السبت، 7 أبريل 2012

القمة العربية "نقمة ام نعمة "

ومرة اخرى يفشل القادة العرب في اتخاذ موقف موحد تجاه القضية السورية ، ومرة اخرى يفشل القادة العرب في الظهور بمظهر القادة المسؤولين تجاه شعوبهم . ومرة اخرى تذكرنا القمم العربية الحالية بتلك التي كانت تعقد بعد كل نكسة وكل هزيمة ، تلك القمم ولآتها المشهورة تتكرر اليوم بآهاتها :
آه من التضامن العربي                                                                   
آه من الشعب العربي
آه من المجتمع الدولي
اخي القارئ
آه من التضامن العربي الذي اصبح تضامنا استنسابيا وفق مصلحة كل دولة ، بل وفق مصلحة الطوائف وفي بعض الاحيان مصلحة القبائل ، ولعل هذا التضامن كان السبب الرئيسي في تداعي قوة الوحدة العربية ، من حيث استعماله في ضرب  بعض الدول ، وفي ابعاد اخرى ، وفي دعم ما تبقى اذا بقي ما يلزم .
ان التضامن العربي الحقيقي يجب الاّ يتوقف على الدعم المعنوي او المادي كما جرت العادة ، بل يجب ان يتخطى كل هذه القرارات التي اصبحت شكليات معروفة محليا ودوليا ليقفز الى نوعية التضامن الفكري والحضاري بترجمة استراتيجية ضمن خطط مدروسة جيدا، لتصبح تضامنا في فهم العقول العربية وفهم الجماهير في تطلعاتها وابراز ثقافة التنوع الاجتماعي وثقافة الديمقراطية وتداور السلطات .هذا هو التضامن المطلوب الذي يهيئ لأرضية صالحة للحرية والمساواة وحقوق الانسان والاتجاه لأنهاء دور الانظمة العقائدية ذات الراس الواحد بطرق سلمية لا ترتكز على الثورات ولا الحروب ولا الاستعانة بالخارج . للأسف ان التضامن العربي حاليا اصبح داء الوطن العربي كله ، ونراه في القمم كأنشودة الوقوف على الاطلال في استذكار قادة وترحم على انظمة والخوف من الآتي :
قفا نبكي من ذكرى حبيب ومــــنزلِ       ما بين القاهرة وصنعاء حتى الموصلِ
ذرفنا الدمع على القدس واليوم على        انظمة هـوت واخـرى بالدور سترحـلِ

الم يحن الوقت لتغيير ما بأنماط القمم العربية ؟
الم يحن الوقت لوضع مبادئ واسس تقوم عليها القمة علّها تحاكي التطور الفكري والحضاري للشباب العربي ؟
الم يحن الوقت لجعل الجامعة العربية مؤسسة لها قانونها وشروطها ؟
لا اتكلم عن مدينة فاضلة ولا عن ملائكة معصومين ، بل اتكلم بكل بساطة ووضوح: لما لا نجعل بعض الشروط في القمة كما ولو كانت دستورا او قانونا يُطبق في كل بلد منتمي الى الجامعة؟ اي بمعنى آخر لتضع الجامعة العربية شروط انتساب عصرية :
احترام اختيار الشعوب لأنظمة حكمها بالطرق الديمقراطية
لا وجود لأنظمة عقائدية ديكتاتورية في الجامعة العربية
لا وجود لأنظمة وراثية او وليدة الانقلابات العسكرية او ممدد لها تحت اية ظروف
السير بالأنظمة الملكية والاميرية باتجاه النظام الملكي الديمقراطي ضمن استفتاءات تُنظم تحت اشراف الجامعة العربية وبحضور مراقبين امميين .
تعدل القوانين المعمول بها بالدول الاعضاء لتتلاءم مع شروط الجامعة
يشكل مجلس جامعة عربية على مستوى قادة ورؤساء سابقين ممن نقلوا السلطة سلميا او ممن انتهت مدة ولايتهم بالطرق القانونية والدستورية ، ويتمتع هذا المجلس بصفة مراقب عام للقمم العربية واعطائه صلاحيات يقرها القادة العرب.
عزيزي القارئ
هذه بعض النماذج التي يمكننا البناء عليها بعد دراستها وتنقيحها بالطبع مع اهل الخبرة والعلم والقانون ، وما جئت بهذه الافكار البسيطة الا من باب الحث على التغيير ووضع اللمسة عليها ، علّها تسلك الطريق وتصل الى القاهرة .
اننا لا نقل شأنا ابدا عن اوروبا ولا عن انظمة ديمقراطية في العالم ، بل تنقصنا الجرأة لاتخاذ القرارات الشجاعة ،بل تنقصنا بحق جرأة احد القادة او اكثر وذلك للإعلان على الملأ عن نية الجامعة العربية ان تسير في معادلة الديمقراطية والحرية وكرامة الانسان العربي والسهر على حقوقه وتطلعاته وطموحاته .
ان الفيتو الروسي في مجلس الامن الدولي ضد قرار اممي يدين العنف في سوريا هو اذلال للعرب وقادتهم بالقدر الذي اراد منه الروس تذكير الاميركيين بانهم اي الروس لا يزالون قوة عظمى ، وانهم قادرون على اتخاذ قرارات من شأنها ان تضع حدا للسيطرة الغربية على مجلس الامن حسب الرأي الروسي .ولكن الاهم من ذلك ان هذا الفيتو جاء ردا على محاولات القادة العرب وقف حمام الدم في بلاد الشام وايجاد الطريقة المناسبة لأنهاء حكم الاسد ، وقد جاء أيضا ضد الاجماع الشعبي العربي وضد تطلعات شعوب المنطقة باختتام الربيع العربي بإنهاء آخر معقل عقائدي وحكم ديكتاتوري وراثي .ان روسيا اذلّت العرب كلهم قبل ان تضرب بعرض الحائط مصالح الشعب السوري وتطلعاته نحو الديمقراطية والحرية ، وان نجاحها في ذلك جاء نتيجة السكوت الاميركي للدلالة على الرضا من هذا الموقف لأن سوريا ونظامها لا يمثلان الآن اي بعد استراتيجي او قومي لأميركا ولا اي بعد اقتصادي لها او للأوروبيين كما كان الوضع في العراق او ليبيا او اليمن .من هنا رأينا ان الفيتو الروسي "والصيني تحصيل حاصل " لم يجابه بهجمة اميركية شرسة لأبطاله او لثني روسيا على تغييره ، وذلك نزولا عند الرغبة الاسرائيلية بإبطاء عملية الضغط على النظام حتى تنجلي صورة البديل المحتمل له، وبعد اجراء بعض الحسابات حول ايجابيات بقاء النظام الحالي بالمحافظة على هدوء الجبهة الشمالية مع بعض التحفظات عليه بسبب دعمه لحزب الله في لبنان .
ازاء هذه المواقف كان لا بد للقادة العرب من اتخاذ موقف صارم وحاد تجاه روسيا ،وان رد الملك السعودي على الرئيس الروسي ومطالبته بالتحدث مع العرب قبل الفيتو وليس بعده لم يكن كافيا ، بل كان يجب قطع العلاقات الديبلوماسية ووضع روسيا في مواجهة العرب وجها لوجه ، اما القبول بما يراه العرب ومجمعون عليه واما القطيعة الشاملة والكاملة . واني اتساءل : ماذا يخسر العرب من قطع العلاقات مع روسيا ؟ أسيخسرون الاستثمارات الروسية في البلدان العربية ؟ ام شريكا تجاريا مهما ؟ ام ،،ام ،،
ان الوضع الحالي شبيه جدا بالوضع الذي ساد ابّان حرب 1973 حين قرر الملك فيصل " رحمه الله " قطع امدادات النفط عن الغرب وخاصة اميركا نتيجة موقفها الداعم لإسرائيل . فلماذا لا يتخذ القادة العرب موقفا مشابها بموقف السعودية السالف الذكر ووقف كل اتصال مع روسيا حتى تغيّر موقفها؟
اما بالنسبة الى لبنان وسياسة النأي بالنفس ، هذه البدعة المضحكة والتي تدعو الى السخرية اكثر منها الى التعجب ، هذا النأي بالنفس الذي يفرضه الفريق الحاكم في لبنان " حزب الله واعوانه" على فريق 14 آذار وعلى كل مناوئ للنظام السوري ، في حين يُسمح لفريق 8 آذار بل يُطلب منه ابداء التأييد والتطبيل لصالح النظام السوري . ان كل ملاحظة او كل موقف يصدر عن قوى 14 آذار يعتبر تدخلا في الشؤون السورية وخروجا عن سياسة النأي بالنفس ، بينما المواقف الاخرى المؤيدة لسوريا توضع في خانة المصالح القومية العليا للبنان وبالتالي لكلا البلدين حتى ولو جاءت من اسرائيل.
نعم ، وبين الفينة والاخرى يُتحفنا بعض الساسة اللبنانيين بمواقف اقلّ ما يقال فيها " لله العجب "وآخرها تلك التي علت مؤخرا معلنة انتهاء المؤامرة على سوريا وان معركة تدميرها قد انتهت وان سوريا في طريق العودة الى مسارها القومي في قيادة الصمود والتصدي والعودة للممارسة دورها الريادي للأمة العربية .
اخي القاريء
لا بد من سؤال بكل بساطة: ما هو الدور الذي لعبه النظام السوري على مدى خمسة عقود من الزمن ؟ وما هو الفارق الذي احدثه هذا النظام على الصعيد الاقليمي والدولي ؟
اولا : لقد جاء النظام السوري بعد هزيمة 1967 مدعيا بانه الوحيد الذي يمكنه اعادة الكرامة العربية ومحو آثار العدوان .
ثانيا :حرب 1973 " حرب تشرين المجيدة " كما يدعي النظام ، ولولا العناية الاهية والتدخل السوفياتي لدى واشنطن لدخلت القوات الاسرائيلية دمشق .
ثالثا :دخلت القوات السورية الى لبنان تحت غطاء المساعدة وما لبثت ان انقلبت الى قوة احتلال ووضعت لبنان تحت الحكم العسكري المباشر من غازي كنعان والكنعانيين الى رستم غزالي والغزاليين حتى انهاء هذا الاحتلال وخروجه مرغما تحت الضغط الدولي وعلى دم الرئيس الحريري عام 2005 .
رابعا :اجتاحت اسرائيل لبنان عام 1982 ودخلت العاصمة بيروت لتكون بذلك اول عاصمة عربية يدخلها الجيش الاسرائيلي . ماذا فعلت القوات السورية لصد هذا الهجوم ؟ لا اريد اجابة من احد ولا يتكبدنّ احد الغوص لفبركة معارك ومقاومة وانتصارات ، فقد اشتركتُ شخصيا في هذا الهجوم وخاصة على محور وادي التيم ولا اريد العودة الى سرد الاحداث وما شاهدتُ بأم العين ، ولولا تدخل الحبيب "فيليب حبيب " لوصلت القوات الى مشارف دمشق من باب "المصنع " اي الجبهة الغربية . بعد ذلك طُرِدتْ منظمة التحرير من بيرت الغربية وخرج السيد ياسر عرفات ورجاله منها على مرأى من عيون الجيش السوري الذي سرعان ما اكمل المهمة الاسرائيلية واجهز على عرفات والمنظمة بطردهم ثانية من طرابلس في شمالي لبنان الى تونس .
خامسا :لقد دعم النظام السوري حزب الله في لبنان تحت شعار دعم المقاومة على حساب الجيش اللبناني الشرعي ومن ثمّ دعم الحزب بعد عام 2000 على حساب الدولة ومؤسساتها ، والهدف هو السيطرة على لبنان وترسيخ النفوذ السوري الايراني المشترك على هذا البلد ولجعله ساحة حرب "غب الطلب" للضغط على اسرائيل ولابتزاز اميركا . فاين هو الدور السوري الحامي للبنان ؟ .
اخي القارئ
 عدة مواقف للنظام السوري طبعت سياسته العامة في الشرق الاوسط  :
أ – لقد حافظ على هدوء الجبهة الشمالية لإسرائيل بشكل اذهل الإسرائيليين انفسهم
ب- احتل لبنان لثلاثة عقود كاملة، باستعمار جديد تحت اسم "الوصاية "
ت-اجهز عسكريا وبشكل كامل على منظمة التحرير الفلسطينية واخرجها من نطاق الجغرافيا الاسرائيلية .
ج – عمل ولا زال يعمل على تثبيت انقسام البيت الفلسطيني.
ح- عمل جاهدا على زعزعة الاستقرار العربي الشامل ولا سيما بعد اتفاقات كامب  ديفيد تحت شعار الصمود والتصدي .
د- قمع الحريات في الداخل والضرب بيد من حديد على كل محاولة للتطلع الى الحرية والديمقراطية ( أحداث حماه عام 1982 والاحداث الجارية الآن ) .
موقف واحد فقط يمكن ان نقول فيه انه من ضمن التضامن العربي والغيرة على المصلحة العربية وهو وقوف النظام السوري الى جانب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي ( وبالطبع كان لبنان الثمن ).
اخي القارئ
منذ عام 1970 وحتى الآن لم يستطع النظام السوري استرجاع شبر واحد من هضبة الجولان لا في الحرب ولا في السلم. فلماذا الاصرار على بقائه ؟ الم يأخذ وقته كاملا في الحكم وادارة البلاد والعباد ؟ الم تكفيه اربعون سنة للاستعداد للمعركة المصيرية ضد العدو ؟ لماذا لا نترك المجال لنظام آخر يختاره الشعب السوري بحرية ؟
نعم ، آن الاوان للساسة اللبنانيين ان يُهدئوا السنتهم قليلا ويريحوا مسامع الشعب اللبناني من هذه النغمة التي اكلها الصدأ ولم تعد تُقنع الا ذوي العقول الصغيرة .وآن الاوان لأتباع النظام السوري في لبنان ان يدركوا بأن الانظمة العقائدية والديكتاتورية آيلة للزوال لا محالة .

                                

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق