الجمعة، 27 أبريل 2012

تنذكر ما تنعاد

13 نيسان 1975 ،كنت في العشرين من عمري في صيدا عاصمة الجنوب اخوض معارك ضد اليسار اللبناني والمنظمات الفلسطينية وعلى راسها منظمة الصاعقة السورية على اثر مقتل النائب معروف سعد ، كنت آنذاك جنديا في الجيش اللبناني بصفة طالب احتياطي لفترة سنة في خدمة الوطن .
13 نيسان 1975 ، وعلى بعد اربعين كيلومترا من معارك الجنوب نشبت معركة اخرى (معركة البوسطة ) في بيروت – عين الرمانة – هذه المعركة او الحادثة التي اشعلت الحرب اللبنانية كما اتفق عليها ، ولكنها كانت مشتعلة في الجنوب منذ ست سنوات تقريبا اي منذ ما قبل التوقيع على اتفاق القاهرة . فأي تاريخ نعتمد فعلا لبدء الحرب اللبنانية ؟
عزيزي القارئ
بالنسبة الينا نحن الجنوبيون ،لقد بدأت الحرب منذ ان تخلت الدولة عنا ووقعت اتفاق الذل والشؤم (القاهرة عام 1969 ) . منذ ذلك الوقت ونحن نخوض حرب البقاء على ارضنا وفي قرانا ومدننا ، ومنذ ذلك التاريخ ونحن نخوض حرب التواصل مع الوطن وعدم سلخنا عنه ، منذ ذلك الوقت ونحن في صراع مستميت مع محتلين تعاقبوا على احتلال هذه الارض وعاثوا فيها فسادا ودمارا وتشريدا ، والدولة الكريمة غائبة نائمة متسترة بورقة لا تستر عيبا ولا تغض نظرا .
نعم ، لقد كتب علينا القهر والعوز ، التهجير والهجرة ، الحزن والكآبة ،ولكننا بقينا على كرامتنا وعلى ايماننا بوطننا ، على حريتنا ، بقينا على ارضنا ندافع عنها ونقدم لها كل غال ونفيس من دماء شاباتنا وشبابنا . كنا في حربنا الخاصة قبل حربكم العامة، كنا قبل الثالث عشر من نيسان واتيتم لتكملة ما بدأنا به بعد ان وصل "الموس لذقنكم " كما يقول المثل ، وليكن هذا التاريخ تاريخ بدايتكم ونقول معكم " تنذكر ما تنعاد " .
اخي اللبناني
" تنذكر ما تنعاد " ، نعم لنتذكر الحرب حتى نعلم ما جنت ايادينا ، لنتذكر الحرب حتى يعي اولادنا ويلاتها ومآسيها . نتذكر الحرب حتى نتعلم ويتعلم كل من يأتي بعدنا ان لا حلولا نتيجة حرب ولا مستقبلا نتيجة حرب ، فالحرب نهاية الحوار وبداية التباعد ، هي تقصير بالأداء وسوء تعبير عن الآراء ، انها النقمة والكره والانحلال .
" تنذكر ما تنعاد " تلك الحرب اللعينة التي قضت على كل قيم تربى عليها اللبناني الكريم الحر ، تلك الحرب التي ابعدت الاخ عن اخيه ، واقصت الصديق عن الصديق ، هجّرت الفرد من العائلة ، وابعدت العائلة عن جذورها . حرب ، خضناها بعد ان عشقها البعض واحبها البعض الآخر ، خاضها من كرهها مرغما لأنه يعرفها وناسبت من يجهلها ، هذه الحرب الخطأ بل الخطيئة اوقعتنا جميعا بالخطأ والخطيئة.
" تنذكر ما تنعاد " ايتها الحرب اللبنانية ، من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب ، من الجبل الى السهل الى الساحل ، وكلنا امل ان لا تعاد المتاريس للفصل بين الاحياء ، ولا اكياس الرمل لتسكير النوافذ والابواب ، ولا الحواجز لفصل المناطق عن بعضها البعض .
اخي القارئ
تعود اللبناني على جملة " تنذكر ما تنعاد " وخصّ فيها الحرب وقصد تلك السنوات المريرة والصعبة ، وتعودت عليها السن العامة : الحرب ، الرصاص والقذائف ، القتل والتشريد والتدمير ، ولكن ايها اللبنانيون لدينا " تنذكر ما تنعاد " لأمور اشد مرارة من طلقة النار وانفجار لغم او قذيفة ، واشد وقعا من سيارة ملغومة او فقدان صديق او عزيز. " تنذكر ما تنعاد " لكل ما وصلنا اليه بعد اكثر من عشرين سنة على انتهاء حرب النار والدخان .
عزيزي اللبناني
اقول "تنذكر ما تنعاد " عندما ارى ما نحن فيه ،وما اصبحنا عليه من تقسيم وشرذمة بالنفوس ، من احقاد وضغائن .
عندما ارى السياسيين واسمعهم يتكلمون باسم الشعب ، واي شعب بقي لينطقوا باسمه .
عندما ارى فئة من اللبنانيين تغمرها نشوة الغلبة والسيطرة بفضل سلاح اصبح مشبوها وعليه الف علامة استفهام .
" تنذكر ما تنعاد " للتقسيم الجغرافي والفرز المناطقي ، للبؤر الامنية والمربعات الحزبية ، للتجمعات الاستيطانية الجديدة ( ويا ليتهم تعلموا الديمقراطية الاسرائيلية بدل ذلك ).
"تنذكر ما تنعاد " للاغتيالات السياسية بعد ما تعذر الاقناع والاقتناع .
لمجلس نيابي خذل الامة واصبح دون مستوى طموحات هذا الشعب الجبار.
" تنذكر ما تنعاد " لحكومات تبدأ وطنية وتنتهي عميلة ،ومنتوجا مستوردا .
لفساد مستشرٍ ، ولهدر مالٍ ، وسرقة خيرات هذا الوطن .
"تنذكر ما تنعاد " على ولاء طغى على الهوية اللبنانية وعلى انتماء ضاع ما بين  نظام وولاية .
" تنذكر ما تنعاد " على اجهزة حكم مسيّرة وعلى المصالح المعتبرة فوق كل اعتبار، على القضاء ، على الاصلاح وحقوق الانسان وحق الوطن وواجب المواطن.
تنذكر ما تنعاد على هذا الوطن ، على لبنان .
ايها اللبناني
لندع العاطفة جانبا ولنتكلم بالعقل وبالمصلحة الوطنية العليا ،كل فرد يختبئ خلف "تنذكر ما تنعاد " ولا احد يجرؤ على قول الحقيقة . كل من زاوية مختلفة يشعر بقرارة نفسه بانه الخاسر الوحيد من هذه الحرب وبالتالي يتمنى ان يصحح هذه النتيجة ، انه شعور الغالب والمغلوب الذي بات واضحا الان اكثر من اي وقت مضى .
لا اريد التطرق الى التفاصيل حتى لا يقال عني اني من دعاة الحرب ، ولكن الوقائع لا تكذب وشحن النفوس لا يُستّر، وانتهاك حرمات الناس وحريتهم السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية وحتى الحرية الشخصية كلها تتجه نحو ما نخشاه كلنا ، ونعود "نتخبى بخيال اصبعنا " ونقول " تنذكر ما تنعاد " .
ايها اللبنانيون
كلكم اسستم لحرب اهلية الا نحن في الجنوب ، كل احزابكم استعدت لها الا نحن ،كلكم شاركتم بها على اساس طائفي ومذهبي الا نحن ، تعددت عندكم الولاءات وتنقلتم بين الاعداء الا نحن ، ربحتم وتنازلتم وقبلتم وختمتم اتفاقات " الطائف ، والدوحة ، والاخوة ، الى آخر ما بصمت ابهامكم اليسرى واليمنى الا نحن، نحن من دُفع اليها واُجبر على خوضها ، ونحن في مهب الريح  ، كلكم رضيتم بالذي اصابنا وتساهلتم مع ضمائركم حتى نسيتم وقع صراخها ،آلاف المهجرين والمهاجرين ، واللاجئين ،والمحتجزين ، والمغيبين والمفقودين ، وبعد كل هذا تأتوا الينا وتقولوا "تنذكر ما تنعاد "؟ .
اخي اللبناني
لست من هواة الحرب، ولا من هواة العنف، ولا الصمود والتصدي ولا الاستسلام والتخاذل. انا من هواة بل من عبدة لبنان والارز ، انا واحد من الذين سقوا التربة دماءً وحملوا راية الوطن عالية حرة ، انا واحد من الذين قاتلوا سنوات طويلة   دفاعا عن قيم لبنان واحلام لبنان وصيغة لبنان ،لا احد يستطيع ان يثني عزيمتي ، ولن اقبل الا بالحق لكل صاحب حق وبالهوية لكل من يستحقها .
بالله عليكم كفى " تنذكر ما تنعاد " .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق