الثلاثاء، 5 فبراير 2013

الرسالة السابعة

                                    ساندي
لم تسنح لي الفرصة سابقا لأن اتعرف عليك اكثر وان اقترب منك اكثر، ولم يتسنى لي الغوص في بحر ذاتك لاكتشاف اعماقك وخبايا تكوينك ، ذلك لأننا اناس لا نستمتع بالفرص - حتى لا اقول لا نستغل الفرص- نعم لأننا اناس ننظر الى القشرة بإمعان اكثر من اهتمامنا بالمضمون والجوهر. ربما ما يعنينا هو ما الاقرب الينا وما تطاله ايدينا اكثر مما يلمسه فكرنا وادراكنا .نقف عند حدود المعرفة ولا نعرف التقدم الى الامام او فهم النتيجة ، نقف عند حدود الحرية لأننا نتقيد دائما بشروط الحرية التي فقدت قيمة النضال من اجلها . نقف عند حدود الجهل لأننا نجهل انه يجب علينا ان نتخطى حدوده ونفك قيوده . هكذا انتَ كما نراك دائما بعين واحدة وباتجاه واحد، انتَ صاحب المسلك المنفرد والرأي المنفرد والقرار المنفرد، وانا اليوم احاول ان اكون منفردا في رأي وفي موقفي  وفي علاقتي معكَ . احاول ان اكون في حدود حرية التعبير وفي جهل حدود المعرفة وبين اخطاء حب الاستطلاع . انت تعرف جيدا انه بإمكاني ان اقول ما اريد وان اطلق عليكَ ما اريد ، ولكنك لا تعرف انني لا اعرف ماذا اريد وما يمكن ان اصل اليه في محاولة المعرفة، ليس بالضرورة والحاجة بل بقناعة المبدأ وصلابة الموقف .
جميل بدون شك ايها الافق ، مبهر المنظر ساحر الوجه ، جذاب الى درجة الكفر . تخطيت كل الصفات وركبت فوق معاني الكلمات فأضعت حروفا وازلت نقاطا ، قاموسك غني وغني ،،، ولكن أتدرك باننا حفظناه اكثر منك؟
جلستْ ساندي قبالة الافق البعيد والبعيد جدا ، محدقة بذيك البريق الجذاب ، آملة ان يأتي اليوم الذي تتمكن فيه من الوصول اليه ولمسه والاحساس به ، املت ساندي وكلها ثقة ، لأنها ممتلئة نشاطا ومفعمة بالطموح والارادة ، وقررت ... واخذت على نفسها عهدا بالوصول الى ذلك الحلم ولو اصبح قدرا. انطلقت ساندي مغذية ذاك الاندفاع بكل ما اوتيت من عزم وعلم ، ومعرفة وجهد،،، سوف يتحقق ولو بعد حين، كل شيء في وقته واوانه ، وكل شيء مقدر له بشكل او بآخر .
 لمِنَ السّهل النظر الى ذلك الافق ولكن ليس من السهل الوصول اليه ، والاصعب من كل هذا هو المكوث فيه والتأقلم معه والانصهار في ذاته ليصبح من وجودك ، هذا الافق الذي كرّس الحرية والديمقراطية والحقوق الانسانية ، انه حلم كل ساندي اينما وجدت على هذه الارض .
طوال عقود وهذا الافق يعمل ليل نهار في تحسين صورته وتلميع جوانبه ، عمل  على غرس بعض طباعه وتقاليده واعرافه في امكنة حل فيها من غير دعوة او ترحيب . عمل كل ما في وسعه لإظهار لطفه وحسن نيته في المساعدة على التغيير والانتقال بهذه الارض وشعبها الى افق قريب من افقه ، تخبط احيانا واجتاز الصعاب احيانا اخرى ، واقنع الآملين والراغبين في التغيير بأنه سلم الصعود الوحيد الى الافق الام الذي لا يتغير . هكذا انطلقت سانديات عديدة من كل حدب وصوب مرحبة بهذا التعاون وهذا العطاء ، وتجمعت ساندي وراء ساندي للصعود على سلم التدرّج نحو العلا ، باتجاه الافق الفوقي المعصوم بخطوات ثابتة وبصوت واحد ، نعم للحرية نعم للديمقراطية ، نعم لحرية التعبير والفكر والمعتقد ، نعم للأفق الذي لا ينطفئ ولا يخبو ولا يضعف .
ابهر بريق ذاك الافق الناظرين اليه ونال اعجاب من لا يعجب لشيء، وسطع نوره ولامس اطراف الارض وبات متاحا لكل طامح وطامع وطالب وسائل ، واصبح هذا الافق في متناول من يريد. انغمست السانديات في بحر الاكتشاف العظيم والخطير والسهل المميت ، وكم تفاجأت من مطبات هذا القدر المصطنع ، وهوت .. وهوت ساندي وراء ساندي وابتعدت وغابت في غياهب الاحلام المحطمة وعادت ادراجها باكية .
بكت ساندي ودمعت ، وكرجت دموعها وامتلأت جداولا وفاضت انهارا وشلالات زاخرة بقدسية وعذوبة القطرات الحامية ، وهكذا تكونت وانطلقت ساندي كبيرة وكبيرة لإعادة بعض الاعتبار والاحترام والكبرياء ولتطرق باب الافق مذكرة بانه ظلمَ وظلمَ ، وقسى على نعومة الانامل وطيب الخواطر. نعم ، قدمت ساندي اعتذارها لعدم قدرتها على تغيير جسدها ليناسب لباسا جديدا ، وعلى عدم تناغم معتقداتها مع تقاليد واعراف جافة  ويابسة .انحنت واعتذرت على هذا المرور المُدمِّر والمُحطِّمَ ، وهكذا عاد حلم ساندي القديم ليسرح بعيدا مع اسماك التونة البريئة محاولا الابتعاد عن جوع القرش ونهمه وسطوته.
يا بني ، ان دمعتك على فقدان حلمك هي واحدة من دموع الكثيرين الذين تكسرت بهم القوارب على شواطئ صخرية غادرة ، ولتكن هذه التجربة مصدر وحي والهام وارادة لتنهض من جديد وتعبر الى بحر اكثر هدوءً واكثر تفهما واكثر امانا .
انه بحر والديك واخوتك ، انه بحر عائلتك التي تنتظرك بفارغ الصبر ، انه بحر خلاصك وانطلاقك من جديد الى محيط الامل الكبير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق