الخميس، 15 أكتوبر 2015

القصر ما بين القهر والصهر


استيقظ باكرا ولبس ثيابه وتأنق على غير عادته ، ارتشف القهوة على مهل وتذوق بها كل نسمة صباحية عبرت تلك الشرفة المطلة على البحر ، وعاد الى سنوات خلت واستحضر لذاته كل لحظة مرّت عليه قبل خمسة وعشرون عاما . نعم لقد كنت هنا يا صغيري ، وكنا رفاقا واخوة نحاول ان نحمي هذا الصرح الوطني الكبير وهذا الرمز الاخير من رموز الحرية والكرامة والاستقلال . نعم يا صغيري ، كنا حفنة من المؤمنين بتلك البزة الخضراء التي رُسمت عل اجسادنا والتصقت بنا اكثر من الاسماء ، قبل سنوات كان الحلم وتبدد ولا نزال نحلم بعودة ذلك الحلم ، ايمكن ان يعود في زمانك يا صغيري؟

امسك سمعان بيد حفيده الصغير بعد ان حمّله علما لبنانيا وقبعة تعلوها الارزة ، ومشى الاثنان معا بكل فخر واعتزاز وشموخ ، وكيف لا وهما سائران لأحياء ذكرى الابطال الذين استشهدوا على درب هذا القصر ضد الهجوم السوري على معقل الشرعية اللبنانية ، ولتذكر ما مرّ على هذا الوطن من الاشقاء والاقرباء والاصدقاء الذين ما ادخروا جهدا ابدا في اضعاف وارهاق وتفتيت وتمزيق هذا الوطن .

الحشود تأتي من كل مكان والهتاف يعلو ويعلو وتلوح بالأفق شعارات وكتابات ليست مفهومة لبعدها عن سمعان ولكنه بدأ يميز بعض الاصوات الهاتفة لهذا او ذاك وكالعادة اللبنانية في كل مناسبة تقوم الحناجر بنبش المفردات الملائمة وتفصيل القواعد العربية على الاجسام العربية والغربية والمرّيخية ايضا ، فنحن شعب لبّيس وخزّيق يلائمُ ما فُصّلَ له بالسرعة القياسية .

اكتظت الطرقات واشتد الازدحام فخاف سمعان على حفيده من التدافع فقرر الانزواء على مرتفع قريب يشاهد كل ما لم يستطع مشاهدته من قبل ، وهكذا  حطّ رحاله تحت شجرة عالية نسبيا وبدأ بقراءة ما يشاهد ، ويفهم ما يسمع ، ويدرك اين هو ويعي الى اين وصل .

الثالث عشر من تشرين اول ، ذكرى سقوط القصر الجمهوري بيد الجيش السوري وبعض وحدات الجيش اللبناني الموالية للنظام السوري . قصة طويلة ومعقدة ولا مجال لتوضيحها ، هكذا تكلم سمعان مع حفيده ووعده بشرح وافٍ ومستفيض عنها في يوم من الايام ولكن الآن والمهم هو ان نحتفل بهذه الذكرى حسب مكانتها ووفق معاييرها وعلى مستوى قيمتها التاريخية والوطنية والمعنوية . كلمات ادارت وجه الحفيد الى مجموعة من الشبان تصفق وتهتف وترقص وهذا ما اراح الصبي الصغير من عصر دماغه بترهات القصة اللبنانية .

بدأت الصورة تتضح شيئا فشيئا وبدت علامات الغضب تعلو جبهة سمعان ، ولم يعد الهواء يكفي التنفس لتنفيس الاحتقان واخذ يتساءل : ما الذي يدور ؟ ماذا يحصل ؟ ما هذه الشعارات التي لا تمس الى الذكرى بصلة ؟ نعم هذا هو الواقع اللبناني وهذا هو الطبع اللبناني  وربما هذه هي الحرية اللبنانية التي لا تشبه الا سواها ، كلمات تمتم بها سمعان علّه يطفئ ناره وراح يلاعب حفيده مبتعدا عن اجواء لم يرغب بها ولن يرغب بها ابدا . ربما كبرنا  واصبحنا نجهل واقعنا وربما هذا الجيل ادرى منا بمصلحة الوطن ، شفاه سمعان تطلق العنان لمبررات واعذار محاولا طرد اليأس وندم القدوم وقال : سأنتظر العماد عون ليلقي كلمته وحتما سيفرّح قلبي " ويفش خلقي" .

"تمخض الجبل وولد فأرا" ، مسكين سمعان ! كم خاب ظنه وكُسر خاطره ، كم انهكه الكلام المبتذل ورشق الجمل المركبة ، حاول الصمود ولم يفلح ، حاول الانتظار ولم تُفرج ، حاول البقاء فمنعته كرامته واجبره كبرياؤه على المغادرة المشرّفة وقال : لأكون اول المغادرين ولا آخر الخائبين ، وحمل حفيده على كتفيه وقفل عائدا الى حيث اتى مرنما حداء مكسوري الخاطر :

تيتي ،،تيتي ،،،، مثل ما رحتي ،، مثل ما ،،جيتي

اخي القارئ

آلاف المشاركين مثلهم مثل سمعان خائبو الظن بما رأوه وسمعوه ولمسوه وشعروا به ، فأين الحقيقة التي كانت محور القدوم ، وأين الامل الذي كان يسوق المنهكين والمتعبين الى حافة النهوض من جديد ، ولماذا هذا التحريف وهذا الرياء وهذا التلاعب بالعقول والوجدان والضمير .

الثالث عشر من تشرين اول ، ذكرى سقوط الدم اللبناني على يد الشقيق في اعرق مكان في الجمهورية اللبنانية ، الا وهو القصر الجمهوري ،

الثالث عشر من تشرين اول، ذكرى اتحاد العرب والافرنج ، القريب والبعيد ، العدو والصديق ، اتحادهم على نحر الوطن وتلزيمه لمقاول لا يعرف الا الربح والربح ولو من بيع الجماجم والعظام .

الثالث عشر من تشرين اول ، ذكرى الذين خطفوا وذبحوا وقبعوا في السجون السورية اعواما طويلة دون المطالبة بهم حتى من رؤسائهم وقادتهم ، وكأنهم لم يكونوا .

لا ادري بماذا اراد الجنرال عون ان يحتفل ،

بمغادرته "مرغما " الى الخارج ونجاته من براثن السوري ؟

ام احتفاله هذا بسقوط القصر الذي كان مؤتمنا عليه ؟

ام احتفاله هذا باسترجاع ما كان يحلم به ورؤية الجماهير اللبنانية تهتف له من جديد كما فعلت قبل عقود طويلة ؟

ربما جاء ليجدد شبابه واحلامه وطموحاته وليتذكر جلسات القصر وامسياته ، على جثث من آمن به ومشى خلفه فغدره مرتين : الاولى بالهروب السريع والثانية بالتحالف السريع مع اهم ركائز النظام الذي انهك اللبنانيين واحتلهم وسلبهم وانتهك حرمتهم ودنس قيمهم هذا النظام البعثي السافل الذي اورث التركة لحزب الله ليمعن بإذلال اللبنانيين اكثر وتقسيمهم حسب الولاء والانتماء لمن يؤمن به اولا واخيرا فقيها على رأس ما تبقى من الركام اللبناني .

مسكين سمعان

لم يسمع كلمة واحدة عن الجنود والضباط الذين استشهدوا، ولا عن الذين خطفوا ولا يزالون في عداد المفقودين.

لم يسمع سمعان كلمة واحدة عن اللبنانيين المعذبين بالسجون السورية ولا حتى كلمة مؤازرة لذويهم ولا كلمة عتاب لحليف السجّان .

لم يسمع سمعان كلمة واحدة عن حقيقة التغيير الذي وُعد به .

لم يسمع سمعان كلمة واحدة الا اتهام الغير بالفساد وهم على رأس المفسدين .

لم يسمع سمعان الا كلمة واحدة : يا شعب لبنان العظيم ، كلمة رددها الجنرال منذ عقود ولا تزال عظَمَة هذا الشعب رهينة اهواء ورغبات الجاه والسلطة والنفوذ ولو على كرسي يهتز لكل زكام محلي او عابر او مستورد .

مسكين سمعان

لم يعرف سمعان لماذا يحتفل العماد وبماذا يحتفل ، ولكن الغصة تكبر وتكبر مع هؤلاء القوم الذين اتوا ،

بالله عليكم ليقل لي احد بماذا احتفل هذا الجمهور " العوني " ؟

بعودة الرئيس الروسي " بوتين " الى الساحة العربية عبر سوريا ؟

ام بصمود الرئيس السوري فوق اكتاف الروس والايرانيين واللبنانيين والافغان والكوبيّين ؟

ام بصمود ورقة التفاهم مع حزب الله رغم الاعاصير والصعوبات التي اعترضت هضمها ؟

بماذا احتفل جمهور التيار الحر ؟

بنغصة الجنرال بتولي كرسي الرئاسة ؟ ام بنغصة الجنرال بالتسبب بزعزعة مكانة صهره العميد وتلويث تقاعده المشرّف بزبالة السياسة الكريهة ؟

ام الاحتفال باستمرار فراغ الرمز اللبناني الاول وبقاء الكرسي شاغرا؟

لا اعرف بماذا يحلم هذا الجمهور بعد عشر سنوات من الخداع والمراوغة ، لا اعرف الطموح الذي ينشده ، وبكلمة اخرى :

 اما آن الاوان ايها الجمهور الحر ان تبدأ انت بالتغيير ؟

على امل ان تصحى ستبقى تُجرّ كل سنة على طريق القصر واقفا على الاطلال

قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل ......فقد اكتفينا على طريق القصر بهدلي

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق