الأحد، 25 أغسطس 2013

شي سخيف


" كلمة بتجيبك ، وكلمة بتوديك "

مثل شعبي واقعي لاقى استحسانا وآذانا صاغية لدى شريحة كبيرة من الذين يسمعون اكثر ممن يتكلمون ، ويصغون اكثر ممن يدعون. هؤلاء هم الذين اوجدوا قيمة الكلمة من خلال قيمتها بالذات ، لا من قيمة متكلمها ومطلقها ، واذ بنا امام متحرك لغوي يهينُ احيانا وينصفُ احيانا اخرى ، فالكلمة ميزان القيم ومفتاح التلاقي ومدخل الاحترام والتقدير .

اخي القارئ

لقد احتارت الكلمة في إيجاد اللسان المناسب لها ، لينطق بها ويوصلها الى مسامع المحتاج والمتشوق. لقد احتارت الكلمة في ايجاد الشخص المناسب لتتبناه وتمضي معه الى الغاية المنشودة في صقل الفقه والقواعد والتعابير ، ولكن ،،،

هل يجوز ان ننسف مبادئ الكلمة بأذية الاذن الحاضنة لها ؟

اليس من السخافة ان نلعن الكلمة بكلمة هي من امها وابيها وعائلتها ومن نفس نسيبها الازلي ؟

اقف امام أمرئ متكلم بصفة القائد او الراعي او المصلح للجماعة، واحاول ان اجهد في فهم فهمه لقيمة الكلمة وقوة وقعها على اذني ، انا السامع المنتبه . انه يؤلمني ويقلل من احترامي حين يفرش الورق بسخافات لغوية لا يقبلها عقل ولا يهضمها منطق . تتوالى السخافات تلوى سخافات حتى يصبح من السخافة ان لا استمع الى تلك السخافات بل من المحرم عليّ ان لا انحني امامها ان لم اقل ان اقدسها واعبدها . نحن اليوم امام سخافات من نوع جديد دخلت قاموس اللغة اللبنانية ، لغة تهذيب الشعب واعادة تصحيح ماضيه وحاضره ورسم مستقبله بتسريحة لا تحتاج الى شعر لتقصه بل الى رأس لتلعب فيه .

عجبا !!! عجبا !!!!

يصدقون انفسهم بانهم اصحاب لغة واصحاب مقامات وبحور في فن الخطابة والإلقاء ، ولا يدركون ان سخافاتهم اصبحت نكتا ونوادر لكل امسية وجلسة ، هؤلاء السياسيون الحمقى الذين بسخافاتهم صدقوا ان الماء الساخن هو اختراع ....

عزيزي القارئ

لا يزال الوطن يمر في اصعب مراحل تهدد بقاءه كوطن وشعبه كشعب واحد متماسك حر كريم ، ولا يزال السياسي عندنا عند سخافاته وآرائه يرشق السامع بما وصلت اليه الشفاه وبما حاكته ارجوحة فكيه وعظمة لسانه ، في وقت اصبح فيه المواطن اقرب للحجر منه الى البشر .

تتلاعب بنا ايادي غريبة ونحن نعلم جيدا من هي ، وفجأة يطل علينا احدهم وسط الغبار والدخان عارضا بل فارضا الحقيقة التي يراها ، ونسأله عن اصلاح الوضع السيء وعن المستقبل الغامض ، وعن مخافة الله في عبيده ، نسأله الحد من الايادي العابثة ، فيخرج ماسات الكلام المصقولة : اسرائيل هي المستفيدة ، اعلموا جيدا ان العدو يريد التفريق بيننا ويريد زرع الفتنة ،،، ويعلو صوت امرأة تصرخ : هل رأى احدكم ولدي ؟ اني ابحث عنه منذ الكارثة ساعدوني ،،،، يتقدم منها ذلك الاسطورة الوطني الخام ويطبطب على كتفها : جازاك الله خيرا وانعم عليك بشهادة ابنك فأنت من الرابحين ونحن المتمنين ان نحذو حذوك .... وهكذا نكون قد لقنّا العدو درسا قاسيا في الوطنية والتبعية وطأطأة الرأس والطاعة العمياء، والاستسلام والتسليم.

شي سخيف ؟

ان يأتي حكيم من العالم الرابع او الخامس ليدون لنا بضعة ملاحظات عن حقوق الانسان وسط الحطام ويصرخ : لا يجوز ابدا ابدا سنعمل على ابعاد هذه الكأس عنكم بإقفال ملف الارهاب عندكم ، وان ما لديكم هو جوهر الديمقراطية وحقوق الانسان . اليس من السخيف ان يضع الاتحاد الاوروبي الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الارهاب ؟ واين سيضع جناحه السياسي الذي عطل البلد وعطل الديمقراطية التي يدعو اليها الأوروبيين ؟ واين سيضع جناحه المالي الذي اشترى النفوس قبل الارض ، وفرض الخوات وبيض الاموال ومارس التهريب والتجارة غير المشروعة ؟ اين سيضع جناحه الديني الذي كفّر الجميع وانكر انسانية الجميع واخذ الجميع الى تبعية الفقيه وسجن الولاية ؟ واين سيضع جناحه التربوي الذي تعب في تعليم الصغار كار الكبار؟ اني اسأل الاوروبيين ماذا تعرفون عنا ؟ وماذا تعرفون عن الشيعة وعن السنة وعن الدروز وعن .. وعن.. وعن ، بل ماذا تعرفون عن المسيحيين بحق ؟ ؟ اليست سخافاتكم هي التي اوصلتنا الى ما نحن عليه ؟ اليس تقاعسكم عن قول الحق وعن مساعدة المحتاج هي ما اوصلت العباد الى هجر البلاد ؟

ايها اللبناني المسكين

حكومتك تقدمت بشكوى ضد اسرائيل لانتهاكها للمجال الجوي اللبناني ، هذا حق متعارف عليه وهذا يندرج ضمن المنظومة الدولية التي رحب بها لبنان بل كان من مؤسسيها ولكن ، الا يجب ان يتقدم لبنان ايضا بشكوى ضد الاعتداءات السورية اليومية والتي تودي بأرواح المدنيين العزل ؟ الا يجب ان يتقدم لبنان بشكوى ضد التدخل الايراني بشؤونه الداخلية ؟ الا يجب ان يتقدم لبنان بشكوى ضد السعوديين والاتراك والمصريين والروس والصينيين وكل من يتكلم لغة لأننا اصبحنا مكسر عصا للجميع واصبحنا كرة تتقاذفها ارجل المجتمع الدولي ؟ لماذا ؟ لاننا ضعفاء ومستسلمون ومتخاذلون نفسح المجال لكل من يريد الشر بنا ونترك خياراتنا وورقتنا بأيدي سياسيين سخفاء .

من حمل السلاح مرة لا يخاف حمله مرة ثانية ، ومن صان استقلاله مرة يستطيع صونه ثانية ، ومن دافع عن الهوية مرة يستطيع ان يضحي من اجلها دائما ، ومن عاش الحروب كخبزه اليومي يستطيع ان يجعل الامن والسلام والحرية والكرامة خبزه ايضا ،
قف ايها اللبناني على رجليك وخذ قرارك بيديك واصرخ للوطن لبيك ، لننبذ العنف والارهاب والتبعية والولاء والانتماء وكل ما يبعدنا عن وحدتنا الوطنية ولنقف مرة واحدة ضد الارهاب بكل اشكاله ولمرة واحدة دون سخافات

الاثنين، 5 أغسطس 2013

الداء الوباء


لا اخفي سرا بأني مللتُ من سماع كلمة الديمقراطية ومن نغمتها ولحنها والترويج لها ،ولا اخفي سرا بأني اصبحت من الحاقدين عليها وعلى كل الذين يتبجحون ويطبلون لها . لماذا يا ترى ؟ وكيف لي ان افسر ما يجول في خاطري عن هذه اللعبة الآفة كما ادعوها ، او عن هذا الوباء الذي اصاب غالبية سكان الارض ، او ربما سيصيب ما تبقى من شعوب لم تلتفت جيدا الى من سبقها في ركب هذه الديمقراطية ، بدءً من الهند وباكستان مرورا بروسيا الحديثة وصولا الى العراق وافغانستان وفنزويلا ودول اوروبا الشرقية المولودة حديثا والقائمة طويلة وطويلة ، بانتظار وصول ابطال التغيير ومنقذي الشعوب من ظلم الديكتاتورية الى عبودية الديمقراطية .

عزيزي القارئ

ربما تتساءل عن الدوافع وراء هذه القراءة الجديدة والمستغربة للديمقراطية ، ويمكن ان تأخذك الظنون الى بعض الجنون في فنون صياغة الكلام واللعب على الحروف . ان الحقيقة تبقى حقيقة ولا شيء يغيرها على الاطلاق ، والوقائع التي تدور كل يوم في العالم اجمع هي خير دليل على اتجاه الديمقراطية المغلوط ، وعلى مفهوم الديمقراطية منذ القدم على انه مفهوم خاطئ وذي قراءة مغلوطة .

ان مفهوم الديمقراطية الرائج منذ القدم هو القبول او الخضوع والمضي بقرار الاكثرية ، اي ان الانسان يخضع لقرار العدد بغض النظر عن نوعية هذا العدد وعن خلفياته الدينية والاجتماعية والثقافية ومدى ادراكه للحس السياسي المسؤول ، اي بمعنى آخر ان القرار الصائب والحكيم والفائز هو نتيجة احتساب الارقام وجمعها ومقايضتها وتجييرها ، والنتيجة النهائية هي ديمقراطية بمفهوم حضاري وان الشعوب تقرر مصيرها بنفسها وان الارقام تشهد على ذلك وما على المجتمع الحريص على النظام الديمقراطي الا الخضوع والقبول والمباركة لقرار الارقام وسلطة الاعداد .

اخي الديمقراطي

لنبسط الامور اكثر ولننزل الى اسفل الهرم في مجتمع نختار عدده على سبيل المثال ونختار مكانه على انه من دول العالم المتطلع الى الديمقراطية .لنقل صديقي القارئ بأننا في بلدة تعدادها خمسة آلاف ناخب وان من يفوز بالأكثرية يصبح العمدة ورأس الهرم الاداري فيها . لنقل ان هذا المجتمع يضم مذاهب مختلفة وتيارات دينية تحتمي بالديمقراطية وتمارس الضغط الديني من جوانب الارشاد والايمان فتأتي نتائج هذا الانتخاب حسب ارقام وعود الجنة والخوف من النار كما هو الحال في ايران مثلا ، وتقرع الطبول وتنفخ المزامير بانتصار العرس الديمقراطي وكلمة الشعب ضد من ؟ لا ادري ، ربما ضد العلمانيين او غير المتدينين الكفرة الملحدين ، او الشيطان او صاحب كل ربطة عنق او حذاء لماع .

لنقل أيضا صديقي الصبور ان غالبية هذا المجتمع هم من الجهلة غير المتعلمين ولا يفقهون القراءة والكتابة ، وينال الاكثرية واحد منهم في انتخابات حرة ونزيهة ويتوج الجاهل عمدة البلدة ويرمى بالمهندس او الطبيب في سلة الخاسرين حسب النظام الموقر ، فنكون بذلك قد وصلنا الى ديمقراطية الجهلة الشفافة .

من ناحية اخرى ، لنقل ان غالبية سكان هذه البلدة هم من اصحاب السوابق وان الحاجة ملحة للإصلاح والتوعية ، فتأتي نتائج هذا الاقتراع بفوز احد اصحاب السوابق او لنسهل الامر احد الاشخاص غير المحمودين ، فبذلك نكون قد وصلنا الى ديمقراطية نوعية تفرز نفس النوع الذي لا رجاء منه للتغيير وبالتالي فقد فقدت العملية الديمقراطية الهدف المرجو منها .

اخي القارئ

ان تسويق الديمقراطية وفرص نجاحها يتطلب شروطا وضوابط في المجتمعات والا كانت من الديمقراطيات التي ذكرت بعضها . اذا لا بد من ذكر بعض المتطلبات لدفع العملية الديمقراطية قدما :

اولا : يجب ان يكون المجتمع متجانسا ومتقاربا بالتحصيل العلمي والثقافة العامة قدر الامكان .

ثانيا : يجب ان يكون هذا المجتمع على قدر متساو في الادراك العام للحس الاجتماعي والتربوي .

ثالثا :يجب ان يحظى هذا المجتمع بالتنوع الاكاديمي ومن اصحاب الاختصاص وبالتالي بالتنوع المهني الذي يدعم فرص التنافس الموضوعي على الخدمة العامة .

رابعا : يجب ابعاد التطرف الديني والعقائدي والعنصري من خلال مجتمع يحترم الدين بالقدر الذي يصون فيه الحرية الفردية وقبول الرأي والرأي المضاد في مستوى واحد من الوعي للذات والكيان .

خامسا : يجب ان يكون مجتمعا مكتفيا ذاتيا وعلى قدر جيد من الدخل الفردي وان ينعم باقتصاد متين وقادر .

ان المساواة التي تنادي بها الديمقراطية تخص الانسان كإنسان فقط اي الانسانية بشكل عام وكلنا خلق الله ولا تمييز في البيولوجيا ،ولكن الا يجب ان تفرق الديمقراطية بين صوت وآخر كما الحال في الراتب بين شخص وآخر ؟ لماذا يتقاضى هذا الشخص راتبا اكثر بكثير من ذاك الأخير ؟ نعم ان هذا الطبيب مثلا تعلم ودفع الكثير من المال حتى وصل الى ما وصل اليه ، كذلك المهندس والمحامي وكل صاحب مهنة علمية او ادبية ، ونرى في المقلب الآخر مجرما قضى وقته في الاجرام او بائع مخدرات زرع الوباء والفساد او آخرا لا يعمل شيئا سوى العيش عبئا على المجتمع ، كلهم في لحظة واحدة نراهم يصوتون ويتساوون في الحقوق المدنية العامة بل اكثر من ذلك يشاركون في صنع قرار مهم يخص المجتمع والعامة دون ان يكون لهم مكانة في هذا المجتمع ودون ان تكون لهم اية مشاركة فعالة في استمرارية وبقاء هذا المجتمع . اذا كان المجتمع المدني قد ميز ما بين الطبيب والقاتل وما بين الامي والمخترع فلماذا لا يميز بينهم في قيمة الصوت الانتخابي ومدى فعاليته في احداث تغيير ما ؟

صديقي القارئ

الا تعتقد ان الدعوة الى الديمقراطية في افغانستان مضحكة بعض الشيء ؟ الا ترى ان الديمقراطية في لبنان هي فيلم كاو بوي من الغرب الاميركي ؟ الا تعتقد ان الديمقراطية في العالم الاسلامي كالرقعة البيضاء على ثوب اسود ؟ الا ترى ان معظم الديكتاتوريات في العالم تختبئ خلف الديمقراطيات المزيفة ؟ وبالنهاية الا ترى معي مدى غباء الغرب وحكوماته بالسعي للتسويق للديمقراطية لدى الشعوب التي تراها شيطانا وكفرا واستعمارا ؟ الا ترى معي بان كل تغيير باسم الديمقراطية يجيء بديكتاتورية اشد ظلما وقهرا من سابقتها ؟

اخي القارئ

 حتى نعي ما نحن فيه وحتى نعي ما نريد ان نكون سنبقى ندفع ثمن الديمقراطية دون ان ندرك اننا واياها خطان متوازيان لا يلتقيان ابدا ، ابدا ،،، ابدا ..