الاثنين، 5 نوفمبر 2012

الرسالة الرابعة

                                    السيدة الاولى

 سيدتي ،،، اني ابذل جهدي لأفتح الباب لك وارجو المعذرة على هذا التأخير غير المقصود اطلاقا . احاول فقط ان استجمع قواي وان اثبت خطاي لأصل واقوم بواجب الخدمة والطاعة .اعذريني على بطء تحركي لأن العمر اخذ مني السرعة ولكنه لم يأخذ الدقة . اعذريني على بطء تجاوبي لأن السنين اخذت سرعة البديهة ولكنها لم تأخذ مني الحكمة ، اعذريني على الهندام والشكل ، فالهم امعن في رسمي ولكنه فشل في تغيير أصلي .
اعذريني سيدتي ، اني احاول ان اكون كما كنتُ دائما ، عسى ولعل ولربما ان اكون كما ارغب حين لن اكون . سيدتي ، انت ايتها الحياة لطالما هويناكِ وعشقناكِ ورغبناكِ ، ولطالما شتمناكِ وكرهناكِ ، ولكنك ستبقين الامل دائما في كل نفس ، والرجاء لكل بقاء .
القطار يسير سيدتي برحلة لا عودة فيها، يتوقف فينزل البعضُ، والبعضُ الآخر يقفز من النافذة غير مبالٍ بهذه الرحلة. خيارات متناقضة وقرارات متعددة ويسير القطار سيدتي مجددا ومجددا.
نعم ، افقتُ ووعيتُ على هذا الضجيج ووجدتُ نفسي مرغما على اخذ مقعد والجلوس بانتظار ان يتوقف القطار عند اشارة موقفي الخاص ،،لأنزل ... ترى هل اقفز من النافذة كما فعل الراكب الآخر ؟
سيدتي
اكرهكِ لأنك الجزء الأغلى والاثمن لأقدسِ قُدسيّةٍ قُدِّستْ رغم انك في متناول الجميع .
احبكِ لأنك ارخص وابخس ملك يملكه من يهتم ومن لا يهتم على حد سواء في ملكية لا يملك منها شيئا .
انتِ ما بين الحب والكراهية وحدة لا تتجزأ، لا تفنى ولا تغيب ولا تزول ، تنتقلين بأثواب مختلفة وتتجولين كما تشائين ، تتكلمين كل اللغات وتُتقنين كل الشعائر  حافظة الخير والشر ، انكِ يا سيدتي اللغز الأكبر والمحير اكثر، فرجائي ان لا تطيلين البقاء فكلما مكثتِ اكثر زاد المي وكبر همي وعظمَ عجزي ، فاسْرعي بالغروب ليُسرع شروقي من جديد ولك كل الشكر والامتنان .
سيدتي
لو خيرتُ لاخترتكِ ولن انزل من القطار طوعا ، ولكن المشكلة في ان الباب يُفتح فجأة دون سابق انذار او اشارة تنبيه ، ولهذا احاول ان لا اجلس قرب النافذة ولا الباب ، سأفتش عن مكان وسطي تحيط به جدران عالية ومتينة علّها تقيني هزات الوصول ، ومع هذا فأنا على يقين باني سوف اترككِ دون وداع ومن دون اذنٍ وهذا بالفعل ما يُريحُ ويُطمئنُ بعدم رؤيتكِ ساعة الرحيل ولن تُذرفَ دموع الوداع والفراق. لا ادري ربما تنزل دمعة او دمعتين لرفع العتب وتمشيا مع العُرف والتقاليد وليكن الله في عوني عند اللقاء مرة اخرى .
سيدتي
عشتكِ افضل واكثر سعادة من اي مخلوق آخر قال او جزم بأنه سَعدَ وتهنى فيك .
سيدتي
عشتكِ اكثر واشدّ مرارة من اي مخلوق آخر قال او جزم بأنه ذاق طعم المر والحنظل والاهانة .
حطمتُ الصعاب وقهرتُ المصائب وصبرتُ على الصبر حتى غيّر مذاقه وبدّل صفاته . كنت فيك الطفل البريء والفتى اللعوب والشاب الطموح ، حتى اصبحتُ ذاك الرجل الذي لا يُقهر الا من ذاته ولا يُذل الا من داخله .
كبرتُ ولا زلتِ سيدتي يافعة وشابة ، عجزتُ ولا زلتِ في ريع شبابكِ ، فما انتِ الا ينبوع تجدد ، وحفنة تجارب ، مدرسة لا معلم فيها ولا كتاب ،تلامذة انهالوا على علمٍ دون احرفٍ ، وعلى حسابٍ دون ارقام .
يا ولدي ،،هذه هي سيدتك ، ولن تكون سيدتك الا اذا احترمتها وقدرتها ، ولن تكون سيدتك الاولى الا اذا وضعتها في قدسية تستحقها ، انها سيدة لا تحب الرجال بل المواقف ، ولا تهوى الانسان بل الانسانية ،واعلم بانك عابر سبيل وراكب قطار لا اكثر ولا اقل .
ايتها السيدة الاولى ، يا بداية اللانهاية ، يا عَظمة الوجود وسر الخلود ، انت الحياة ويْحُكِ ما اجملكِ وما اثقلكِ وما اقصركِ.
                                                                والدك