الخميس، 4 أبريل 2013

الرسالة التاسعة


                                     الوطن

اني اكره لبنان ، لأنه جعلني كافرا بعبادتي له .

جاهلي انا ، جاهلي في الايمان والتقوى في الخشوع والخضوع والطاعة ،في الحب والتضحية والفداء ، جاهلي انا يا وطني ويا ليتها تنمو وتكبر وتنتشر وتعدي من حولي لنصبح جاهليون نعبد هذا الجسم الذي لا حدود له ، انه روح من روح كل مواطن ، انه لبنان انه وطني انه جاهليتي ، انه الذي اعبد واجل رغم الديانات والانبياء والمرسلين . انا عابد الحجر ، عابد الشجر ، عابد لبنان .

يا بني

لا اجد الكلمة المناسبة والملائمة لأبسّط لك الوطن وما يعنيه ، ولا اجد الطريقة السهلة لان اصف وجود الوطن داخل العرق النابض ، ولكنني سأمثّل لك كيفية زراعة الانسان في الارض فينمو بفضل الماء والهواء وينتعش ويشمخ ويكبر ورجلاه تغذياه من تلك الارض الطيبة ، وتأويه وقت يحين موعد الغفو الهنيء ، انه الوطن ... لحاف دافئ وطمأنينة دائمة... وحب لا يبرد.

يا بني

ان الوطن هو انتماء وولاء ،

انتماء في الحضور المميز والرفعة والفخر حين تسأل : من انا ؟ ....

وولاء في التضحية والدفاع والمحافظة حين تسأل : لمن انا ؟

اذا عرفت الاجابة الصحيحة تكون عندئذ قد ادركت وطنك فيك ، وعرف وطنك طريقه اليك ، واعلم يا بني انه حين يضعف الانتماء يصغر الوطن ويضمحل ويتقوقع ، وحين يتجزأ الولاء تتشقق صورة الوطن ويضيع ، فانت ما بين الانتماء والولاء اساس الاستمرار والبقاء .

وطنك ارزة وسنديانة وشجرة زيتون ، انه الجبل والسهل والساحل ، انه النهر والجدول والشلال ، انه صنين وحرمون ، انه الرؤيا التي لا تنتهي والامل الذي لا يفارق ، انه جبلة الاحرار والابطال ، انه السيف والساعد والقلم ، انه لبنان ما قبل التاريخ وما بعد السطور انه الوطن الذي نُحسد عليه ولا يُحسد بمن فيه ، انه انت وانا وهم وهؤلاء ، انه الجمع للجميع والواحد للجميع والباقي للجميع فلا تضيعه ابدا لأنك ستضيع وستضعف وستعود من جديد كطفل رضيع فوق رصيف النسيان والاهمال .

يا بني

عندما كنت صغيرا كنت انتظر يوم الاحد بفارغ الصبر لأرى كاهن البلدة وهو في طريقه الى الكنيسة ولسماع تراتيل لم اكن افهم منها كلمة واحدة بل كانت تأنس لها اذني وترتاح لها روحي ، وكم كنت اجلس كل ظهيرة يوم لسماع آذان جامع بلدتنا ولأهذب نفسي بكلمات قاربت معانيها ما كنت اسمعه في الكنيسة. يا بني ، كنا لا نعلم اذا كان عيد الميلاد للمسيحيين والاضحى للمسلمين بل كنا نعلم بأن هذه الاعياد هي لنا كلنا وانها اعياد الوطن كل الوطن ، كنا نحتفل ونحتفل ونخرج بأبهى حلة ، يد بيد وكتف قرب كتف نعيد ونهنئ وندعو بالخير للجميع .هكذا تربيت في بلدتي وهكذا كبرت على حب هذا المجتمع وهذا البلد وهذا الوطن ، احببته منذ صغري ولم اعرف ابدا ان كان يحبني ام لا ، لم اسأله ولم احاول مجددا ان اسأل بل كنت اكتفي بالهواء النقي والماء العذب والثمر الطازج ، بالرفقة الحميدة والصداقة الصادقة ، بالمجتمع الآمن المسالم ، هذا هو وطني الذي ولدت فيه وهذا هو حبي الذي احيا من اجله .

يا بني

نقف على اطلال وطن بنيناه بالدم والعرق والعزم والامل ، نقف امام شواهد كانت شاهدة على الاقدام والتضحية ، نقف امام حلم تبدد واضمحل من عدم يقظة الحالمين ، نقف يا بني امام بشر قدسوا الحجر فاصبحنا دمى لا حياة فيها ، اسدلوا الشوارب فغابت الابتسامة وارخوا اللحى فتشوه الوجه ، فنحن ما بين الشارب واللحية فم يأكل ويشرب ،،، ويصمت ،، ويصمت .

ان قلبي يعصر الما ، وان خاطري مكسورا ، وانا الملم ذكريات كانت بالأمس القريب مدرسة للوطنية الصحيحة ، اني ابكي على ما كنت اهوى واقدس ، اقف عاجزا عن النطق وعن الفهم وعن الاجابة ،،،، من نحن ؟  ولمن نحن؟ ،،

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق