الخميس، 8 مارس 2012

حقيقة بلا تاريخ

التاريخ ، ذاكرة الشعوب ومرآة الامم ، حكمة الماضي وصلابة الحاضر وامل المستقبل . التاريخ ، صفحات من مواقف ومواقف غيرت صفحات ، التاريخ تحقيق وتدقيق وتوثيق ، انه سيرة ابطال وشجاعة رجال . التاريخ حماية الحقيقة واعتراف بالخطأ ، انه مدرسة الاجيال ومؤسس الآمال ، فالتاريخ وطن لمن اضاع وطنا ، ولا وطن لمن اضاع التاريخ .
ما من شك ابدا بان التاريخ الحقيقي والشفاف يقف من ورائه مؤرخ صادق وموثق حكيم يعرف الحق من الباطل ويميز الصدق من الكذب ، والاستقامة من الخداع، ولنا نعم المؤرخين في هذا المجال برعوا في كتابة تاريخ مشرّف لهذا الوطن الصغير الذي ملأ التاريخ بل ان التاريخ قد فاض من أحداثه ووقائعه . نعم لقد منّ الله علينا بسبعة عشرة طائفة و بسبعة عشرة تاريخا ، فكل واحد منهم مميزا وله نكهته الخاصة له رجاله وله اخصامه ، له كتبه ومدارسه ، له مؤرخوه وله قراؤه .
عزيزي القاريء
كلنا قبلنا بالتاريخ وكلنا درسْناه ودرّسْناه في مدارسنا وفي كلياتنا وجامعاتنا ، وكنا ولم نزل على توافق تام بان هذا التاريخ هو تاريخ لبنان، هو تاريخنا بكل ما تخلله من ثغرات ومن تحفظات هنا وهناك ، ولنا الفخر كل الفخر بهذا التاريخ على مختلف طوائفنا ومذاهبنا، فيه عرفنا الصديق من العدو ، والغريب من القريب ،منه استقينا الاندفاع نحو المستقبل واليه نعود لنأخذ العبر والحكم ، ولكننا الآن لا نرضى ابدا بأية تحويلات في مساره ولم نقبل بمزايدة احد على الآخر طائفة كانت ام مذهبا ام جماعة او اشخاصا . واذا كان احدهم اليوم في موقع القوة والسيطرة فهذا لا يعني انه يمكنه تغيير التاريخ الى ما يريد ويرغب ، ولا يمكنه ان ينسُب اليه ما يريده وينكر على الغير ما كان حقا له . ان تربية الاجيال الصاعدة هي مسؤولية الجميع وليست حكرا على حزب او جماعة وليس ما يراه (الحاكم بأمر الواقع) هو بالضرورة صحيحا ويمكن فرضه وان ادخال " المقاومة " في كتب التاريخ واستفرادها وحدها في هذا الباب لهو ضرب من التعسف والعنصرية والمذهبية والغاء الآخر. لا يمكن ذكر مقاومة ونكران اخرى ولا يمكن ذكر رجال دافعوا عن لبنان خاصتهم دون ذكر من سبقهم في الدفاع عن لبنان خاصتهم ايضا ولا يمكن توثيق مرحلة من عمر الوطن ونسيان اخرى ، فالتاريخ كامل وشامل ولا مجال للتجزئة فيه .
لن اعود الى الوراء كثيرا ، وسأبدأ من اتفاق القاهرة المشؤوم عام 1969 تاريخ بدء المقاومة اللبنانية الجنوبية الاولى ضد الوجود الفلسطيني المسلح هذه المقاومة التي انطلقت قبل اية مقاومة اخرى على الارض اللبنانية. نعم لقد كنا السباقين نحن الجنوبيون وكنا الاوائل في انتهاج نهج المقاومة المدنية السلمية اولا ثم المسلحة ثانيا بعد فشل الدولة في تحمل مسؤولياتها والدفاع عن ابنائها وحمايتهم ، ومن ثم جاءت مقاومة الامام المغيب موسى الصدر بوجه الفقر والذل والحرمان والسيطرة والتهميج فكانت حركة المحرومين ثورة في وجه الطغيان والاستبداد (الحكومي والفلسطيني على حد سواء ) .نعم صديقي القارئ ، كنا في الجنوب الاوائل وطلائع المقاومة الحقيقية التي اضاءت شموع المقاومات من بعدنا على كامل الاراضي اللبنانية . لقد كنا الشرارة الاولى والناقوس الاول الذي ايقظ اللبنانيين على واقعهم الحقيقي وبث فيهم روح الانتفاضة والمقاومة ضد من كان يريد ابتلاع الوطن وازالته .من ثورة علاقة في صور الى ثورة طانيوس شاهين في الشمال الى دولة فخر الدين وثورته على الحكم العثماني ، الى انطلياس وعاميتها ، الى بشامون وراشيا الوادي ، الى الاستقلال ، الى ثورة عام 1958، الى الحرب اللبنانية الفلسطينية ، الى الحرب الأهلية اللبنانية ، الى المقاومة الاسلامية ضد اسرائيل الى ثورة الأرز ضد الاحتلال السوري للبنان ، الى والى ... كلها تاريخ من تاريخ هذا الوطن وإلغاءها هو الغاء للوطن .
ان مسؤولية كتابة التاريخ "كتاب التاريخ " لا تقع على عاتق الحكومة اللبنانية او المجلس النيابي او وزارة التربية فقط ، بل تقع على عاتق كل مفكر وكل مؤرخ ومثقف محب للحقيقة  ومخلص لإنجاح مسيرة السلم الاهلي والتقدم والازدهار والبعد عن النزعة الطائفية والمذهبية ، فان اية كتابة غير منطقية وغير واقعية لتاريخ لبنان ،ما هي الا سببا مبيتا وشرارة مستترة غب الطلب للإشعال نار فتنة جديدة في هذا الاتون الجاهز .
اخي القاريء
لا الرابع عشر من آذار ولا الثامن من آذار ، ولا حزب ولا طائفة ولا اي تجمع سياسي او مذهبي له الحق في كتابة تاريخ مفصل على قياسه او على أيديولوجيته او على مبادئه وتطلعاته ، بل الحق لنا ، نحن اللبنانيون في قراءة تاريخ صادق حقيقي وشفاف بعيد كل البعد عن التحريف والتزييف . لذلك اتوجه باسم الكثير من اللبنانيين وخاصة الطلاب وجمعيات المجتمع المدني ، اتوجه بكل امل ورجاء الى كل من يعنيه الامر وخاصة الاساتذة الكبار " الدكتور خليفة ، والدكتور حكيّم ، والدكتور سنّو ، والدكتور حسن ، هؤلاء الذين اؤتمنوا على اغلى ما يجب ان يُحتفظ به ويحفظه ويعلمه وينقله كل لبناني الى الاجيال اللاحقة "التاريخ " ، اتوجه الى كل من له صلة او علاقة او تواصل في كتابة تاريخ لبنان ، اتوجه اليهم بكل احترام واقول :نريد منكم الحقيقية ، والحقيقة فقط ، نريد تاريخا اصيلا نريد الوقائع كما وقعت ، والاحداث كما حدثت ، نريد سرد الاسباب والنتائج كما كانت وكما اتت ، نريد الاحاطة بكل جوانب الحدث مهما كانت ذيوله ومهما ترتب عنه ، نريد الحدث كما هو مهما كثر المعجبون به او المنتقدون له نريد هذا التاريخ ليكون الذاكرة الجيدة التي نعتز بها ، نأخذ منها الجيد ونفخر به ، وندرس السيئ لنبتعد عنه ونتجنبه . نريد ان يقرأ اولادنا تاريخا منقطا ومنونا ومدونا لا يستثني احدا ولا يتجاهل احدا ولا يحط من قدر هذا ويرفع من قدر ذاك ،ولا يميز فردا ولا جماعة ولا حزبا ولا طائفة على حساب بعضها البعض . ان التاريخ يتسع للجميع ، لمن له الحق في دخوله ولمن كان له العلامة الفارقة في صنع القرار الايجابي والمهم ، ولمن كان له الفضل في التغيير الى الافضل ، كما ان التاريخ يتسع لمن عارض وسلك دربا مغايرا واقتنع بما كان يراه صحيحا فالأحداث لا تحدث الا اذا توفر لها طرفان على الاقل ، والتاريخ لا يُكتب باتجاه واحد ابدا ،نريد المشاركة من الجميع ولا نريد تاريخا الا للجميع .
واذا تعذر ....
واذا اصبح كل طرف يريد الاضاءات الملائمة له ، واذا اصبح كل طرف يريد اضافة ما يراه مناسبا له ، واذا اصبح الطرف القوي يريد الغاء الطرف الآخر بحكم السلطة الحاكمة ، واذا اصبح التاريخ يُطبع بطابع من يريد طبعه ، ارى ان نقف لحظة ونقرر الأقل سوءا ، والأقل كلفة وطنية ونقول : لا نريد كتاب تاريخ ولتذهب الحروف الى الجحيم ،نحن من صنع هذا التاريخ ولا نريد كتابته ، نحن تربينا على ذلك منذ القدم ، نحن من اخترع الابجدية وغيرنا حصد جائزة "نوبل" ، نحن من علّم الطب وغيرنا يداوينا ، فلماذا لا نترك الامور تسير على عادتها ، ربما عزيزي القاريء اذا كتب تاريخنا اجنبي وترجمناه نكون قد رضينا بما كتب هذا "الفيلسوف عن حمقنا " نقبل به ونرضى كما نحن عليه الآن راضون بكل ما يأتي من الخارج . نعم نقول هذا هو تاريخنا وانتبهوا نحن لم نكتبه فاذا عارضه معارض سيعارض من في الخارج واذا ايده مقتنع سيكون ايد من في الخارج ربما نكون في هذه الحالة قد تجنبنا حدثا او احداثا مؤلمة وهذه المرة من الداخل.
اخي القاريء
كما كنا نقول ايام الحرب عندما نريد الهرب من شيء ما نقول: هناك طابورا خامسا يلعب لعبته وبالتالي لعبنا كلنا تلك اللعبة . لنقول الآن ان هناك طابورا خامسا قد كتب التاريخ ولنلعب نفس اللعبة ونقبل به ونتبناه ، ولنجعل هذه الكوكبة من المؤرخين " طابورا خامسا" واقصد هنا طابورا جيدا وللصالح العام ، ونقبل ما سيكتبونه من تاريخ للتاريخ وبما اخرجوه من ذاكرة ضميرهم ووجدانهم وذمتهم وصدقهم واخلاقهم .
والا .....
لندع كل طائفة تكتب تاريخها كيفما تريد وكيفما ترتأي وتدرّسه لأبنائها بمدارسها الخاصة كما هو الحال الآن وليكون كتاب التاريخ اللبناني ،( تاريخ الطوائف اللبنانية )، ولنترك حرية اختيار اكثر من تاريخ للطالب نفسه  ، ولنترك طلابنا يفتشون عن الحقيقة بين كتب فاضت بما جادت علينا طوائفنا الكريمة .
اذا سُئل احد التلاميذ : ما هي اسباب الحرب اللبنانية ؟ اشرح وناقش .
ماذا سيكتب هذا الطالب ؟ اليس من البديهي ان يتوجه توجها طائفيا ؟ سيكتب ما تعلمه عن طائفته وعن مواقفها وعن معاركها وعن بطولاتها ، سيكتب عما سمعه من الواعظ او النائب او الوزير الممثل لطائفته ، سيكتب الماروني عن السني وسيكتب الشيعي عن المسيحي والدرزي عن الارمني وسيحمل المسؤولية للآخرين وهكذا يدور الكل في دوامة التهمة والتهمة المضادة ، والسؤال الاهم : اذا كتب الطالب كتابة موضوعية وحقيقية ولكن الجواب لم يلائم الاستاذ المصحح ولم يأت على هواه السياسي او الطائفي ، فعلى اية علامة سيحصل هذا الطالب ؟
ان من قام بصنع الاحداث السابقة وشارك فيها ولم يكن مباليا بنتائجها وغير خائف منها او من تداعياتها ، فلماذا يخاف الآن مما صنعت يداه ؟ أيخاف من لعنة التاريخ ؟ ام يخاف من كشف الحقيقة ؟
ان التاريخ لم ولن يغير شيئا في الحقيقة بل هو يوثقها ويثبتها لينقلها لأجيال لاحقة ، هذا التاريخ سواء كان مكتوبا او غير مكتوب لن يغير شيئا فالمواطن الصالح سيبقى صالحا ولو كُتب عنه انه عكس ذلك والسيئ سيبقى سيئا وغير مخلصا مهما حاول من كتابة تاريخ ولو بأحرف من ذهب . ان الحقيقة تبقى بتاريخ او بدون تاريخ ، ولكن لا تاريخ يبقى بدون حقيقة .

هناك تعليقان (2):

  1. ايها الكاتب المحترم !اريد اْن اْقول لك انك
    لبنانيا" اْصيلا"وانسانا" واقعيا" ووطنيا" بكل ما تعني هذه الكلمة.فتشويه التاريخ اللبناني بداْ منذ دخول الفلسطينيين الى لبنان والبدء في القيام بعمليات ضد اسرائيل من الحدود اللبنانية مما ادى الى ضعضعة الوضع الامني والاستقرار الحياتي لاهل الجنوب على جميع طوائفهم.وصدقت عندما قلت باْن المقاومين الاوائل هم اللذين قاموا ضد هذة الفئة الغريبة من لبنان والتى انكرت الجميل واصبحت عالة وهم وعبء على جميع اللبنانيين بما فيهم اهل الجنوب.قام جيش لبنان الحر بقيادة الر ائد سعد حداد بموجب مرسوم رآسي وهدفه دحر الفلسطينيين من الجنوب وحماية اهل الجنوب.واصبح بعدها هذا المبعوث يعتبر خائنا" على يد من ارسله وذلك لطمس الحقيقة والتي تبناها المسيحيون والشيعة الجنوبيون على حد سواء.ان ما يسمى بالمقاومة واني اوافقك انها قامت وبداْت على يد موسى الصدر وبايتها ضد العائلات الاقطاعية الشيعية اللبنانة كعائلة الاسعد وعبداللة وعيسران وغيرها التي احتكرت كل شيء على المستوى الطائفي الشيعي حيث لم يكن وجود او احترام لعامة الشعب من حيث التمثيل السياسي والاجتماعي والفكري والاقتصادي. غالبية الشيعه كانوا مهمشين من قبل الزعماء والعئلات الاقطاعية من جهة ومهمشون اكثر من قبل الدولة اللبنانية وكان الجنوب بمثابة افريقيا السوداء



    ولم يعتبرها النظام اللبناني جزاْ" منه.ومع قيام جيش لبنان الجنوبي وهو اْيضا" بموجب مرسوم رآسي بقيادة الجنرال لحد وشمل هذا الجيش قرابة ال65%منه من الاْخوان الشيعةوكان هدفهم حماية الجنوب واهل الجنوب وهدفهم الاْسمى اْن يعيشوا بسلام واستقرار فكري واقتصادي الشيء الذي حرموا منه على مر الاجيال ان كان ذلك من قبل الشيعة انفسهم "العائلات القطاعية

    والزعماء "او على يد الحكم المركزي في بيروت.

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا لك صديقي القاريء واتمنى على الشعب اللبناني ان يعي تلك الفترة ويعطيها حقها من الاعتبار على انها جزءا من تاريخ هذا الوطن تخص فئة كبيرة من المواطنين لطالما كانت مهملة على مر سنوات طوال، وليعلم الشعب اللبناني باسره باننا كنا ننفذ رغبة الدولةالشرعية وان الرائد سعد حداد كان قد اُرسل بموجب امر عسكري من قيادة الجيش اللبناني .

      حذف