، وتذكر دائما بأن تترك بينكما فسحة للحرية الشخصية وابتعد عنه المسافة الكافية لتشتاق اليه . كن دائما السباق للشمل والخاسر من حقك واعطه ما هو لك قبل التزامك بما هو له ، احتقر المال ، وحافظ على الارزاق فأنت الساعي والوكيل ، توصلها كما وصلت اليك، فأعطها كاملة وزدها اذا استطعت واذا لا بد من نقص فليكن في سبيل تدبيرٍ حسنٍ او صالحٍ عائلي او براءة ذمة .
ان الحياة مجموعة عقد مترابطة متراصة جُمعت وأُحكمت لتكوّن العقدة الكبرى الا وهي عقدة البقاء . عقدة النوم وعقدة النهوض ، عقدة العمل والطعام ، عقدة التربية والتعليم ، الى ما هناك من عقد تكبر مع ساعات اليوم والاسابيع والشهور للسير نحو البقاء وهو نفسه مسار السير نحو الفناء . حب البقاء  والصراع من اجله ،هو الوصول للفناء بحد ذاته ، تفاوتت الاوقات واختلفت ساعات الحقيقة ، فاعمل ما بوسعك لإرضاء ربك واراحة ضميرك ، وتذكر ان البقاء في الاعمال الجيدة والسيرة الحسنة ، فاجعلها على شفاه المتكلمين واوراق المدونين .
ولدي الحبيب
تمر الايام مثقلة بالتمنيات وتتراكم الآمال عبر السنين لتولد جبلا من خيال السعادة المرجوة ، وفي ازدحام التاريخ عُصرتْ سنّة الحياة فكانت تلك العصارة ، وامتلأت الكأس بفلذات احب الخلق الى نفسي . انتم عائلتي واحبائي ، انتم رجائي وقسمتي .
لا ادري يا بني كلما حاولت ان انهي اجد نفسي وكأني الآن بدأت ، فمع كل نهاية تبدأ بداية . فاجعلْ من آخر نهاية سعيدة بداية ساعة صفر لمشوار سفر آخر، وتذكر بأن سرعة السنين لا تضاهيها سرعة لأننا لا نشعر بها بل نعيشها ذكرى.
اوصيك بأقوى سلاح تتسلح به ، فهو يحميك في كل زمان ومكان ، انه الايمان ،الايمان المطلق باله الحق والخير دون شراكة ودون شك ودون تردد . اعمل ما يحلو لك وما يطيب ، وما يمليه عليك العقل والمنطق وحتى الرغبة ، ولكن احذر الكذب ،، كن صادقا دائما مع خالقك اولا ومع نفسك ثانيا ومن ثمّ مع المجتمع من حولك . يا بني ،، الصدق صك القيم فان تنازلت عنه ، فلن تمتلك شيئا ولن تغدو اكثر من رخيص .
يا بني
كن ابن مجتمعك ، فهو يدفئك ويحميك ، تكبر ان انتميت له وتُحتقر وتُهان ان عاندته وسرت عكس تقاليده وقيمه .ان الانسان يستطيع ان يجلب المذمة في برهة وجيزة ، ولكن يلزمه وقت طويل وطويل لجلب السيرة الحسنة والكلمة المنصفة .
كن ابن طائفتك ولا تكن طائفيا ابدا ، ناصرها واحميها ولكن ليس على حساب القيم والاخلاق والشرف ولا المعتقد والايمان  .ان الطائفية خلل انساني وهي ادنى درجات العلاقات الاجتماعية والدينية ، ومقبرة الحوار والعيش المشترك . انت اخٌ لكل انسان في المشاعر ومدّ يدِ المساعدة والعون ، فلا تفرق بين لون ولسان وقامة . اننا في يوم الحشر سواء ، ولا فضل الا بالتقوى .
رحم الله أمرئ عرف حده فوقف عنده ، كبُرَ فتواضعَ ، تألمَ فصبر ، سامحَ فأقتدر، اخطأ فعرف ، اساء فاعترف ، انه جبلةُ العواطف وفخرُ المواقف ، وبين هذا وذاك يكمن السر،،،،

                                                           والدك
                                                   5-9-2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق