الجمعة، 18 مايو 2012

الله يستر

                                  
عبارة يرددها الناس كلما فاقت الاوضاع التوقعات ، وكلما ضاقت السبل في الانقاذ والتغيير لتحاشي المآسي والويلات . التاريخ يعيد نفسه و" الله يستر"، نعم ونحن في لبنان اصبحنا اخصائيين في ترجمة وتحليل وتفسير هذه العبارة . ان التاريخ اللبناني مليء بالأحداث المتشابهة والمتكررة ، واللبناني لا يتعلم من التكرار ولا من التشابه ، فقط التاريخ يعيد نفسه ، يردد هذه الكلمة ويتمنى الرحمة والرأفة والعناية الالهية " والله يستر " .
اخي القارئ
امام المشهد اللبناني الاخير وامام الاحداث الدامية التي شهدتها عاصمة الشمال ، ومواقف الحكام اللبنانيين كافة ، وامام مواقف الناس المتعطشة للأمن والامان ، نرى ان التاريخ اللبناني قد استيقظ من جديد وفي طرابلس بالذات والتاريخ فعلا يعيد نفسه و"الله يستر " .
نعم صديقي القارئ ، لنعد الى الوراء وبالتحديد الى العام 1974 اي عام واحد قبل اندلاع الحرب اللبنانية المتعددة الاتجاهات ، الى عام التحضير والتعبئة لتلك الحرب العبثية في طرابلس الفيحاء عندما بدأت شرارة النار مع " قدورة " ودخول الجيش في مجابهة مع انصاره ولأول مرة يتدخل في صدامات زواريب وازقة ، فكانت آنذاك تعبئة فئوية ومذهبية ضد الجيش والدولة  ، من الفلسطينيين المدعومين من سوريا ، الى الاسلاميين من سلفيين وحركة التوحيد الاسلامي  بزعامة الشيخ " شعبان " في ذلك الوقت ، وها نحن اليوم امام نفس المشهد تقريبا وتحت عنوان " شادي المولوي " والسلفيين الطرابلسيين ، والعلويين المدعومين من سوريا ، واحزاب اخرى داعمة لهذا واخرى داعمة لذاك . اذا انه نفس المشهد يتكرر بعد نحو اربعة عقود تقريبا واللبناني يراقب ولا يتعظ ولا ينسى ولا حول له ولا قوة و"الله يستر " .
بدأت حكومة الرئيس الراحل رشيد كرامي بعد استقالة الرئيس الراحل تقي الدين الصلح بالتهيئة غير المباشرة للحرب عبر التصاريح الملغومة التي كان يطلقها الرئيس كرامي نفسه خاصة فيما يتعلق بالموقف العروبي للبنان وبالجيش اللبناني من خلال تخوفه من انقسام هذا الجيش اذا ما طُلب منه القيام بواجبه الوطني بردع المتطرفين والخارجين عن القانون والوقوف سدا منيعا بوجه كل من يريد الفتنة .تماما كما هو الحال اليوم في نهج حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ( الطرابلسي أيضا )، وعبر تصريحاته ومواقفه وبالتالي عبر النأي بالنفس عما يجري في سوريا وكأن ما يجري هناك هو وراء البحار ولا يمت بصلة الى الواقع اللبناني . تماما كما كان الحال عام 1974 -1975 عندما كانت المنطقة لا تزال تعيش ذيول حرب الاستنزاف السورية – الاسرائيلية واتفاقية فصل القوات في الجولان وها نحن اليوم نعيش الثورة السورية وعملية فصل النظام عن الشعب وفصل الحدود المشتركة عن كل اهتمام او رعاية  واتفاقية فصل اللبنانيين عن بعضهم البعض. نعم ان التاريخ يعيد نفسه وبتصريحات رئيس الحكومة بان عملية اعتقال الموسوي غير لائقة وغير قانونية وهي ربما تعتمد على اصول دينية او مواقف سياسية معينة ونتيجة لمواقف سابقة من الاسلاميين خاصة في الشمال وبعد معارك نهر البارد ذات الصلة المباشرة بالوجود الفلسطيني في لبنان ، وهنا تستوقفني الذاكرة بالرجوع الى تصريحات مشابهة تماما للرئيس رشيد كرامي عندما اعلن ان الفلسطينيين في لبنان مغبونين ويجب اطلاق سراحهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وبالتالي الامني واعطائهم حرية العمل الوطني .هكذا ان التاريخ يعيد نفسه من نفس المكان ومن نفس المسؤولين (رؤساء حكومة ) والله يستر .
عزيزي القارئ
الى متى سيستمر استغباء الانسان اللبناني عبر اطلاق مواقف سياسية اقرب الى الجنون منها الى مواقف ؟ الى متى سيبقى دولة الرئيس ميقاتي سائرا في هذا الخط ؟ خط المواربة والمراوغة والالهاء عن الحقيقة؟ اكاد لا اصدق ان احدا في لبنان يقبل ان يتقبل بعضا من تلك التصاريح التي تدل على تجاهل صاحبها لحكمة السامع ولحسه الوطني . آخر ما اتحفنا به الرئيس ميقاتي هو قلقه الدائم والشديد من استمرار الخروقات الاسرائيلية في الجنوب في حين ان الشقيقة في الشرق والشمال تجتاح الارض وتطلق النار وتقتل المواطنين اللبنانيين دون ان يبدي دولته القلق والارق وسهر الليالي والشجب والاستنكار، وتجتاح عصابات حلفائها بيوت المواطنين الامنين وتعتقلهم دون اي وجه حق فقط لانهم ضد النظام او يساعدون الثورة ، ودولة الرئيس وحكومته الموقرة لا تحرك ساكنا واذا ما تجرأ احد المظلومين على رفع سقف التنديد او المطالبة بالحق فالويل له  ومن عمالته للعدو الاسرائيلي او لأسياده الأمريكان والغرب .فأي عاقل يا دولة الرئيس يقبل او يؤمن بسياستك ويأخذها على محمل الجد ؟ واقول لك بكل احترام ومسؤولية : من يأبه الان بخروقات الطائرات الاسرائيلية لأجوائنا في حين عشرات القرى اللبنانية تعيش حالة الحرب الحقيقية والفعلية عبر الحدود الشمالية مع سوريا ؟ من يأبه بالخروقات الاسرائيلية والشعب اللبناني يُخرق يوميا بلقمة عيشه وبأمنه الشخصي والاجتماعي وبعمله واقتصاده وبسمعته وحتى بأخلاقه ؟ ان آلاف اللبنانيين يعيشون حالة الهلع والخوف من خروقات الداخل من حزب الله واعوانه وحكومتك الموقرة تلتهي بكيفية شرعنة السرقة واغتصاب الحق العام . من يأبه الآن بالخروقات الاسرائيلية ودولة الرئيس ميشال عون يبشرنا بان سوريا سائرة الى الديمقراطية بقيادة البعث والاسد وستكون منارة الشرق في حرية التعبير وحقوق الانسان ، وان لبنان يتطلع الى التحالف التاريخي مع الهند والبرازيل وجنوب افريقيا فلا مشكلة عنصرية تنتظرنا بعد الان ولا مشكلة القهوة والاستهلاك المفرط لها ، ولا مشكلة مع السيخ والهندوس بإذن الله . اي عاقل يا دولة الرئيس يقبل بعد الان بمقولة النأي بالنفس عن الاحداث في سوريا وانتم وحكومتكم من راسكم حتى اخمس قدميكم متورطون في قلب اللعبة القذرة التي تدور على حساب الشعب السوري المسكين وبالتالي على حساب الشعب اللبناني؟
اي عاقل في لبنان يا دولة الرئيس يقبل بعد الآن بسماع ابواق حكومتك وتفاهات نواب الامة والكيل بمكيالين فيما يتعلق بالحياة السياسة في لبنان وخاصة الزيارات الرسمية . فيلتمان جاء لتهيئة الحرب ضد المقاومة والنظام السوري وكل من قابل فيلتمان هو عميل ، و14 آذار تعد العدة حسب خطة معلمها لضرب عصب الممانعة والتصدي ، وان زيارة الديبلوماسي الاميركي للحدود الشمالية هو تدخل سافر بالشؤون اللبنانية ، في حين ان زيارة نائب الرئيس الايراني " رحيمي " هي زيارة رعوية رحيمية للرعية ولإقامة الصلوات في بيروت ومارون الراس علّ السلام يحل فوق رؤوس الجميع او يحلّ رؤوس الجميع . بالله عليكم يا اصحاب الدولة والمعالي والسعادة الى ما هناك من صفات ونعوت ، بالله عليكم لقد اصبحنا نصدق ان الشعب اللبناني هو فعلا شعب غبي وجاهل ليسمع هذه التفاهات . الحقيقة نقولها : تبا لكم ولفيلتمان ولرحيمي ولحكومتكم ولمجلسيكم ، وتبا لكل من يحاول غرس نباته في تربة غيره وتبا لسياسة الفراغ الاخلاقي والمسؤولية المجازة .
ايها اللبنانيون
اقول لكم ان التاريخ يعيد نفسه وان ما تخشونه ونخشاه جميعا اصبح قاب طلقتين او اقل ، فكونوا حذيرين ولا تدعوا السياسيين يرسمون لكم المصير، اقول لكم من باب التجربة المريرة التي مررت بها : هبوا لملاقاة بعضكم البعض ، تنازلوا عن بعض ما تريدون لتلاقوا البعض الآخر كما تريدون  " والله يستر " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق