الخميس، 1 ديسمبر 2011

فالج لا تعالج

منذ فجر الاستقلال الاول ، ومنذ نشوء الجمهورية الاولى وعلى مدى سنوات طوال، كان الاصلاح والحرب على الفساد الشغل الشاغل لرؤساء الحكومات والوزراء والنواب الذين كانوا يصبون جام غضبهم على هذا الفساد في البيانات الوزارية المتعاقبة حتى ان بعضها جاء نسخة طبق الاصل  عما سبقه ، وكان المواطن اللبناني يأمل منذ الفجر الاول في معالجة هذه الآفة الآخذة في التضخم حتى طالت كل مفاصل الحياة في لبنان وتنوعت لتشمل كافة المرافق العامة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والاعلامية والتربوية وكل شيء يطرأ على بال القارئ .
ان تعريف الفساد تنوع بتنوع المُعرّف ، وعندنا نحن الشرقيون نتبارى ونتنافس في تعريف الفساد واسبابه حتى اتفق الجميع على ان الفساد هو نتيجة حاصلة من كل حكم سابق ومن كل مسؤول مر في هذا الحكم البائس ، وهكذا نرى ان الفساد يُطرح عقب كل تغيير حكومي او نيابي او نقابي او مؤسساتي اكان عاما ام خاصا ، ونرى ان لا تداول في الفساد الحاضر اثناء الحكم لأن الحكام مشغولون في معالجة الفساد السابق وهم في طور تصليح الامور وترميمها .
ايها القارىء الكريم
اتفق الجميع على ان كلمة الفساد تعني قبل كل شيء السرقة ، والسرقة تعني المال ، فاذا الفساد يُختصر تحت عنوان "الفساد المالي" . كل من يتحدث عن الفساد يتطلع مباشرة الى الايداعات والصناديق الاستثمارية والسحوبات والسلفات والصفقات مع العلم ان الفساد في لبنان هو فلكلور حكومي رسمي وشعبي ومن صلب الثقافة العامة اللبنانية ، فلا حياة لحكومة او مؤسسة دون فساد ولا مجال لتولي المسؤولية دون الاخذ بحساب الحصة وقيمتها مقابل التعب والقبول بهذه المسؤولية واصبح البعض من المسؤولين واجهة فساد لمسؤولين اكبر وللأسف كل هذا بعلم المواطن اللبناني ورضاه وموافقته . ان ابسط الأدلة والبراهين على ذلك هو استعداد المواطن وبكل طيبة خاطر لدفع الرشوة وحسب التسعيرة المتبعة ودون مفاصلة او مكاسرة لإنجاز معاملة حكومية او الحصول على اية وثيقة شخصية تربوية او عقارية وهو على علم بان هذا هو الفساد بعينه ، ليس فساد المسؤول فقط بل فساد المواطن الذي ساهم في تعميم واستمرار الفساد بشكل عام .
ان اصلاح الفساد المالي في لبنان هو من سابع المستحيلات ان لم نقل من المستحيل المطلق ، لأن هذا الفساد هو من صلب التربية المدنية عندنا وهو مكافأة على حمل الاعباء الجماهيرية وحل مشاكل المجتمع المدني والأهلي اي اننا نرى وبكل اسف هذا الفساد في كل مكان حتى داخل البيت بين الأخ واخيه والأب والأبن وصولا الى الاوقاف والمقدسات . نعم لقد تعودنا عليه وها نحن نتعايش معه ولا احد يصرخ ولا يشتم ولا يستنكر ولا يبالي، بل كل واحد ينتظر دوره وينتظر فرصته ليأخذ نصيبه بواسع الدبار والحيلة او اجرا لقاء تمرير الفساد وحفظه وتلقينه للأجيال القادمة . اذا لننسى موضوع الفساد المالي ولنتجه الى فساد آخر اشد خطورة واكثر تقويضا للوطن وللمجتمع ، هذا الفساد العظيم المتعدد الأوجه الذي يعصف بالوطن دون ضجة ودون رحمة ، فلنلق الضوء عليه ولندق ناقوس الخطر منه ولنذكر فارابي لبنان بوجوده .
ان الاعلام في لبنان يتمتع بهامش حرية لا بأس فيه مقارنة بالإعلام المحيط بنا ، وبناء على هذه الحرية وبناء على ما ضمنه الدستور اللبناني من حرية التعبير والكلمة وحرية الرأي والمعتقد ، نرى نتيجة لذلك عددا لا بأس فيه من المحطات الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة كل منها يشد على يد مؤسسه ومموله وحاميه ويأخذ الغطاء السياسي الملائم لهؤلاء الداعمين ضاربين بعرض الحائط اصول وحدود الديمقراطية التي اتاحت لهم اصلا حرية امتلاك هذه الابواق ومتبعين طريقة الذم والشتم واباحة الممنوعات والأكاذيب، غير عابئين بمسامع الجمهور ولا باحترام الراي والرأي المضاد ومعلنين الحرب على كل من لا يأخذ برأيهم ويسلك طريقهم ،هذا الأعلام الموجه والمحرض الذي عاث فسادا بعقول الناس تربويا وسياسيا واجتماعيا ودينيا، هذه الحناجر التي اعتادت على الكذب والنفاق وهذه الأقلام التي جيرت ذكاءها وعلمها ودرايتها لصالح الولاء السياسي لا للحقيقة ولا لنقل الصورة كما هي ولا لمصداقية العلم والخبر ، ، أوا ليس هذا فسادا ايها الفارابي؟
اخي المواطن الكريم
لا بد من الاعتراف بان النظام الانتخابي في لبنان هو نظام فريد من نوعه من حيث المساواة والشفافية وصحة التمثيل ، وهو فريد من نوعه ايضا من آليات التنفيذ والتطبيق ، وهو فريد من حيث التوقعات التي غالبا ما تأتي متطابقة ، الأمر الذي اعجب وابهر المراقبين والمتتبعين للسياسة الداخلية اللبنانية . ان هذا ليس بشرف نفتخر فيه ولا بعزة نترفع بها ولا بميزة تميزنا عن بقية الأمم المتحضرة ، بل هذا هو وصمة عار على جبين كل نائب اولا قبْل ان يكون على جبين المواطن ، لأن هذا النائب الكريم الشهم يعرف حق المعرفة كيف وصل الى الحلبة النيابية ، وكيف وصل فعلا الى تمثيل مزيف للشعب بأصوات طائفية ومذهبية لا تمت بصلة الى طائفته او مذهبه او منطقته. كيف يُعقل ان نرى نائبا يفوز ولا يمثل منطقته وآخر يفوز عن منطقة لا يسكنها وليس من مواليدها ولا تربى فيها ولا يعرف احدا منها ، ومحادل هنا وجرارات هناك ، ولوائح محافظات هنا واقضية  اخرى هناك ، وكل يفصل على مقاسه ، اوا ليس هذا فسادا ايضا ايها الفارابي؟
ان ابسط حقوق المواطن المسكين ان يعرف الحقيقة ولو حتى جزءا منها عن كل من يريد التنافس على الحلبة السياسية او النقابية او تولي مسؤوليات في الدولة او من يمثل مجموعة او ينوب عنها ويتكلم باسمها ، من مستوى التعليم الى الثقافة العامة ، الى الخلفية السياسية الحقيقية والاجتماعية والوطنية ، المهنة والبرنامج ، وجوده في الوطن او غيابه عنه ،فلا يعقل ان يأتينا شخص قضى معظم حياته في الخارج ويصبح بين ليلة وضحاها وزيرا او نائبا في البرلمان عن منطقة لا يعرفها الا بالخارطة، ولا يجوز ايضا حشر اسما ترضية لهذا او ذاك . انه الفساد السياسي المطلق بدءا من القانون الانتخابي وشروط الحملة الانتخابية والتمويل والاعلام والتحالفات الغير منطقية ، الى التمثيل النيابي والتوزير والمحاصصة في الوظائف العامة ، نعم انه الفساد الذي يقوض كل خطة للنهوض بالوطن من خطط اقتصادية وتربوية ودفاعية واجتماعية ويهدد استمرارية الوطن كوطن والبلاد كأمة واحدة . اوا ليس هذا فسادا ايها الفارابي ؟
اخي القارئ
المعروف عن اللبناني حبه للسياسة، وشغفه بالاستطلاع والاحتكاك بكل شاردة وواردة ، والمعروف عنه أيضا شدة تعاطفه مع الاحداث المحلية والاقليمية والعالمية على حد سواء ، وشدة ولائه لأي معتقد يراه مناسبا له او لأي تيار سياسي يراه على قدر تطلعاته ، حتى اننا في بعض الاحيان نجد مناصرين في لبنان لرئيس بلدية ثائر ام متنمر في كولومبيا او الهند او التيبيت . ان اللبناني يستمتع بالأحداث السياسية والخطب الرنانة على سبيل التسلية احيانا وعلى سبيل التأييد احيانا اخرى وعلى حب النكاية "والز كزكة " لأنه فعلا سئم هذه المهنة وهذه النغمة ولكن ؛ لا نقبل ابدا الوصول الى الهاوية خجلا واذلالا من تخاطب السياسيين مع بعضهم البعض ليصل الامر بهم الى الشتم والسباب العلني وعلى منابر المحطات التلفزيونية وامام ملايين المشاهدين من شتى انحاء العالم . نعم لقد اذل هذا المشهد اللبنانيين واعادهم الى العصر الحجري في الاخلاق والمخاطبة ، وكرس نظرية الأنا ،، وانا فقط . ماذا نقول للشابات والشباب؟ ماذا نقول لطلاب المدارس ، في التكميليات والثانويات ؟ ماذا نقول لهم عن هذا الحراك بل عن هذا العراك الذي قفز من النظرية الى التطبيق بقوة المبدأ والحجة والاقناع باليد والكأس والكرسي ومن اشخاص يفترض بهم ان يكونوا القدوة في التحاور والنقاش ، فماذا تركوا لنا في الخارج لتناقش فيه او نتحاور . اوا ليس هذا فسادا ايها الفارابي ؟
 اخي المواطن
ان السلاح هو زينة الرجال ، وسلاح الاحزاب خيبة الآمال ، وسلاح الطوائف مدمر الاجيال، فما من فساد اشد واقسى من فساد السلاح، وما من فساد يقوض ويدمر وينهي الاوطان والامم الا فساد السلاح .لا اريد اطالة الحديث بهذا الشأن فكل شخص بالعالم اجمع اصبح ملما بموضوع السلاح في لبنان من سلاح حزب الله الى سلاح امل الى الاحزاب اليسارية التي تدور في فلك النظام السوري وفي تحالف حزب الله – امل ، الى السلاح الفلسطيني الشرعي والغير شرعي ، داخل المخيمات وخارجها ، سلاح العودة وسلاح التوطين ،سلاح الحرب الاهلية والمقاومة اللبنانية ، سلاح الغلبة الدينية الى المقاومة الاسلامية ، سلاح ضد اسرائيل وسلاح حامي لإسرائيل . اوا ليس هذا فسادا ايها الفارابي ؟
ايها الفارابيون في لبنان
وسط هذا الازدحام الحاد بالفساد اللبناني ، ووسط هذا البحر من ملفات الفساد منذ عشرات السنين ، ووسط هذا التداور في الفساد والامعان فيه ، نرى ان فساد غض النظر قد افسد النظر في عيونكم واعماها عن كل فساد الا الفساد الذي ترون فيه مصلحة لكم بإثارته والتكلم عنه . يطالعنا كل يوم فارابي جديد من سلسلة الاصلاح في المدينة الفاضلة اللبنانية بخطبة المهاتما غاندي بالتصميم والمثابرة ، والام تيريزا بالطهارة والنظافة سعيا لإصلاح ما خربه السلف متناسيا ما هو فيه بل ما هم فيه من فساد احتكار السلطة الى التوريث السياسي وصولا الى العبث الاستراتيجي القاتل .كفاكم لعبا على نغمة الفارابي ( طيب الله ثراه )وكفاكم نحبا على مدينة الفارابي الفاضلة ، وكفاكم امعانا في النزاهة والشفافية والادب ونظافة الكف وعفة اللسان والحوار البناء والمنطق . ان من يريد تنظيف الشارع عليه اولا تنظيف بيته ، ومن يريد تنظيف الوطن عليه تنظيف المبادئ اولا ومن يريد المدينة الفاضلة عليه ان يكون فاضلا او فاضلا ....او فاضلا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق