الأربعاء، 4 يونيو 2014

صاحب النيافة


لأول مرة ارى انه من الواجب وضع هذه السطور في متناول من يحب ان يعرف ،وفعلا انها المرة الأولى التي استعمل فيها هذا الباب في التواصل الاجتماعي لأني مدرك تماما ان الحقيقة يجب ان تُقال وتُنشر ليدركها كل قاصد وكل ساعي .

اضع بين يدي القراء الاعزاء والاصحاب والاصدقاء والاهل في لبنان وفي كل مكان ، اضع كلمتي التي كنت سأتوجه بها الى صاحب النيافة الكاردينال الراعي من خلال اللقاء الذي كان من المُفترض ان يجمعنا كلنا بغبطته اثناء زيارته الاخيرة لإسرائيل والاراضي المقدسة .

لقد ساء الحظ وحرمني من شرف لقاء غبطة البطريرك المحترم ، وذلك لأسباب رأيتها ورآها العديد من الرفاق موجبة وملزمة للاعتذار وعدم الحضور ، في وقت كنا فيه على احر من الجمر لمثل هذا اللقاء التاريخي والشجاع والذي ربما لن يتكرر في المدى المنظور .

نعم ان اولى اسباب هذا الفشل في اللقاء هو عدم تهيئة البرنامج المناسب والتخطيط الصحيح للقاء غبطته برعيته اللبنانية من قبل مخططي ومعدي مسلك وبرنامج هذه الزيارة وذلك بتجاهلهم لعدة نقاط اساسية اهمها :

اولا :ان بكركي هي صرح وطني لبناني ومسؤولياتها تتخطى مساحة الدين والمذهب ، وهي لكل لبنان ولكل لبناني  مقيم ومغترب ، مهجر ومهاجر ، ولنا نحن فيها دروزا وسنة وشيعة مثل باقي المسيحيين وخاصة الموارنة ، لذلك اننا نرى عدم دعوة الجميع وبدون استثناء بالطرق الصحيحة والسليمة والتي ترعى الاصول واللياقة خطأ فادحا نتج عنه هذه المقاطعة وهذه البلبلة في الحضور .

ثانيا : ان عدم وضع اللبنانيين كافة في اجواء الزيارة من جهة قيام لجنة مكلفة للدعوة والتخطيط والتنسيق بما يخص الشطر اللبناني من الزيارة ، ادى بنا الى الشعور بنوع من التفرقة وبالتالي الى جهل ما يجب القيام به .

ثالثا : ان الاصرار على مكان لقاء اللبنانيين في مدينة الناصرة اثار موجة من الاستنكار والغضب لدينا جميعا . فكيف يعقل ان نتجاهل المدن التي فتحت لنا بيوتها وقلوبها لاستقبالنا عام 2000 ، امثال مدن : نهاريا وكريات شمونة ومعالوت وطبريا ولا تزال تستقبل اللبنانيين حتى الآن ، في حين ان المدن الاخرى اوصدت ابوابها بوجهنا ومنها الناصرة ، فهل نكافئ من صدنا ونتجاهل من ضمنا ؟

ثالثا : ان اللبنانيين في اسرائيل يمثلون جالية كباقي الجاليات اللبنانية المنتشرة في كل انحاء العالم ،فهل يعقل ان تأتي شخصية على هذا المستوى ولا تقوم هذه الجالية بما يتوجب عليها ، وعلى رأسها واجب الاستقبال المشرف والضيافة اللبنانية الاصيلة ؟ واني اتسأل : هل تناول البطريرك واجب الضيافة على مائدة اللبنانيين  خلال زياراته لدول الاغتراب ام لا ؟ ولماذا العكس هنا ؟

لقد قمت بما تعلمته من الاجداد والاباء ، وما تمليه عليّ التقاليد اللبنانية الاصيلة التي نعتز ونفتخر بها ، لقد تقدمت بطلب الحصول على شرف استضافة غبطة البطريرك في منزلي المتواضع الصغير لتناول طعام الغداء والقيام بواجب استقبال الضيف كما تعودنا ، فكان الجواب بالرفض وذلك لأن غبطته سيتناول واجب الضيافة لدى رعية آخرين من ابناء هذه الدولة ،وطالبت لاحقا بأن نحظى ولو بزيارة مجاملة لاي بيت او عائلة لبنانية يريدها غبطته او من يدير مراسم هذه الزيارة ولكننا فشلنا في ذلك ايضا. اقول للمشرفين على مسار الزيارة : السنا من الرعية ؟ الا يحق لنا استضافة البطريرك كما يحق للآخرين في الناصرة والقدس وحيفا والجش وغيرها ؟

لا اضع اللوم على غبطته ولكني احمل المسؤولية كاملة للذين اعدوا برنامج الزيارة ، وسامحهم الله .

اضع هذه المواقف برسم الجميع وليعرف كل لبناني في كافة انحاء الارض باننا في اسرائيل على قدر المسؤولية وعلى مستوى القيام بواجب الاستقبال والضيافة لو أتيحت لنا الفرصة واعطي لنا هذا الواجب المشرف .

بناء لما تقدم لم استطع الحضور ولم استطع ان اسمع غبطته كلمتي ورسالتي الى الوطن كافة ، فوجدت انه من الصائب ان انشرها ولأول مرة على صفحتي في شبكة التواصل الاجتماعي والتي كرستها دائما للقاء الاحباء والاصدقاء بعيدا عن السياسة وهمومها ، وها انا انشرها على موقع (وقف لحظة) مع الشكر الجزيل لصاحب الموقع الذي سمح لي بذلك.

ارجو المعذرة ،،، وشكرا للجميع .                                                       





غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي حفظكم الله
تحية لبنانية خالصة
لا ادري حقا من اين ابدأ ، امن سرد قصتنا الطويلة والدفاع عن مواقفنا ؟ ام من طرح وجهة نظرنا حول مصداقية وصدقية ما فعلناه او بالأحرى ما طُلب منا ان نفعل ؟ او من اثبات لبنانيتنا بعد كل تلك الفحوصات الوطنية التي اجتزناها منذ اتفاق القاهرة عام 1969 ؟
صاحب النيافة
لقد قلّتْ في بلدي الآذان الصاغية ، وندرت مواقف الحق والجرأة ، وكثرت الاجتهادات والفتاوى التي تخدم المصالح الفئوية المتنكرة للأهداف الوطنية الصحيحة ، وكثر الولاء للخارج على حساب الانتماء للوطن ، ونحن ما بين الولاء والانتماء صخرة وفاء واخلاص ثابتة لهذا الكيان الابدي النهائي  كصخرة بطرس عند المخلص .
نعم صاحب النيافة ، نتألم عندما نرى الانشقاق والتفرقة بين ابناء الوطن الواحد ، ونتألم ايضا عندما نرى الحرية في قفص الهيمنة والتسلط ، ونبكي على العدالة عندما نراها رهينة جماعات وافرادا .
انتفضنا ووقفنا وحدنا ضد اتفاق القاهرة المشؤوم ، ووثبنا نلبي الواجب مع الجيش اللبناني في كل الاحداث التي تلت ذلك الاتفاق ، واصبحنا وحدنا نضمد الجراح ونبني ما تهدم جراء تجاوزات منظمة التحرير وعنف الرد الاسرائيلي .
نعم سيدنا ، وحدنا نحن الجنوبيون دافعنا ودفعنا كل غال ونفيس لبقاء هذا الوطن المقدس ولسلامة ووحدة اراضيه منذ انفراط عقد الدولة والمؤسسات. حملنا السلاح وزرعنا الارض شهداء وجرحى ومعاقين بالتعاون مع من كان يساند موقفنا ويقف الى جانب صفنا من زعماء في الدولة آنذاك ومن كبار ضباط الجيش وقادته ، فكنا الجنود النظاميين والمدنيين المسلحين نحارب معا تحت راية البلاد واوامر قادة البلاد .
لم ننشد نشيدا الا النشيد الوطني ، ولم نرفع علما الا علم لبنان ، تعاونا مع الجيران اسوة بكل مناطق الوطن فكانت لنا اسرائيل بعلم القادة والمسؤولين وبرغبتهم ورضاهم ومباركتهم ، تعاونا من اجل البقاء والمحافظة على ما تبقى من بشر وحجر في منطقة تركتها الدولة وهجرتها واهملتها بل باعتها بأبخس الاثمان .
لم نندم على ما قمنا به ابدا ، ولم نندم على الشجاعة في هدم اسوار العداء مع جيران اثبتوا انهم افضل من اخوان ، واوا ليس كل ما عانيناه من فضل الاخوان ؟
لم نتنكر لأي حق شرعي لأخوتنا الفلسطينيين ولا زلنا عند موقفنا الداعم لهم والمساند لدولة لهم على ارضهم جنبا الى جنب مع دولة اسرائيل ، وكل من يدعي عكس ذلك فهو لسياسي جاهل وقومي احمق وفاقد لكل بصيرة ورؤية. فكفانا متاجرة بالقضية الفلسطينية تحت شعار المقاومة والتصدي ، والتي باتت قاب قوسين من ان تصبح قضيتنا اللبنانية ،( قضية العودة الى الوطن من الوطن ، وعودة الوطن من جحافل النازحين القدامى والجدد) قضية القرن ، اقوى واشرس واشد الما وظلما من القضية الفلسطينية نفسها ،  والآتي اعظم ،والباب مشرّع على مصراعيه لكل راغب في بلادي من اقصى الشرق الى الغرب البعيد ، ونحن على بُعدِ بضعة امتار ينقصها بعد نظر وقرار حكيم . فماذا بعد ؟
نعم ماذا بعد ؟
انتهت حربنا والقينا السلاح ووثقنا بالبعض فدفعنا الثمن في السجون في اعظم مهزلة قضائية عرفها القضاء اللبناني وكنا جائزة ترضية لكل من اراد . انتقلنا الى اسرائيل على امل ان تهدأ الامور ويعود العقل الى التحكم بالوضع اسوة بكل الحروب التي تنتهي وخاصة الاهلية منها ، ولكننا رأينا العكس تماما ، انتهت حربنا لتبدأ حرب اخرى في الصد والنكران والالغاء وعدم الاعتراف . دخلنا اسرائيل في دخول مؤقت ريثما تنجلي الامور ولكن سرعان ما تلبدت الغيوم وامطرت كرها ولؤما حتى اصبحنا اقرب الى النسيان في ذاكرة الزمان .
نيافة الكاردينال
ما بين زيارتكم الاولى عام 2001 وزيارتكم الآن تبدلت امور كثيرة ومهمة جدا :
بزيارتكم الاولى كنتم في رتبة مطران رعية ترعون امر العباد وتنقلون وجهات النظر والخيارات المتاحة الى المسؤولين والقيمين ، ولكنكم اليوم تتربعون على الكرسي البطريركي كاردينالا مشرفا للمسيحية وللشرق ولرسالة التسامح والمحبة ، فأنتم الآن اصحاب قرار ورؤية ومبادرة ولكلمتكم مكانة عالية في قاموس الحكماء والعقلاء.
حاولنا جاهدين ان نتأقلم في المجتمع الجديد بأقل تنازلات ممكنة ،ولكننا في دولة القانون والنظام . وحده القانون فقط الذي يضمن لنا الحق في العيش بكرامة وبحرية وعلى قدم المساواة مع مواطني الدولة وبنفس الحقوق والواجبات ، فلا مفر من المواطنة الكاملة عند السعي لغد افضل لأولادنا الذين لا ذنب لهم سوى انهم ابناء ابطال خسروا البطولة في جولة مزيفة ومشبوهة .
لا يتفاجأنّ احد في لبنان اذا ما رأى في المستقبل القريب ضباطا وجنودا إسرائيليين- لبنانيين في جيش الدفاع للدفاع عن دولتهم اسرائيل ، ولا يستغربنّ احد اذا ما رأى او سمع عن موظفين حكوميين لبنانيين في شتى مجالات التوظيف في دولة اسرائيل ، فلا تنسوا ابدا وتذكروا جيدا بأننا حاولنا مرارا وتكرارا التقرب والعودة المشرفة المحقة لنا ، وطالبنا بكل ما هو حق شرعي حسب الدستور وحق المواطنة وحقوق الانسان ، فكان الرد قاتما وقاسيا في لعبة المحاكم والعدالة .
اذا كنا نحاكم على تعاملنا مع اسرائيل ، فهل التعامل مع ايران وسوريا كان افضل ؟
واذا كنا نحاكم على حمل السلاح والقتال فهل كنا في الحرب وحدنا ؟   ولماذا لا يُحاكم من بدأ قبل بدء الحرب ، وقتل اهلنا ودمر بيوتنا واجبرنا على حمل السلاح ؟
واذا كنا نحاكم على خيانة فهذا يعتمد على تحديد هوية العدو الحقيقي للشعب اللبناني .
صيف وشتاء تحت سقف واحد ، تفرقة وجور وظلم هكذا اصبحنا في لبنان اصحاب بيت واهل ذمة .
سيدي
نتطلع الى وطن على قدر الحلم ، نتطلع الى وطن على قدر المحبة والوفاء ، ولا ضير في قول الحقيقة ابدا ، لقد عشنا الديمقراطية والحرية والمساواة، ولامست العدالة فينا كل جوانب الحقوق والواجبات . لقد عشنا الانتقال من ضيوف الى ابناء ولاحقا الى اصحاب حق ، ونتطلع الى اليوم الذي نرى فيه انفسنا في ربوعنا بين اهلنا واقاربنا ينعمون بكل ما نحن عليه الآن من امان وسلام وطمأنينة وعدالة .
سيدنا غبطة البطريرك
لقد رعيتم بالأمس القريب عودة اهل بريح في الشوف بعد معاناة طويلة واليمة داخل الوطن ،واكّدتم مع فخامة الرئيس والحضور الكريم على ختم آخر جرحٍ من جراح الحرب اللبنانية ،ففرحنا وبكينا على قدر عظمة اللقاء ولكنّني اسأل غبطتكم : هل كان ذاك فعلا آخر جرح ؟ السنا من عداد جراح الوطن التي لا زالت تنزف وتنزف ؟ ام اننا من عالم آخر لا يمتُّ بصلة الى وطن الرسالة ؟
تناقلت الالسن مرارا وتكرارا مسألة العفو العام عن ابناء الجنوب في اسرائيل ، ولسنا هنا في صدد تحليل هذه الخطوة وتداعياتها ونتائجها ، ولكننا نؤكد اولا وقبل كل شيء باننا لسنا بمجرمين ولا بمحكومين لنطلب العفو ، ولكن اذا كان لا بد من مخرج ما او عنوان ما لمرحلة طي هذا الملف فأننا نرحب بعفو تليه عودة مشرفة كريمة لكل اللبنانيين الراغبين بالعودة .ان مسألة العودة والخضوع للمحاكمة كما نسمع باستمرار، كانت ولا تزال حلا اقبح من مشكلة . فاذا كانت المحاكمة على من ارتكب جرما بحق الوطن او بحق المجتمع ، فهل نحن فقط من ارتكب هذه المخالفة ؟ وهل نحن فقط من حمل السلاح ؟ ولماذا نحاكم في حين يُعفى الآخر ؟
نعم سيدي ، نحن نقبل بالعودة والمحاكمة عندما نرى في لبنان رئيسا  فاسدا خلف القضبان ، ونقبل عندما نرى وزيرا او نائبا يُسأل ويُحاسب على اهمال ما او تقصير ما  ، ونقبل عندما تحزم الدولة امرها وتحاسب امراء الدويلات والمربعات ، ونحن نقبل بالمحاكمة عندما نرى قضاة لا يُباعون ولا يُشترون ولا ينحنون لرأي سياسي ولا لأمر ديني ولا لنفوذ مسلح ، نعم نحن نقبل بكل ذلك ولتكن محاكمة علنية وشفافة لكل مراحل الحرب ولكل ابطالها ،  ولكل من اطلق رصاصة ولكل من قتل ومن جرح ، فاذا كنا قد قاتلنا من اراد ان يقتلنا ويشرّدنا ويقتلعنا من جذورنا ، واذا كنا من وقف بوجه من اراد تغييرنا وجرّنا الى مشروعه السياسي والديني ، فأين الذنب بالمواجهة لنحاكم ؟  فنحن ايضا قُتل لنا المئات وجُرح الآلاف ، فهل ماتوا بسكتة قلبية ام انهم جرحوا بمباراة رياضية ؟ نعم ليحاكم المجرم ويبرأ البريء ، والى حين تحقيق هذه الامنية نتطلع من غبطتكم الى لفتة خاصة ورعاية ابوية واهتمام بالغ الشدة لأمور نراها من ضروريات تواصلنا مع الوطن الام :
اولا : العمل على السماح لنا بلقاء عائلاتنا واهلنا في لبنان على الحدود الدولية وتحت مظلة ورعاية الامم المتحدة اسوة بعدة اماكن ساخنة في العالم .
ثانيا : الابقاء على متابعة احوالنا الشخصية مع الجهات اللبنانية المختصة من تسجيل الزواج والاولاد والارث وما الى ذلك حسب الطرق القانونية المرعية الاجراء .
ثالثا : حرية التصرف بأملاكنا الخاصة من اموال منقولة وغير منقولة عبر الطرق القانونية المتبعة في هذه الاحوال .
 
صاحب الغبطة
لن نغير ولن نبدل ما تربينا عليه من الآباء والاجداد وسنبقى مخلصين للوطن ، وسنبقى ابناء فخر الدين وجبران والصدر ننشر الرسالة اللبنانية الحقيقية اينما كنا ، ونزرع ارز الرب حيثما حللنا .
سيدي
اننا نثمن زيارتكم الشجاعة المباركة ونتطلع الى حلٍ يكون على مستوى التضحيات والآمال ، ونحن اذ نضع مصيرنا ومستقبل اولادنا بين يدي من اُعطي مجد لبنان وعزته .
 
عشتم ودمتم رعاة المصالحة والوحدة والعيش المشترك الكريم، دمتم ذخرا للوطن
 
                      عشتم وعاش لبنان
 
 
                                                     العقيد نبيه ابو رافع
                                                      قائد اللواء الشرقي
                                                  في الجيش الجنوبي سابقا
                                                      27\5\2014