الاثنين، 30 يوليو 2012

الوطن الضائع

سئمت الجلوس ومشاهدة الشاشات والاستماع الى الاخبار، سئمت المواقف والاقوال ، سئمت التهديد والوعيد ، سئمت الانذارات والعقوبات ، سئمت المنابر وابطال الحناجر ، سئمت من كل هذا حتى احببت انقطاع الكهرباء شبه المتواصل وهنأت اللبنانيين على خلاصهم من هذه اليوميات المملة .
اخي القارئ
نحن ..؟ وكالعادة نحول الهزيمة الى انتصار ونطبل ونزمر ونختلق ونصدق ،ونحول الانتصار اذا ما حصل ( وباض ديك الزمان ) الى كابوس يطيح برؤوسنا وهاماتنا ويجعلنا اسرى احلام تخطت الواقع والمألوف . هكذا نحن ملاّكي لبنان ومستأجريه نحاول التكيّف بما يناسبنا ويلائم نفوسنا ، بل نحاول ان نجعل انتصار الآخرين هزيمة وهزيمتنا انتصارا فنخرج بوباء وببلاء وبسوء تقدير ليتحول هذا المُنتج الى سوء طالع يطالع النازل والطالع .نهشنا روحنا واجسادنا في حرب لا عرفت الاهلية ولا الاقليمية ولا الدولية ، بل كانت حرب العصبية من عصب المذهبية وتعصب الطائفية ، فقتلنا وطننا الذي لم يولد اصلا كما يجب دون ان نحاكم القتلة ، ودون لائحة اتهام ولو حتى غيابية ، وكأن القتل عندنا تقليد او عرف ، وللأسف اصبح هواية ورجولة ووسيلة لإثبات المواقف ، ونرى اليوم ان من قتل لبنان هو الحاكم بأمره وهو الناهي الآمر وتخطى المقولة المعهودة ( قتل القتيل ومشي في جنازته ) الى مقولة ( قتل القتيل ليرحمو). نعم نقتل لبنان لنترحم على لبنان ، نقتل هذا الوطن كل يوم وكل ساعة ، ونحن الشعب الوحيد الذي يعرف وصل الجنّاز بالقداس بالصلاة بالذكر الحكيم ، فمباركة انت ايتها الامة اللبنانية التقية النقية .لقد سقطنا من قاموس الشرف والاخلاق ، وطعنا بكل اسس الادب الاجتماعي والسلوك الحضاري وسط تلك المعمعة تحت عنوان " الحرب " والاستعداد للحرب والوقوف بوجه كل من نراه يفيد بقاء واستمرار السلاح وحملة السلاح ،اسقطنا معيار الوطنية واستبدلناه بعيار البندقية ، وحولنا هشاشة كبريائنا وفشل حبنا للوطن الى انتصار مخجل وعار ، انتصار فئة على اخرى وللأسف طائفة على اخرى ومذهب على آخر ، وهكذا اصبح الانتصار في حرب الهزائم شعارا لنصر مزيف وعلامة فارقة في تاريخ هذا الوطن لا يمحيها موت جماعي ولا ابادة عرقية .
اخي القارئ
لا تسكت بندقية الا وتصرخ اخرى ، ولا يُهدم متراس الا ويُقام آخر ، ولا يهدأ خاطر الا ويخاطر آخر ، ترى اين نحن ؟
في الغابة يزأر الاسد فيسكت الجميع ويطيع ، وفي القبيلة يشير الشيخ فيتحول المسلك كله بالكبير والصغير، وفي الدولة يتربع القانون فوق الكل ، اين نحن ؟
نحن في لبنان، لا غابة ولا قبيلة، لا دولة ولا كيان، لا قانون ولا مؤسسات. انه شيء من لا شيء يحاول ساكنوه خلق معرفة من نكرة . انه لبنان انشودة الاخرس ونغمة الاطرش ، انه صورة الاعمى وميدان الكسيح . انه لبنان ، النثر والشعر والخيال في الرصاص والقتال والتفرقة والبعد ، في الحب عن بعد والتلاقي عن بعد ، سئمت الوصف وسئمت تلوين الحقيقة لأجعلها كذبة لأننا تعودنا ان نصدق الكذبة ، فيا ليت لبنان كذبة ليهون علينا تصديقها .
اخي القاريء
شيخ من هنا وآخر من هناك وكأنه لا يكفينا رجال السياسة ولا طلاّتهم المقشعرة للابدان . منبر هنا وصدى الآخر يلاقيه لتتكسر الكلمات وتنصهر وتخرج في لغة حجرية ، وبأفكار خشبية من خلال جدل بيزنطي لا يحمله سوق عكاظ ولا نخاسة القرون الوسطى .
ماذا تريدون ؟
في طرابلس ، في صيدا ، في البقاع والهرمل والجنوب في كل مكان من ( هذا الوطن المشاع) ،ماذا تريدون ايها اللبنانيون ؟
محاربة اسرائيل؟ تفضلوا ولما الانتظار، فالطبول شغالة والحناجر مستعدة.
محاربة النظام السوري ؟تفضلوا ،فاليوم هو افضل وقت لمحاربة البعث والاسد
دعم النظام السوري ؟تفضلوا وهو اليوم بأمس الحاجة الى اي دعم ممكن .
محاربة بعضكم بعضا ؟ تفضلوا ، فانتم اليوم في افضل حالة من انقسام وبُعدٍ وقلة احترام ووطنية .
ماذا تريدون ؟
بناء الدولة اللبنانية ؟ تفضلوا ، وهي اليوم بأمس الحاجة الى الاخلاص الحقيقي واليد العاملة الغير مأجورة .
فاذا كنتم لا تريدون محاربة اسرائيل ولا تريدون مقارعة النظام السوري كما تقولون في سياسة النأي بالنفس ، ولا تريدون دعم الشعب السوري ، ولا محاربة بعضكم بعضا ، فلماذا السلاح اذا ؟
ان بناء الدولة لا يتطلب سلاحا الا سلاح الدولة ، فلماذا التمسك به ؟ فاذا كنتم تعتقدون بان سلاحكم هذا سيدمر اسرائيل او سيردعها فانتم حتما مخطئون. ان من يردع اسرائيل هو الدولة فقط والوقوف بوجهها ومقارعتها من دولة لدولة ضمن الشرعية الدولية ومؤسساتها شئنا ام ابينا .
ان مقولة ان السلاح لحماية لبنان قد سقطت منذ السابع من ايار وتوجهه الى الداخل ، ومنذ ذلك الحين وانتم يا اصحاب السلاح تسعون الى التبريرات والاعذار ولكننا نقول لكم لقد سقط سلاحكم نهائيا من معادلة حماية لبنان بعد الاحداث التي عصفت بالشمال اللبناني . الحقيقة تقال وبصراحة تامة ، لو استعمل هذا السلاح بعد تعديات النظام السوري على الارض اللبنانية وانتهاكه لحرمتها وكرامة شعبها ، وبعد الاعتداء على الناس وقتلهم ، اقول لكل لبناني ولكم : لو استعمل هذا السلاح لحماية الشمال لكنتم ربحتم الرهان وانحنينا احتراما لكم ولسلاحكم ولاستراتيجيتكم الدفاعية ولكل ما تنادون به . نعم لقد فوّتم عليكم فرصة اسكات كل الاصوات المعارضة . من هنا نقول لكم ان هذا السلاح هو مُسيّر ومستأجر لأغراض واهداف خارجية ولخدمة الثورة الاسلامية الإيرانية ودعم وحماية النظام السوري وامتداده في لبنان . لم تجرؤوا على استعماله في الوجهة الصحيحة ، وسقط وسقط معه رهانكم وسقطت شعاراتكم .
نعم صديقي القارئ ، نهنئ انفسنا لما وصلت اليه مصر وتونس وليبيا واليمن ونهنئ انفسنا باننا نحن العرب خطونا خطوة بالتجاه تثبيت " الأنا " ، انا مواطن عربي في دولة عصرية وديمقراطية ترعى حقوق الانسان ، نهنئ انفسنا بالتضحيات الكبيرة التي قدمتها هذه الشعوب ولا تزال وخاصة الشعب السوري العظيم ،وفي المقابل نهنئ انفسنا نحن اللبنانيين بتبعيتنا للزعماء وسوقهم لنا وكأننا ارقام انتخابية ، نهنئ انفسنا على اننا اللغز الوحيد الذي لا يفهمه قارئ ولا يفقه فيه محلل .
عزيزي القارئ
ها قد جلس المحاورون وبدأ الكلام، واي كلام يوصل الى نتيجة طالما ان حزب الله لا يزال متمسكا بشعاراته وبمقولته ( الدفاعية). فاذا كانت هذه الاستراتيجية هي ضد إسرائيل فقط وعدوانيتها ، نقول : لقد اعتدى النظام السوري علينا أيضا فلماذا لا يسعى البعض الى التسلح لحماية لبنان من سوريا او تركيا او الفلسطينيين (المرتزقة الراديكاليين)  مثلا ضمن استراتيجية دفاعية اخرى ؟ ان احتفاظ حزب الله واعوانه باستراتيجية مسلحة خاصة ، ستفرض هذه الاستراتيجية تسلحا وسنرى سلاحا سنيا ودرزيا ومسيحيا وووو. ان الخلاص الوحيد هو ببناء الدولة واللجوء الى مؤسساتها البرلمانية والدستورية وترك الامور الدفاعية للقرار السياسي الحكيم. كفانا لعبا وكفانا كذبا وكفانا مراوغة لقد شارفت اللعبة على نهايتها فإما لبنان المؤسسات واما الفوضى ، فلنستغل الوقت الضائع لمصلحة الوطن الضائع.