الاثنين، 8 أبريل 2013

المسيحيون ما بين الاقدام والأقدام


يحكى ان رجلين حكيمين كانا يتجولان بين القرى والبلدات مستطلعين احوال الناس وطرق عيشهم وحسن تدبيرهم لأمورهم . صدف انهما مرّا بقرية احسن اهلها استقبالهما وضيافتهما ، ففتحوا لهما صدورهم وبيوتهم ، فاستمتعا وطابت لهما الاقامة في ربوع تلك البلدة الهادئة الهانئة .لكن لكل شيء نهاية، فقد حان وقت الرحيل فودِعوا كما استِقبلوا بنفس الحفاوة والتكريم والدعاء بالتسهيل. غادر الرجلان وهما في حنين العودة والمكوث مطولا في تلك البلدة ،وقادهما هذا الحنين والشوق الى بلدة مجاورة فدخلاها على امل لقاء شبيه بذاك اللقاء السابق .

كم كانت المفاجأة كبيرة ومريرة عندما لم يلقيا الترحيب ولا الاستقبال ولا حتى الرد على السلام وطرح الوقت ، وجوه سوداء لا تأنس النور ولا البسمة ، ابواب موصدة ونوافذ مغلقة وان صدف ان وجِد بعضها مفتوحا فهو من سوء صناعة او خراب مستجد .التفت احدهما وقال : لنغادر بسرعة قبل ان نرى المزيد المخزي ، عجبا  عجبا ،،، لا تفصل بينهما سوى بضع تلال ، يشربون نفس الماء ويأكلون ذات الثمار ، ويتكلمون اللغة الواحدة ، فلماذا هذا التباين والاختلاف ؟

لا ادري ، اجابه رفيقه ،،، ولكن الذي اعرفه جيدا هو وجوب المغادرة فورا وبسرعة . لعن الله هذه البلدة واللعنة على سكانها وقاطنيها وحتى عابري سبيلها ، فوالله ما مررت بحياتي ببلدة اسخف واحط وانذل منها ، لعنها الله وقطع دابر اهلها . قاطعه صاحبه قائلا: لا،،، لا ،،، لا تدعي عليهم يا صاحبي بل ادعي لهم . قال له : ادعي لهم ؟ نعم ادعي لهم بتعدد رؤوسهم وزعاماتهم فهذا كفيل بأذيتهم وتفرقتهم وهدم حياتهم ، واعلم يا صاحبي : ان اردت اهلاك امة او شعبا فادعي لهم بتعدد الزعماء والمسؤولين ، فكلما تعددت الزعامات كثرت التفرقة والنزاعات ، فوالله ما قاد راس حكيم امة الا ونجحت وازدهرت ، وما تعداد الزعماء الا لكثرة البلاء والوباء .

عزيزي القارئ

لا اقصد الاذية ولا اقصد الاهانة ولا الحط من القيمة او القدر ، بل كل ما ابغيه هو تسليط بعض الضوء على حقائق عشناها منذ فجر الاستقلال . لا شك في ان المسيحيين كان لهم الدور الاكبر والابرز في استقلال هذا الوطن ووحدة اراضيه ولا شك ابدا في ان الدور المسلم لا يقل اهمية بحيث ان هذا الدور قد حافظ على عروبة لبنان بوجهها الغربي ، وبمعنى  آخر ان المسيحي قد ثبت الاستقلال من الغرب والمسلم حافظ على هذا الاستقلال من العرب . ولكن.....

عزيزي القارئ

منذ الاستقلال واللبنانيون وعلى مختلف طوائفهم ومذاهبهم وقعوا ضحية الخيار المسيحي والقرار المسيحي بدءًا من ميثاق 1943 وصولا الى المارونية السياسية التي ابدعت في رسم الدور المسيحي الوحيد المنقذ للبنان ، ورغم ذلك فان غالبية اللبنانيين كانت مؤيدة بطريقة او بأخرى لتوجهات المسيحيين وخاصة بعد اتفاق القاهرة وبدء ضياع لبنان بين اقدام الاخوة العرب .

ان الخيار المسيحي وخاصة في عقود الجمهورية الاولى ، قد قضى بشكل تام على خيارات الفئات المعتدلة لدى الطوائف الاخرى في لبنان ، اي انه قضى على ما كان يسمى باليمين المسلم والدرزي . ان العودة الى الوراء ولو بسرعة نرى مدى تأثير هذه الخيارات بالقضاء على اليمين اللبناني المعتدل المتمثل :

اولا : بالزعامة الشيعية في الجنوب المتمثلة " الرئيس كامل الاسعد" وزعامة الرئيس صبري حمادة في البقاع ، وصولا الى القضاء على زعامة ودور الرئيس حسين الحسيني بعد اتفاق الطائف وبداية الجمهورية الثانية .

ثانيا :الزعامة السنية في بيروت المتمثلة بالرئيس صائب سلام والرؤساء من آل الصلح والذين كانوا امتداد الزعامة السنية اليمينية لرياض الصلح ، ناهيك عن الزعامات الاخرى من آل شهاب والبزري وغيرهم .

ثالثا : الزعامة الدرزية اليمينية المتمثلة بالارسلانيين بزعامة الامير مجيد ارسلان

ان الصراعات المسيحية على الزعامة اللبنانية ،وعلى زعامة لبنان العربي ، والخوف على عروبة لبنان ، والنأي عن العروبة ، والابتعاد عن الغرب ،وتبني القضية الفلسطينية ، وخيار الحياد وقوة الضعف ، قادت الى صراعات وخيارات كان فيها لبنان الوطن بين الاقدام السياسية والقرارات العبثية ، اذ مزقته الحروب الطائفية والمذهبية . انصافا للتاريخ ، لم يكن المسيحيون وحدهم في هذا السياق بل ان المسلمين ايضا قاموا بتحالفات خارجية والدروز كذلك ولكن الخيار المسيحي يبقى الخيار الاكثر تأثيرا على مجريات الامور في الداخل اللبناني . هذه الخيارات التي مزقت الصف المسيحي وهدمت البيت المسيحي على رؤوس ساكنيه جميعا ، نرى ان بعضها قد عبر الحدود وانطلق الى المحاور الاقليمية القريبة والبعيدة بدءا من اسرائيل وسوريا وصولا الى العراق ومصر وايران مرورا بالسعودية وقطر ، هذا بالإضافة الى التحالفات التقليدية او التبعية المتبعة للغرب وانظمته .

ان القضاء على اليمين المعتدل في لبنان قد فتح الباب على مصراعيه لنمو التطرف والاخذ بالنظام الاحادي الراس والقرار ،وايديولوجيات غريبة عن النسيج الوطني اللبناني وغريبة عن التربية السياسية اللبنانية وهذا الامر تجلى بحزب الله الذي اشتد عوده بعد تحالفه المتين بالنظام السوري ، علما بانه مُنتج ايراني ونسخة عن ولاية الفقيه واولوياته تأتيه عبر البريد وفقا لأجندة صانعه. ان تعاظم هذا التطرف قاد الآخرين اليه من الطوائف الاخرى والذين اعتنقوا التطرف الديني والسياسي والعقائدي بوجه الآخرين بعد ان كانوا بالأمس القريب محسوبين على اليمين المُدمّرْ بالخيار المسيحي سابقا . الغريب في الامر ان هذه الخيارات قد وصلت الى نقطة الدمار الذاتي والضياع لصاحب القرار نفسه ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، ورقة التفاهم بين التيار العوني وحزب الله ، هذا الخيار المسيحي الذي اعطى الحزب الغطاء المسيحي اللازم للمرور بين نقاط الانتقادات العالمية ، وبين سطور الديمقراطية الدينية والتعددية المسموح بها من خلف الكواليس المظلمة ، هذا الغطاء الذي غطى لبنان كله وادخله في ليل حالك من السياسة العمياء المدمرة واذ بنا نرى ان المسيحيين قد انتقلوا بالبعض منهم من الإقدام على القرارات الشجاعة الى الأقدام التي داستهم ولا زالت تدوسهم في سياسة التبعية والانجرار ، ايضا على سبيل المثال لا الحصر (الارمن ) ، هذا بالإضافة الى الخيار المسيحي السابق المتمثل بالرئيس الراحل سليمان فرنجية ، وبتيار المردة بزعامة سليمان فرنجية (الحفيد) والذي كان لهما الفضل في اعطاء الغطاء الاول للنظام السوري واعطاء الضوء الاخضر للانقسام المسيحي الحاد بعد احداث كان من الممكن التعالي عليها والمرور فوقها حقنا للدماء وصيانة للصف المسيحي وبالتالي صيانة للوطن كله .هذا لا يعني ابدا بأنني اعفي ساحة القوات اللبنانية والكتائب والذين كان لهم الدور المدمر والمقسم في خيارات جنونية اوقدت نار الانقسام الطائفي والوطني خلال الجمهورية الاولى والتي دفعت بالمسلمين الى الارتماء بأحضان منظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة الجبهة اللبنانية ، مرورا بحرب الجبل والتي فرضها قرار احمق مرتبط بخيار خارجي اشد حمقا وخطورة ، وصولا الى حرب الالغاء المسيحي او حرب فرض الطائف والقبول به بين عون وجعجع ، وعلى امل الاتعاظ من تلك الاحداث والعودة الى سياسة الاعتدال وقبول الآخر نرى ان تعدد الخيارات المسيحية القاتلة في الجمهورية الاولى والثانية يجب ان تكون محط بحث ودراسة واعادة تموضع وتفكير خوفا على الجمهورية الثالثة التي انطلقت شرارتها بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وصحوة اليمين اللبناني ثانية واعادة استنهاض القوى التي غُيبت او غابت عن الساحة السياسية اللبنانية على مختلف مذاهبها .

اخي القارئ

لا بد من وقفة مسيحية صادقة ، دينية بالدرجة الاولى بعد ان ذهب المسيحيون الى حد الانقسام الكنسي المتمثل برأس الكنيسة المارونية وبسيد بكركي ما بين الكاردينال صفير والكاردينال الراعي ، وكأننا امام كنيستين ومارونيتين سياسيتين جديدتين وبكركي مقسمة الى قسمين ، وهل هذا هو خيار يخص المسيحيين فقط ؟

 

اخي القارئ

بالعودة الى المقالة التي كتبتها بتاريخ 25-11 -2011 (الخوف المسيحي ) ، ارى نفسي ملزما بشدة بإعادة التركيز مرة اخرى حول ما كتبته بالنسبة الى اليقظة المسيحية المطلوبة والالحاح ايضا على القادة المسيحيين للالتفاف مجددا حول مصلحتهم هم بالدرجة الاولى ،

ايها المسيحيون :

 

آن الاوان للتوحد ، آن الاوان للتكتل ، آن الاوان للتنازل الايجابي ، آن الاوان لقبول الاخر ،،،

آن الاوان للعودة كلنا الى الإقدام والخروج من بين الأقدام

 

 

 

 

الخميس، 4 أبريل 2013

الرسالة التاسعة


                                     الوطن

اني اكره لبنان ، لأنه جعلني كافرا بعبادتي له .

جاهلي انا ، جاهلي في الايمان والتقوى في الخشوع والخضوع والطاعة ،في الحب والتضحية والفداء ، جاهلي انا يا وطني ويا ليتها تنمو وتكبر وتنتشر وتعدي من حولي لنصبح جاهليون نعبد هذا الجسم الذي لا حدود له ، انه روح من روح كل مواطن ، انه لبنان انه وطني انه جاهليتي ، انه الذي اعبد واجل رغم الديانات والانبياء والمرسلين . انا عابد الحجر ، عابد الشجر ، عابد لبنان .

يا بني

لا اجد الكلمة المناسبة والملائمة لأبسّط لك الوطن وما يعنيه ، ولا اجد الطريقة السهلة لان اصف وجود الوطن داخل العرق النابض ، ولكنني سأمثّل لك كيفية زراعة الانسان في الارض فينمو بفضل الماء والهواء وينتعش ويشمخ ويكبر ورجلاه تغذياه من تلك الارض الطيبة ، وتأويه وقت يحين موعد الغفو الهنيء ، انه الوطن ... لحاف دافئ وطمأنينة دائمة... وحب لا يبرد.

يا بني

ان الوطن هو انتماء وولاء ،

انتماء في الحضور المميز والرفعة والفخر حين تسأل : من انا ؟ ....

وولاء في التضحية والدفاع والمحافظة حين تسأل : لمن انا ؟

اذا عرفت الاجابة الصحيحة تكون عندئذ قد ادركت وطنك فيك ، وعرف وطنك طريقه اليك ، واعلم يا بني انه حين يضعف الانتماء يصغر الوطن ويضمحل ويتقوقع ، وحين يتجزأ الولاء تتشقق صورة الوطن ويضيع ، فانت ما بين الانتماء والولاء اساس الاستمرار والبقاء .

وطنك ارزة وسنديانة وشجرة زيتون ، انه الجبل والسهل والساحل ، انه النهر والجدول والشلال ، انه صنين وحرمون ، انه الرؤيا التي لا تنتهي والامل الذي لا يفارق ، انه جبلة الاحرار والابطال ، انه السيف والساعد والقلم ، انه لبنان ما قبل التاريخ وما بعد السطور انه الوطن الذي نُحسد عليه ولا يُحسد بمن فيه ، انه انت وانا وهم وهؤلاء ، انه الجمع للجميع والواحد للجميع والباقي للجميع فلا تضيعه ابدا لأنك ستضيع وستضعف وستعود من جديد كطفل رضيع فوق رصيف النسيان والاهمال .

يا بني

عندما كنت صغيرا كنت انتظر يوم الاحد بفارغ الصبر لأرى كاهن البلدة وهو في طريقه الى الكنيسة ولسماع تراتيل لم اكن افهم منها كلمة واحدة بل كانت تأنس لها اذني وترتاح لها روحي ، وكم كنت اجلس كل ظهيرة يوم لسماع آذان جامع بلدتنا ولأهذب نفسي بكلمات قاربت معانيها ما كنت اسمعه في الكنيسة. يا بني ، كنا لا نعلم اذا كان عيد الميلاد للمسيحيين والاضحى للمسلمين بل كنا نعلم بأن هذه الاعياد هي لنا كلنا وانها اعياد الوطن كل الوطن ، كنا نحتفل ونحتفل ونخرج بأبهى حلة ، يد بيد وكتف قرب كتف نعيد ونهنئ وندعو بالخير للجميع .هكذا تربيت في بلدتي وهكذا كبرت على حب هذا المجتمع وهذا البلد وهذا الوطن ، احببته منذ صغري ولم اعرف ابدا ان كان يحبني ام لا ، لم اسأله ولم احاول مجددا ان اسأل بل كنت اكتفي بالهواء النقي والماء العذب والثمر الطازج ، بالرفقة الحميدة والصداقة الصادقة ، بالمجتمع الآمن المسالم ، هذا هو وطني الذي ولدت فيه وهذا هو حبي الذي احيا من اجله .

يا بني

نقف على اطلال وطن بنيناه بالدم والعرق والعزم والامل ، نقف امام شواهد كانت شاهدة على الاقدام والتضحية ، نقف امام حلم تبدد واضمحل من عدم يقظة الحالمين ، نقف يا بني امام بشر قدسوا الحجر فاصبحنا دمى لا حياة فيها ، اسدلوا الشوارب فغابت الابتسامة وارخوا اللحى فتشوه الوجه ، فنحن ما بين الشارب واللحية فم يأكل ويشرب ،،، ويصمت ،، ويصمت .

ان قلبي يعصر الما ، وان خاطري مكسورا ، وانا الملم ذكريات كانت بالأمس القريب مدرسة للوطنية الصحيحة ، اني ابكي على ما كنت اهوى واقدس ، اقف عاجزا عن النطق وعن الفهم وعن الاجابة ،،،، من نحن ؟  ولمن نحن؟ ،،