الثلاثاء، 7 فبراير 2012

اجوبة(سؤال رقم 1 و2)

عزيزي القاريء
كما وعدت سابقا سأحاول الاجابة على كل الاسئلة التي تردني من القراء حول قضايا تهمهم عن تلك الحقبة من تاريخ لبنان الجنوبي .
السؤال الذي ورد : اي توجه سياسي كان للجيش الجنوبي ؟ وهل صحيح انكم منعتم الاحزاب من مداولة نشاطها الحزبي والسياسي منذ عام 1977 حتى عام 2000  ؟
اخي القاريء
لم يكن تأسيس جيش لبنان الجنوبي ( جيش لبنان الحر) نتيجة لتصور مسبق او تنفيذا لخطة ما او برنامج وكما يقولون عن "سابق اصرار وتصميم" ، بل كان وليدة حالة عفوية وضرورة لحاجة ما .لقد قامت الميليشيا الحدودية كما كانت تسمى في بداية عام 1976 من خلال انتفاضة شعبية ضد تجاوزات المنظمات الفلسطينية بعد انهيار الدولة اللبنانية وفرط عقد الجيش اللبناني وبالتالي اخذت جموع الشباب تتأهب وتتجمع لإدارة شؤونها بنفسها وعلى سلم اولوياتها تأمين الحماية الذاتية للقرى والبلدات من السيطرة الفلسطينية عليها .
كانت الاحزاب اليمينية التقليدية شبه معدومة في المنطقة الحدودية بعد سيطرة المنظمات عليها اثر اتفاق القاهرة وان كل عمل حزبي او ممارسة فعلية للأحزاب المذكورة كان يعد جرما يحاسب عليه مرتكبوه ، وكانت الاحزاب اليسارية تسعى بكل قوة لمنع الاحزاب الاخرى من اختراق ساحتها ، لذلك كانت انطلاقة الميليشيا الحدودية انطلاقة جماهيرية محضة لافتقار المنطقة الى تنظيم حزبي فعال اسوة بباقي المناطق اللبنانية . هذه الانطلاقة التي اتخذت شعار المصلحة الوطنية العليا للمواطن الجنوبي والحفاظ على الكرامة والارض ، لاقت قبولا كبيرا لدى طبقة الشباب الجنوبي الذي ضاق ذرعا بممارسات اليسار وفساد المنظمات خاصة في منطقة مرجعيون – القليعة ،التي ولدت فيها هذه الانتفاضة . عامل آخر ساعد هذه الحركة وقلل من اهمية الوجود الحزبي هو التحاق عناصر كتيبة المشاة الاولى من الجيش اللبناني والتي كان مقرها مرجعيون ببلدة القليعة وباقي عناصر الجيش اللبناني المنحل من المناطق المجاورة بعد صدور مذكرة خدمة عسكرية من قائد الجيش آنذاك في بيروت العماد حنا سعيد القاضية بإنشاء تجمع عسكري في بلدة القليعة وآخر في بلدة رميش ، وهكذا تشكلت نواة الجيش الجنوبي من بقايا الجيش اللبناني وعناصر شبابية من المنطقة الحدودية .اذا يمكنني القول باننا لم نكن ابدا منتمين الى اي حزب لبناني ولم نكن نمارس النشاط الحزبي العادي ، نعم كانت هناك مجموعات تؤيد هذا الخط او ذاك من كتائب واحرار والحزب الديمقراطي الاشتراكي ( حزب الرئيس كامل الاسعد )، ولكنها  -  اي هذه المجموعات لم تكن لتأتمر ابدا بأحزابها بل بقيادة المنطقة الحدودية .
مطلع عام 1977 انتظمت العناصر الحزبية وفتحت قناة اتصال لها مع بيروت اي مع قيادتها الحزبية وبدأت بممارسة النشاط السياسي العلني ولكنها كانت خاضعة عسكريا للقيادة المحلية الى ان حصل ما حصل في صيف 1977 وبالتحديد بحفلة زفاف السيد شكيب سمارة من مرجعيون والذي كان يحسب على الكتائب . حصل احتكاك بين الكتائب وعناصر من الاحرار من سوء فهم بسيط الى اشكال اكبر الى التلاسن والاشتباك بالأيدي وتطور الى حد استعمال السلاح لولا تدخل العقلاء والمصلحين . منذ ذلك الوقت اتخذ الرائد حداد قرارا بمساعدة القادة المحليين بمنع النشاط الحزبي على انواعه في المناطق الحدودية وجعل لبنان شعار الجميع ومن هنا انطلقت تسمية جيش لبنان الحر بعد محاولة تحويل الميليشيا الحدودية الى تنظيم عسكري شبيه قدر الامكان بالجيش النظامي .بقي هذا القرار ساري المفعول حتى الانسحاب من لبنان عام 2000 ولم يسمح ابدا للأحزاب اليمينية واليسارية على حد سواء من ممارسة نشاطها .
اربع محطات حزبية بتاريخ الجيش الجنوبي وكلها باءت بالفشل اذكرها حفاظا على الدقة والحقيقة .
المحطة الاولى كانت عام 1978 عندما ارسلت الجبهة اللبنانية آنذاك بزعامة الرئيس الراحل كميل شمعون عدة مئات من المقاتلين الحزبيين من احرار وكتائب لمساعدة الميليشيا الحدودية بعد توسع المنطقة على اثر اجتياح عام 1978 وقد تمركز البعض في بلدة الطيبة والآخر في كلية مرجعيون الوطنية وسرعان ما ساءت الامور معهم ولم يتقيدوا بالأسس والانظمة المتبعة في المنطقة بعد ان عمدوا الى تفعيل النشاط الحزبي في المنطقة الامر الذي رفضناه وعادوا ادراجهم الى بيروت مع الشكر . الجدير بالذكر ان هذه المجموعات هي التي حملت معها الى بيروت شعار جيش لبنان الحر كتذكار من المنطقة والذي استعمله البعض كغطاء له وللتمويه خلال ارتكابه مجزرة صبرا وشاتيلا  .
المحطة الثانية كانت عام 1984 بعد التحاق عناصر من منطقة كفريا في البقاع الغربي بالجيش الجنوبي ولكنهم بقوا على اتصالهم الحزبي في بيروت ( الكتائب )ولم يتقيدوا بأوامر وتوجهات الجيش الجنوبي بعدم النشاط الحزبي وهذا ما اوقع الخلاف بين هذه السرية التي كان يقودها الحاج "نقولا" وسرية راشيا الوادي التي كان يقودها نبيه ابو رافع وبالتالي ادت هذه الخلافات الى فرط عقد سرية كفريا والحاق عناصرها ببقية قطاعات الجيش الجنوبي وعودة القسم الاكبر منها الى بيروت .
المحطة الثالثة وكانت خلال سنوات التسعينات حين حاول السيد اتيان صقر رئيس حزب "حراس الارز" بتفعيل النشاط الحزبي في منطقة جزين بعد انتهاء مهمة قائد كتيبة جزين " طوني نصار "والذي كان محسوبا على حراس الارز ولكنه قوبل بالرفض من قبل قيادة الجيش الجنوبي وبالتالي غادر جزين لفترة ثم استقر في بلدة دير ميماس الحدودية حيث حاول حراس الارز الامتداد الى منطقة حاصبيا ولكنهم قوبلوا بالرفض من قبل القيادة تنفيذا للقرار الاساسي بعدم السماح للأحزاب بالعمل السياسي والحزبي وبعدها غادر السيد صقر نهائيا الى الخارج .
المحطة الرابعة وكانت عام 1996 حين حاول المقدم نبيه ابو رافع والذي كان قائد اللواء الشرقي في الجيش الجنوبي ( بعد استقالته من الجيش عام 1995 ) والسيد رياض العبدالله مسؤول جهاز امن الخيام ، حين حاولا اقامة حزب سياسي داعم للجيش الجنوبي باسم " الاصل " . بائت المحاولة أيضا بالفشل بعد ما اتهموا بمحاولة انقلاب على اللواء لحد قائد الجيش الجنوبي وغادر بعدها رياض العبد لله الى الخارج في حين عاد المقدم ابو رافع الى الجيش بعد سنتين من الحادثة .
لم يكن جيش لبنان الجنوبي منتميا الى اي حزب في لبنان ولم يكن ابدا مواليا لأية جهة سياسية ، نعم كنا على نفس الطريق الاستراتيجي لبعض القوى في لبنان من مبدأ الحرية والسيادة والاستقلال ولكننا كنا مميزين في هذه المراحل كلها فلم يكن الجيش حزبيا ولا طائفيا ولا مذهبيا فقد انتمى اليه المسيحي والسني والشيعي والدرزي وكانوا جميعا على قدم المساواة بالتضحية وبذل الغالي والنفيس من اجل الوطن .

السؤال الثاني : بعض الناس صنفكم عملاء ، والبعض الاخر قال انكم خارجون على القانون ، وآخرون قالوا انكم اضطررتم لذلك ، وقسم قال انكم فعلتم الصواب وانكم اللبنانيون المخلصون للوطن . من انتم ؟
اخي السائل
انه تاريخ طويل بل انه تاريخ الوطن الصغير المختصر ببضعة سنوات غيرت مستقبل الاجيال كلها ووضعت اكثر من علامة استفهام حول كل مرحلة وكل مفصل من تلك الحقبة .
صديقي ، دعنا نبسط الامور قدر الامكان ونبتعد عن المفردات الفلسفية والكلمات المتقاطعة ، وكما يقولون عدم الاختباء " بخيال الاصبع " . نعم لقد تعاملنا مع إسرائيل علنا – ومن فوق الطاولة – تدربنا فيها وتسلحنا منها ، عالجت جرحانا مدنيين وعسكريين ، حتى ان هذا الامر بالذات تعدى الجنوب الى الوطن كله ،نعم نحن الجيش الجنوبي كنا بتحالف تام ووثيق مع دولة اسرائيل وكان الهدف الاساسي حماية المنطقة الحدودية من سيطرة المنظمات الفلسطينية ثم تطور الامر الى فكرة السلام الشامل بين لبنان واسرائيل . هذا هو باختصار الخط الذي سلكه الجيش الجنوبي مع بعض المنعطفات هنا وهناك لم تغير في النهج ولا المبدأ.
اذا لنبدأ بداية صحيحة واعتقد ان غالبية اللبنانيين لا يعلمون جيدا بتسلسل الاحداث او ان النسيان قد طغى على تلك السنوات وباتت الحقيقة فيها من باب التكهن .
تاريخ 3-11- 1969 ابرمت الدولة اللبنانية بشخص قائد الجيش اللبناني آنذاك العماد اميل البستاني اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة السيد ياسر عرفات واعطت بموجبه حرية التصرف في منطقة شرق نهر الحاصباني " فتح لاند" لشن الهجمات المسلحة على الاراضي الاسرائيلية وسرعان ما توسعت منطقة "فتح لاند" لتشمل معظم مناطق الجنوب الحدودية . هذا الاتفاق اعطى صك ملكية الحجر والبشر لأبو عمار وسائر الابوات الكرام وابتعدت الدولة عن جنوبها وعن ابنائها بل انها باعتهم لقاء ثلاث ليرات لبنانية يوميا مقابل كل مقاتل فلسطيني ومجاهد يصل الى الجنوب لتحرير فلسطين والمقدسات . اذا تخلت الدولة عنا بشكل تام ومباشر وبما لا يقبل الشك ابدا حتى  اذا اراد مواطن ما من زيارة الجنوب عليه ان يستحصل على اذن اولا من المراجع المختصة الفلسطينية ، وهذا من سخرية القدر الذي وضعتنا فيه امنا الحنون .
مطلع عام 1976 انطلق الملازم اول احمد الخطيب من ثكنة حاصبيا ليعلن سقوط الدولة من الجنوب وفرط عقد الجيش اللبناني النظامي وتأسيس جيش لبنان العربي .
صيف 1976 سقطت كل ثكنات الجيش اللبناني بأيدي المنظمات الفلسطينية والاحزاب اليسارية اللبنانية .
 اصدرت قيادة الجيش اللبناني مذكرة خدمة رقم 589 /اع/س بتاريخ 22/3/1976 تقضي بإنشاء تجمع عسكري في بلدة رميش اسوة بتجمع القليعة ليلجأ اليهما العسكريون في المنطقة الحدودية . هذان التجمعان اللذان اصبحا النواة الداعمة للميليشيا الحدودية التي حملت السلاح مرغمة للحفاظ على الارض وبالتالي اصبحت هذه القوات مجتمعة "جيش لبنان الجنوبي " .
التجأ الجميع الى اسرائيل طلبا للدعم والمساندة وخاصة للمواد الغذائية والاسعافات والطبابة بعد الحصار الذي فرضته المنظمات الفلسطينية والاحزاب اليسارية .واذكر هنا كلمة للرئيس اللبناني الراحل الياس سركيس عندما قال : ان انقطاعنا عن الجنوب واهله وتركه يدير شؤونه بنفسه وعدم مد يد العون والمساعدة له ، اهدينا اسرائيل فرصة ذهبية وتاريخية للتدخل في شؤونه وبالتالي بالشؤون اللبنانية والدخول الى قلب اللعبة والمعادلة .
اواخر تشرين اول 1976 وصل الرائد سعد حداد الى المنطقة الحدودية ( وهو ابن بلدة مرجعيون ) عن طريق اسرائيل مرسلا من قبل الدولة اللبنانية وقيادة الجيش اللبناني ليقود الميليشيا الحدودية وبقايا عناصر الجيش النظامي المنحل وبدأ مهامه بعد استلام القيادة من النقيب في الجيش اللبناني غسان حمصي (ابن بلدة برج الملوك ).
حضرة السائل الكريم
اذا كانت الدولة اللبنانية غير راضية على اتصالنا بإسرائيل، فهل كانت لترسل رائدا في الجيش النظامي ليقود المنطقة وعبر اسرائيل ؟ ولماذا لم ترسله بواسطة قوات الامم المتحدة الموجودة آنذاك " قوات الهدنة " ؟ اضف الى ذلك ، ان رواتب عناصر الجيش اللبناني والمساعدات الاخرى للميليشيا كانت تصل الينا عبر وسيط فلسطيني من اقرب المقربين للسيد ياسر عرفات وعن طريق اسرائيل واحد البنوك الرئيسية فيها . فكيف نفسر هذا ؟
هل نحن من بادر الى التحالف مع اسرائيل عنوة ورغم انف الدولة ؟ام هي دولتنا التي قادتنا الى هذا التحالف ليس فقط بغض النظر عنه بل بالدخول فيه مباشرة كطرف رئيسي ؟ اؤكد لك سيدي باننا وجدنا انفسنا في آخر الطابور من المتعاملين مع اسرائيل من اشقائنا العرب ومن اخواننا في الدولة اللبنانية والاحزاب اللبنانية على اختلافها جمعاء .
بعد اجتياح عام 1982  ووصول اسرائيل الى بيروت وخروج السوريين منها والفلسطينيين ، بدأت جحافل المسؤولين اللبنانيين رسميين وحزبيين تصل الى المنطقة الحدودية ومنها الى اسرائيل ، قسم للمحادثات السياسية ، وآخر لأعمال التجارة والسياحة ، وقسم للاستجمام والراحة ، وبكلمة مختصرة " من لم يتعامل مع اسرائيل فليرجمنا بحجر" ، واذا كان سيحاكم كل من تعامل مع اسرائيل فان لبنان كله سيحاكم ، واعذرني عن عدم امكانية سرد اسماء واسماء كبيرة وكبيرة جدا ، ليس من باب الخوف او الكتمان بل من باب طي صفحة الانقسام والتخوين وعدم الرجوع الى ما ليس منه منفعة ، كلهم تعاملوا وكلهم غطسوا حتى راسهم ،،،، والله ولي التوفيق .
بقينا حتى عام 1991 على اتصال وثيق مع كافة اركان الدولة اللبنانية وحتى بعد فشل اتفاق 17 ايار وبعد اتفاق الطائف ، نتبادل الآراء والمعلومات والتطلعات المستقبلية وكنا نضع في كل مرة انفسنا وكل امكانياتنا في خدمة الدولة اللبنانية ، مهما كانت هذه الدولة ومهما كانت توجهاتها وخط سيرها ضاربين بعرض الحائط بعضا من مواقفنا ومبادئنا وكل ذلك في سبيل انهاء وضع قيل عنه انه شاذ او غير صحيح ، وقبلنا رغم تحفظنا على غالبية الاوصاف وآثرنا الاصطفاف خلف الدولة لا الى جانبها ، حتى امر المحتل السوري بوقف كل اتصال معنا اي مع الجيش الجنوبي ، حتى ان الدولة اللبنانية رفضت وبإيحاء، منه استلام منطقة جزين منا عام 1992 كهدية من الجيش الجنوبي وكعربون التزام وولاء للدولة الناشئة الفتية بعد الحرب الاهلية ايام الرئيس الراحل الياس الهراوي . فهل هذا يعني باننا خارجون عن القانون ؟ هل بقاء الجيش اللبناني في جزين وباقي المنطقة الحدودية والامن الداخلي والامن العام والمحاكم المدنية والشرعية وكل مرافق الدولة ، على احسن حال وتعمل كالمعتاد وتتلقى منا الدعم المالي واللوجستي ، هل هذا يعني باننا خائنون وعملاء ؟
ماذا تظن عزيزي القاريء بالذي تعامل مع سوريا ( نظام البعث ) ، هل كان لمصلحة لبنان ؟ وهل هو عميل سوري ام لا ؟
هل الذي تعامل مع ايران كان لمصلحة لبنان ام لمصلحة دينية وايديولوجية "الولاء لولاية الفقيه " ؟ وهل هو عميل ايراني ام لا ؟
هل الذي حمل السلاح مع الفلسطينيين في المخيمات وخارجها كان لمصلحة لبنان ؟ اليس هو عميل فلسطيني ايضا ؟
هل الولاء للعرب وعلى اختلاف طرق هذا الولاء كان لمصلحة لبنان ؟ ام انهم جميعا كانوا عملاء العرب والعجم والتتر والافرنج والسند والسيخ والمغول وما الى ما لا نهاية له من .......
عزيزي السائل
نحن شعب حُرم من كل حقوقه المشروعة , تركته دولته وباعته بأبخس الاثمان ، نحن شعب ابى الا ان يبقى على حريته وكرامته فدفع كل غالي ونفيس في سبيل ذلك ، نحن لبنانيون جنوبيون فخورون بما كنا عليه ، وبما نحن عليه ، وبما سنبقى عليه ، والحقيقة كالروح لا تموت ابدا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق