السبت، 14 أبريل 2012

مرْ ما منو مفرْ

لا ادري اذا كان المجتمع الدولي يشكك في قدرة الشعب السوري على الاستمرار بثورته ، ولا ادري اذا كان هذا المجتمع يظن ان الرئيس السوري غير جدي بقمع هذه الثورة بأية وسيلة وبأي ثمن . لكن الذي يعرفه الجميع ان ما بين الشك والجد ، يلعب اللاعب الروسي بكل حرية ، ويضع النقاط حيثما يريد ويحذف احرفا كيفما يريد دون رادع او حسيب ودون اية مواجهات تذكر من قبل الاعضاء الدائمين في مجلس الامن الدولي . والذي نعرفه أيضا ان الرئيس السوري عرف كيف يلعب على تناقضات المواقف العربية والاقليمية وحتى الدولية وها هو يسعى جاهدا لكسب الوقت اللازم للقضاء على هذه الثورة .
لقد علمتنا الاحداث وبدون شك ان ما من ثورة شعبية الا ووصلت الى اهدافها ،وما من شعب انتفض الا وحقق ما يريد . ان ارادة الشعوب لا تقهرها آلة ولا يثنيها بطش مهما طال الزمن ، وهذا ما اوضحه التاريخ منذ فراعنة مصر وقياصرة روما مرورا بأشد الأنظمة قساوة من الخمير الحمر "كمبوديا" الى مجازر الابادة الجماعية في القارة السوداء ، وتبقى النتيجة ذاتها مهما تغير اللون وتقلب السلاح ، فالنصر للشعب دائما .
اخي القارئ
لا يمكن الادعاء بان ما يحصل في سوريا هو شأن داخلي ولا يمت بصلة الى دول الجوار وخاصة لبنان ، ونقول لبنان خاصة ، لأن في لبنان حلفاءً لسوريا واتباعا للنظام بعثيين اكثر من "ميشال عفلق "نفسه . هنا تكمن خطورة نتائج ما يحدث في سوريا على الساحة اللبنانية في الوقت الذي نرى فيه سياسة الحكومة اللبنانية سياسة ترقيع لا اكثر ولا اقل وهي سياسة " مسح اللحى وتبويس الشوارب "، سياسة ارضاء لهذا وترضية لذاك ، ولا احد يعي الاخطر وهو نتيجة الثورة السورية وما ستؤول اليه الاحداث ، فكلاهما مرٌ على لبنان : نجاح الثورة مرْ ، وبقاء الاسد امرْ ، وللأسف يتحلى اللبنانيون ما بين هذه المرارات بقانون انتخابي لا يعرفون اليه سبيلا ولن يفيدهم بشيء على الاطلاق ، حتى ولو جاؤوا بأفلاطون وسقراط والفارابي ، سيبقى النائب نائبا والمحدلة محدلة والنتائج معروفة سلفا . فلماذا لا يتركون هذا المشروع الفاشل جانبا وتوأمه مشروع الكهرباء ايضا . لن ينعم لبنان بالكهرباء سواء اتت من بواخر او معامل طالما ان المستفيد منها لا يدفع وطالما انها لأشخاص ومناطق ومحسوبيات ، وطالما ان الحاكم لا يعنيه المواطن وما يعانيه . ليعوا هذا الفالج الوطني وليتجهوا الى دراسة النتائج التي ستُفرض عليهم بعد الثورة السورية .
اولا : اذا انتصرت الثورة في سوريا – وهذا ما يتمناه كل حر في العالم – ستنتقل مباشرة الى لبنان ولكنها ليست ضد النظام ولا الدولة ، لان لا وجود لنظام ولا لدولة ، بل ضد نظام الدويلة "دويلة حزب الله " . ان الشعب اللبناني باعتقادي لن يترك ثانية تمر بعد انتهاء الثورة في سوريا لينزل الى الشارع مطالبا بأنهاء سيطرة السلاح وتسليمه للدولة وبانضمام الجميع تحت رايتها بالحوار او بالقوة ،  بالمظاهرات او بتبويس اللحى، بكسر الاذرع او برص الاكتاف. ان الهدف هو وضع لبنان فوق كل اعتبار والعبرة لمن يعتبر من الشعوب اذا نزلت الى الشارع .
ان انتصار الثورة السورية هو انتصار ذو وجهين :
- الوجه السياسي ويعني انتصار الحرية والديمقراطية على انظمة الرأس الواحد – الانظمة العقائدية والديكتاتورية ، وهو آخر عنقود الربيع العربي بإسقاط الانظمة التي حكمت شعوبها لأكثر من نصف قرن تقريبا دون ان تقدم لها شيئا سوى القمع والفقر وحضارة القرون الوسطى . ان هذا الانتصار السياسي هو انتصار على كل من يدور في فلك النظام وبالتالي فان الرسالة واضحة : سيأتيكم الدور فانتم اللاحقون .
- الوجه الديني "المذهبي " فيتمثل بانتصار السنّة في سوريا وانهاء سيطرة اقلية حكمت بيد من حديد وبالتالي انتصار على كل توجه غير سني ضمن الاسلام عامة، وهو موجه الى طهران والى حزب الله في لبنان . ان السنّة في لبنان سيتلقفون هذا الانتصار ليعدوا العدة لانتصار خاصٍ بهم وبنفس المعايير السورية ، انتصار ضد حزب الله وحلفائه "سياسي" وانتصار على الشيعة "مذهبي" . ان الساحة اللبنانية ستكون مفتوحة على جميع الاحتمالات ومن ضمنها الحرب الاهلية لان حزب الله لن يسلم بالأمر ببساطة بل سيدافع عن موقفه وعن مكتسباته ولا اعتقد بانه سيلجأ الى فتح الجبهة الجنوبية ضد اسرائيل لأنه يعلم ان لا احدا سيسانده وان مقولة الجيش والشعب والمقاومة ستكون قد سقطت فعلا. اذا سيكون توجه حزب الله الى الداخل اللبناني بفرض وجوده المطلق بقوة السلاح ومن ثمّ استثمار هذا السلاح وجعله خشبة العبور تجاه الدولة المدنية لعلمه ان الوقت لديه نافذ والمتسع ضيق جدا .
اما اذا بقي نظام الاسد " بقوة قادر" فهنا ستقع الكارثة الكبرى في سوريا نفسها وفي لبنان وبالتالي منطقة الشرق الاوسط ، باستثناء اسرائيل طبعا التي ما زالت على موقفها من نظام عائلة الاسد وهو الرضا وعدم البحث عن بديل تاركة الامور تأخذ مجراها بنفسها .ان اولى نتائج هذا البقاء على الصعيد الاقليمي هو وداع القضية الفلسطينية كلها ووداع الدولة الفلسطينية بشكل خاص لان بقاء النظام وان حصل سيكون نتيجة صفقة لاعبها الاساسي اسرائيل وروسيا ضمن الموافقة الاميركية الضمنية . هذا بالإضافة الى ازدياد نفوذ ايران بالمنطقة وستكون الشريك المحتمل لروسيا في اي محور عالمي جديد ضمن الحرب الباردة الجديدة انطلاقا من محور سوريا – العراق - ايران ، ولبنان (تحصيل حاصل ).
اما على الصعيد المحلي وفيما يخص سوريا نفسها فبعد استباب الوضع للنظام سيعمد حتما على الغاء كل ما عدّله في الدستور ويعود الحكم كما كان " القديم على قدمو" كما يقول المثل اللبناني العامي ، وسيشهد الشارع السوري عملية تطهير لا مثيل لها بين صفوف الجيش والامن والشعب اشد قساوة من الحرب نفسها .
اما بالنسبة الى لبنان فان بقاء الاسد يعني ثلاثة انتصارات :
الاول : سياسي وهذا يعطي الافضلية لحزب الله وحلفائه ويطلق يده في قلب المعادلة اللبنانية من المناصفة الى المثالثة ، وهذا انقلاب على الطائف بالوقت المناسب ودون اي رادع او مُراجِع . ايضا سنشهد بزوغ بعثين جدد وسيتكاثرون الى حد سنخال انفسنا في حضرة "الحوراني وعفلق " . ان هذا الانتصار السياسي سيوجه مباشرة الى تيار المستقبل  وسائر مكونات 14 آذار .
الثاني : وهو عسكري وسيطبق في الاحتلال الكامل للبنان من قبل الحزب والسيطرة المطلقة على الجيش والامن الداخلي وسائر الاجهزة الامنية ، وستشهد الساحة اللبنانية عمليات تخويف وترهيب اقلها الاغتيالات السياسية على غرار ما حصل للدكتور جعجع ، وسيصل لبنان الى معادلة المقاومة فقط وهي صاحبة الكلمة الفصل في السياسة والامن والاقتصاد وقرار السلم والحرب .ان بقاء نظام الاسد في سوريا يعني زوال لبنان الدولة والكيان ، وما على القوى الاخرى فيه الا حزم امرها اما بحزم امتعتها والرحيل والتفتيش عن وطن بديل واما المقاومة وهذه المرة بمقاومة مسلحة بكل معنى الكلمة حتى وان ادت الى حرب اهلية او الى تقسيم البلاد .
الثالث : وهو انتصار ديني ، اي انتصار الطائفة العلوية خاصة ومعها الشيعة عامة على السنة في سوريا ولبنان وبالتالي توجيه رسالة واضحة وقاسية الى الدول العربية وخاصة الخليجية بان هذا المذهب قادم اليكم وهو يتسع للجميع سواء بالعصا او بالجزرة وانه سيكون مصدر قوة الامة العربية كما كان ولا يزال مصدر فخر وقوة الامة الفارسية . هذا الانتصار سيؤجج الخواطر وسيوقظ كل تنظيم سني متطرف من القاعدة الى السلفية وحتى الاخوان المسلمين في الدول العربية والذين هم الآن بموقع شك من الثورة السورية ، وصولا الى "طالبان ،وبوكو حرام " كلهم سيتقاطرون الى اعلان حالة الطوارئ الدينية والمذهبية للوقوف في وجه هذه الهجمة الشرسة . اذا ان بقاء نظام الاسد سيكون كارثيا وسيجعل الشرق الاوسط بركانا وساحة حرب محتملة في كل لحظة ولكنها لن تكون اسرائيلية ابدا .
عزيزي القارئ
ان الكيل بمكيالين في التعامل مع الازمة السورية شأن خطير جدا ، ربما لن تظهر نتائجه في المدى المنظور ولكنه يؤسس لفتنة فكرية واجتماعية وسياسية ، وربما تتطور الى فتنة مسلحة اذا استحالت معها التفاهمات والحوارات وعمليات الاقناع والاقتناع .لقد حاولتُ ان الفت النظر مرارا الى خطورة هذا الموضوع ولكن العامة كما يبدو لا تعيره الاهمية ولا تعتبره ذا شان لأنه خارج اطار التداول الجدي . لذلك ارى ان تبسيط الامور يمكن ان يساعد في تسليط الضوء اكثر .
ان التساهل مع الانتهاكات السورية للحدود اللبنانية هو امر مريب ويصب في خانة الخيانة الوطنية ويدعو الى التوقف والتعمق بالأمر :
هل اطلاق النار من الجانب السوري "الاخوي" علينا نحن اللبنانيين مسموحا ويعتبر طبيعيا ، في حين ان مجرد تحليق للطيران الحربي الاسرائيلي يعتبر اعلان حرب ؟
هل انتهاك الجيش السوري لحرمة الاراضي اللبنانية في وادي خالد وفي القاع وعدة اماكن اخرى هو امر طبيعي جدا ويأتي من ضمن معاهدة الاخوة بين البلدين ، في حين ان اقامة جدار على الحدود الشمالية الاسرائيلية يعتبر عملا عدوانيا ؟
هل انتهاك ايران للسيادة اللبنانية بالتدخل المباشر بدعم وتسليح فئة ضد فئة اخرى وعلى حساب الوطن والقوى الشرعية فيه يعتبر عملا بطوليا تشكر عليه ، في حين ان تدخل مجلس الامن او الدول الغربية يعتبر عملا منافٍ للأعراف الدولية و تدخلا مباشرا بالشؤون الداخلية للبنان ؟
هل مسموحا لهم ان يدمروا نصف لبنان من اجل اطلاق المعتقلين من السجون الاسرائيلية ، ولا يتكرمون على امهات اللبنانيين المفقودين في السجون السورية بإعطائهم ولو بارقة امل صغيرة بانهم سيدرسون الامر مع السلطات السورية حتى ولو بأوقات فراغهم ؟
هل الاستعانة بالأنظمة الديكتاتورية والعقائدية امر مشروع لطرد الاستكبار العالمي الاميركي ، في حين يُسمح لهؤلاء المتنمرين بتلقي العلاج في ربوع اميركا اذا ما تعرضوا لعارض صحي ؟ او الهرب اليها في حال وقوع خطأ ما في حسابات بلدانهم مستغلين الديمقراطية الغربية التي يحاربونها ومستغلين شرعة حقوق الانسان التي غابت من قاموسهم . واني اسأل الجميع : لماذا لا يسحب هؤلاء المعادين لأميركا عائلاتهم واولادهم وارصدتهم وتجاراتهم من اميركا ووضعها  في طهران للتصدي والمقاومة ومقارعة الاستكبار ؟
لماذا لا يستبدلون الدواء الاميركي بالدواء الايراني والسوري والروسي ؟ كما استبدلوا ربطة العنق الغربية بالقبة الفارسية ؟
اخي القارئ
انا لا اعطي الحق لإسرائيل ابدا باستباحة المجال الجوي اللبناني ، ولا اعطي الحق لأي كان باستباحة الارض وانتهاك حرمة الحدود ، بل رغبت بإعطاء صورة الواقع الذي نعيشه في ظل هذه المعادلة غير المنصفة .
هذا التعامل اللامنطقي اوصل البلاد والعباد والمنطق الى ما هم عليه الآن ، ونرى صورة المستقبل واضحة بالأحداث التي نشهدها في الشمال اللبناني وآخرها استشهاد مصور تلفزيون الجديد علي شعبان على يد الجيش السوري .
اما الكيل بمكيالين داخليا فهو في منحى اخطر واشد قسوة اجتماعيا وسياسيا وتفرقة حزبية حتى دينية .ان محاولة اغتيال الدكتور سمير جعجع اظهرت مدى تواطئ بعض اصحاب السلطة وخاصة في مجلس الوزراء . اننا ندين بشدة هذه المحاولة  ولكننا ندين اكثر محاولات طمس الحقيقة وعرقلة مسار التحقيق باختلاق الحجج حول قانونية تسليم "داتا" الاتصالات . اقول لكم ايها السادة : لماذا لدينا داتا اتصالات ؟ولماذا نتعب ونجد في استيراد مثل هذه التقنية ؟ اليست لحماية السلم الاهلي في لبنان ؟ ام انها رهن فئة من الناس دون اخرى ؟ واقول بكل صراحة ، لو ان المستهدف من 8 آذار ،فهل تأخذ داتا الاتصالات وقتا لتصل الى آخر شاويش في التحقيق ؟ ان اظهار الحقيقة امام الرأي العام اللبناني صعب في هذا الوطن المعقد  والذي اصبحت فيه الحقيقة مسيسة ومجزأة .
اما في ملف التعامل مع اسرائيل الذي اضحى اضحوكة اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم ، فلا اريد الغوص اكثر بل اناشد كل عملاء اسرائيل في لبنان ان يلتحقوا الآن بالتيار العوني – ولا اريد ان اقول التيار الوطني الحر  لأنه فعلا فقد شرعيته الوطنية ، واصبح حرا في الولاء والتبعية – ليلتحقوا الآن قبل الغد ليضمنوا محاكمة سريعة وسهلة ، وخروجا مشرفا من السجن في حال وقعوا في شرك الدولة ، وانا على يقين بأنهم ربما سيصلون الى الندوة النيابية اذا كانوا على تعامل رفيع المستوى مع اسرائيل .
اما ملف تسليم السوريين النازحين الى السلطات السورية ، فأقل ما يمكن عمله هو احالة المسؤولين على القضاء المختص ، لأن من يسلم لاجئا هاربا من النظام السوري ، كأنه اشترك في عملية اعدامه ، ومن يروج للنظام ويسهر على بقائه كمن يسهل عملية اعدام الشعب بكامله وعلى الشعب السوري الكريم ان يقول كلمته بهم لاحقا .
اخي القارئ
ازاء هذه المعطيات وهذه التقلبات فان بقاء الوطن يبقى رهن قياداته وخياراتهم ورهن ضميرهم ومسؤوليتهم التاريخية . فإما ان يبادروا الى تحصين الساحة الداخلية فعلا لا قولا لمنع امتداد نتائج الثورة السورية الى لبنان ، وذلك بإعلان مشترك باسم الجميع بان لبنان وطن نهائي لكل ابنائه وهو يتسع للجميع على حد سواء ضمن اللعبة الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان ، واما ان يعدّوا العدة لأزمة حقيقية تفوق الحرب الأهلية تأكل "الطائف "، وتعيد التماس محليا واقليميا .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق