الجمعة، 24 فبراير 2012

المتلاعبون بالعقول

منذ القدم ونظرية المؤامرة تأخذ حيزا كبيرا من اهتمام عامة الناس في المتابعة والتحليل والحديث عنها بكل ما تملكه من حدس وتبصر وفهم لهذه النظرية. قرون مرت ولم تزل ، ذات الكلمات وذات العبارات في نعت شيء ما لتشتيت الانتباه عن موضوع كان يُراد له ان يُستّر وان يُخبأ . لقد كانت وما زالت نظرية المؤامرة من انجع الطرق واسهلها في اقناع الناس بخط او بنظرية او بموقف ، ولعل الامعان في شرح النظرية وتفصيلها وتبسيطها هو الضرب الصحيح في المكان الصحيح لجعل الباطل حقا ، والكذب حقيقة والخطأ صحيحا .
كانت المؤامرات في العهد القديم تدور رحاها في قصور الملوك والقياصرة ، وكانت تدور غالبيتها حول خلافة هذا الملك او هذا القيصر وابعاد هذا وتقريب ذاك ، ولعل المحور الرئيسي لتلك المؤامرات كانت الخيانة " خاصة خيانة النساء " وهي السبيل الوحيد والاسرع لتغذية الفتنة قبل الخيانة الوطنية ، او خيانة الملك بإفشاء بعض الاسرار او المعلومات . اذا كانت نظرية المؤامرة تعتمد بالدرجة الاولى على " الخيانة" وما على صانع المؤامرة ومُنتِجها الا انتقاء الخيانة الملائمة لها والسير فيها . اضف الى ذلك ان التنفيذ يتطلب عنصرا على درجة محدودة من الذكاء وذلك ليسهل اقناعه اولا ومن ثم يأتي دوره لمساندتها والترويج لها ولتبنيها بمقولة " قيل وقالوا " . ان هذا العنصر يجب ان يكون ايضا من عامة البلاط الملكي اي من درجات الدنيا في السلم التراتبي للحاكم " الملك او القيصر او الزعيم او الرئيس " ، وهذا العامة "البلاطي " يمكنه ان يكون من العامة الشعبية اي انه يستطيع ان ينحدر وينزل الى مستوى الشعب العادي البسيط ليبذر وينشر تعاليم البلاط العلوي ويتابع العمل ليتأكد من نجاح الفكرة وليتأكد من زرعها في تربة صالحة ضمن ادمغة متحجرة فاقت القرون الوسطى حماقة وسذاجة . اننا نرى هذا المشهد كثيرا عندنا في لبنان وفي الشرق عامة ، خاصة لدى الأنظمة الديكتاتورية والاحزاب العقائدية حين يسخّرون حناجر عديدة لنشر ما يريدون وسط العامة من خلال المساواة المؤقتة بين الحاكم والمحكوم .
ان نجاح بث المؤامرة يتطلب العنصر الثالث بعد  التهمة ( الخيانة ) ، والمنفذ اي (رسول الحاكم او البلاط العلوي ) ، انه المصدر ، اي مصدر المؤامرة ،( الجهة المصدرة للمؤامرة ) ويجب ان تكون عالية وعلى مستوى البلاط الملكي فلا يجوز التكلم عن مؤامرة آتية من طبقة سفلى ، فهذه الطبقات لا يمكنها ان تحيك مؤامرات ولا احد يصدق انتاجها ،" تصور عزيزي القارئ ان يأتي احد نواب البلاط العلوي في لبنان او سوريا او العراق ويقول ان الصومال او مدغشقر او النيجر تهدد امننا وتتآمر على بلادنا ، ربما " سيلاحقونه بالبيض او البندورة " ولن يجد آذان صاغية ولكن ان ادعى ان المؤامرة آتية من فرنسا او بريطانيا او اميركا فهذا حديث آخر بالطبع وستأخذه الجماهير على محمل الجد .لذلك نرى ان المنتج للمؤامرة او المصدر هو عنصر اساسي ويجب ان يكون قويا وقاسيا وله القدرة على زرع الخوف والريبة وان يكون متوحشا لا يعرف الرحمة وهذا ضروري حتما للملمة صفوف العامة ورصّها وتجهيزها للوقوف في وجه عدو شرس وغاشم . ( لقد رأينا هذه الحالة في النظام الشيوعي حين كانت المؤامرة تتجه لتأليب الشعب على البلاط اي الحكام ، وكانت (الرأسمالية ) وكل من يقترب منها او يغازلها يعد خائنا ، في حين ان الغرب كان يعتبر ان مصالحه القومية هي هدف الانظمة الراديكالية وليس النظام لان الديمقراطية هي النظام نفسه " تداور الحكم " وان كل من يقترب من الشيوعية يعتبر فاقدا لشرعية المواطنة الصالحة ). ان بقاء هذه العناصر الثلاثة هو شرط لاستمرارية المؤامرات الواحدة تلى الاخرى  ، آلاف السنين وآلاف المؤامرات تنتهي الاولى لتظهر الثانية وهكذا حتى يومنا هذا فلا البلاط المُسيطِر تغير ولا تحضرت العامة ولا نضب نبع المؤامرات او تراجع ، وستبقى هذه النظرية قائمة الا في حالة واحدة وهي نضوج العامة وتقديرها لحاضرها وقدرتها على اخذ العبر من الماضي وعلى امكانية رؤية وفهم الخطوات الواجب اتخاذها من اجل غد افضل ، عندها تنتهي نظرية المؤامرة لأنها لم تعد قادرة على المرور او التسلل عبر ادمغة نُظفت من رواسب البلاط العلوي ومن ينابيع المؤامرات المزيفة .
لا اريد العودة الى الوراء كثيرا، فنحن نعرف الاوضاع التي سادت الوطن خلال السنوات الماضية ولكنني اريد الانطلاق من سبعينيات القرن الماضي عندما بدأت الحرب في لبنان على اساس نظريات المؤامرات المتعاقبة والمتتالية والتي حيكت على نفس طريقة مؤامرات البلاط الملكي والقيصري للقرون الوسطى ، ويؤسفني القول ونحن في عصر الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، يؤسفني القول اننا ما زلنا نستسلم لجاذبية المؤامرة وننقاد اليها بقوة ساحر ، وكم نعجب عندما نرى اناسا على قدر عالي من الثقافة والرقي يجلسون وينصتون بكل ما شُحنوا من هيبة التبعية والانجرار لمن يُركّبَ في عقولهم مؤامرة هو ليس بمقتنع بها . انهم القوم الذي يمثل الوقود لهذه المؤامرة ولاستمرارية ذاك الوقاد ، الهادي والمسيّر ، وضامن الآخرة المنشودة لهم ، مع العلم بان غالبيتهم على دراية ببطلان ادعاءاته وبأكاذيبه ، ولله العجب يقبلون ، ويسيرون ويؤيدون ويباركون . شعب أعمته الطائفية واثارته المذهبية ، وطعنَ بكل آداب المخاطبة والحوار وأخذ المؤامرة عنوانا ومضمونا ونتيجة .
ان تثبيت نظرية المؤامرة يتطلب جهدا كبيرا ونهجا مبرمجا ودقة متناهية لأكثر من حنجرة واكثر من ديوان ، وهذا يأخذنا الى اهمية اختيار المتكلم " الخطيب " الذي يلامس الجماهير بأنامل اللغة الحريرية اللطيفة ويوقظ فيهم حس الثورة للتصدي والصمود في وجه المتآمرين ، وهنا يلعب عنصر التشويق ( الانشائي والنفسي ) دورا بدفع المستمع الى المتابعة الدقيقة وحرصه المتناهي على سماع كل كلمة من امثولة التصدي وبالتالي تكمن بديهة وخاطر وحكمة الخطيب  في جعل المستمع متعطشا لسماع المزيد ولانتظار المزيد في مكان آخر وفي مرحلة اخرى وفي درس آخر . ولا بد ايضا من ذكر المشاركة الفعلية التي يُجرّ اليها المستمع ليؤَكدَ له انه صاحب البيت وانه المحرك الحقيقي في كشف المؤامرة اولا وفي التصدي لها ثانيا ، وهذه هي اهمية اللعب على وتر المساواة بين البلاط العلوي والطبقة السفلى ،( انها مساواة وهمية تنتهي بانتهاء الهدف منها ويعود كل الى موقعه) ،في المشاركة باكتشاف المرض " المؤامرة "، والمشاركة بإيجاد العلاج " الصمود والتصدي " ، والمشاركة في نشر تعاليم الصمود واسسه ومنافعه " الاستمرارية والمتابعة" وبذلك نرى ان الذين يحكمون بنظرية المؤامرة هم انفسهم من استوردها ومن سوقها ومن دعا  للتصدي لها .
منذ الثورة العربية الكبرى والمؤامرات تحاك لسلب العرب ما ليس بحوزتهم ، وهم يتصدون ليحموا ما ليس عندهم .  تصدوا لمؤامرة اقامة الدولة العبرية وهم من ساعد اليهود على اقامة هذه الدولة ، فكانت المؤامرة ان يبقوا في ارضهم وقراهم لإبادتهم فافشلوا هذه الفكرة عبر النزوح الى البلدان المجاورة للبدء بالتصدي ولا تزال هذه المؤامرة سارية المفعول حتى اليوم .  من جهة ثانية كانت الانظمة العربية كلها تتصدى للمؤامرة الغربية والتي هدفت الى سرقة اموال الجماهير العربية ، فتصدت لها انظمة البلاط العلوي وهربت الاموال بسرعة الى تلك البلدان وبذلك ضربت ضربتها القاضية واثبتت للجماهير بانها لم ولن تفرط بدولار واحد من اجل طمأنة الشعب ليستمر بموجبات الدفع والعطاء . هكذا تهلل العامة لهذا الصمود ويبقى النظام قابعا فوق الرؤوس ويدوس على الاجساد والنفوس من اجل حماية الجماهير وحماية الاوطان .
الغريب في الامر ان لغة المؤامرة لا تُسمع الا عند الانظمة العسكرية الديكتاتورية والاحزاب العقائدية وهذا ما انعم الله علينا به في لبنان وفي شرقنا العزيز . ان جميع الأحزاب عندنا وخاصة اليسارية منها لا زالت تطبل لنظرية المؤامرة ، تعددت اهداف هذه المؤامرات وبقيت نفسها تلبس ثوبا وتقلع آخر لتلبي متطلبات الساحة والساعة " بدءا من مؤامرة التقسيم ، الى التوطين ، الى تهجير المسيحيين الى اسلمة لبنان ، الى قضم لبنان من سوريا ومن ثم الى احتلال لبنان من قبل اسرائيل الى ما لا نهاية من مؤامرات ومكائد ". كانت توزع الادوار فتارة يدعي اليسار بالمؤامرة وتارة اخرى يقوم اليمين بالدور ذاته ، والجماهير لا تدري من اين اتت هذه المؤامرات فيتصدون لها بكل قوة ، وهنا تكمن خطورتها بانها مجهولة المصدر ومجهولة الهوية والشكل والمضمون ولكنها معلومة النتيجة وواضحة الاهداف بضرب كل من يغرِّد خارج السرب الحاكم . هذا هو حالنا اليوم مع احزابنا الوطنية المحترمة والتي لا تزال ترهبنا بحجج المؤامرة وتسعدنا بقدرتها على التصدي لها .
القاريء العزيز
الغرابة في الانظمة الحاكمة بانها تعترف فجأة بالمؤامرة الآتية اليها بعد سنوات من الحكم المستبد والظالم ، فاذا طالب الشعب بالحرية فهذه مؤامرة ، واذا طالب بقليل من الديمقراطية فهذه مؤامرة ، واذا طالب بأبسط حقوقه فهذه ايضا مؤامرة ، ولان التصدي للمؤامرات هو من صلب مهمات الانظمة نراها تضرب شعبها بيد من حديد دون هوادة ودون رحمة ومن دون رادع وكل هذا من اجل حماية الوطن من المتآمرين والمهم ان يسلم النظام القائم . وبعد كل هذا نجد ان قسما من العامة يؤمن من جديد بنظرية الوطن الجديد المنبعث من غبار معارك الشرف والكرامة والتصدي وعلى صورة نفس الحاكم السابق ." رحم الله القائل: فالج لا تعالج "
لا اريد ان اقارن بين هذا وذاك ، ولا التفضيل بين سيء واسوأ ، ولا بين جيد وافضل ولكني اريد ان اقلب الادوار في طرح معادلة بسيطة تحدث من وقت لآخر. اذا سلكت ايران طريقا مغايرا كما كانت عليه قبل الثورة الاسلامية عام 1979 ضمن صفقات معينة بين بيع وشراء، من نفط الى برامج نووية الى اذرع قتالية او الى امتيازات اقليمية (افغانستان او العراق وربما البحرين ) وانتهجت ايران نهجا غير عدائي مع اسرائيل " ولن اقول تحالف " ، فماذا سيحصل بنظرية المؤامرة عندنا في لبنان وسورية ؟ وكيف سيطل علينا خطيب التصدي والصمود؟ هل سيمدح ليبرمان ويهاجم احمد الطيبي ؟ وهل سيغازل اوباما ويلعن شافيز؟ ام انه سيحاول العثور على منبع جديد للمؤامرة غير الغرب واسرائيل ، وربما سيتحول الى الصين مثلا على ان تعدادها السكاني يسمح بالقول بانها مصدر المؤامرة وليفتش من يريد بين اكوام البشر ليعثر على الراس المدبر ؟. من ناحية اخرى ونحن على ابواب فصل جديد من الحكم السوري ، اني اتساءل ماذا سيكون مصير العلاقة المميزة بين النظامين ؟ وهل ستبقى كما كانت ام ستتغير وتعدل لتصبح بين دولتين ؟ وهل سيغير لبنان نهجه تجاه السلم العام في الشرق اذا ما غيرت سوريا الجديدة اتجاهها ؟ وهل سيرضى الحاكم اللبناني بالتوجه السوري الجديد ام انه سيقاومه ويرفضه ؟ واذا ما سلمنا جدلا باتفاق سوري- اسرائيلي ، فهل سيتبعه اتفاق لبناني – اسرائيلي ام انها ستكون مؤامرة جديدة على لبنان وسوريا معا وسيهب حماة الثورة عندنا لإنقاذ ما تبقى من صمود وتصدي من اجل " القضية " ؟ والسؤال الاهم في هذه المرحلة : ما هو مصير حلفاء النظام في لبنان بعد وصول الرئيس السوري الى مقره الجديد في سيبيريا – ستالين ؟ هل سينقلون المشهد السوري الى لبنان وبالتالي سيُرَحبْ بهم في سيبيريا ايضا ؟ ام سيقتنعون بأن الوطن يتسع للجميع وان الدولة هي الخيار الاصح؟
عزيزي القاريء
حاولت ان اضع بين يديك نسخة من اسلوب السياسة اللبنانية الفذة  وعينة من السياسيين الحكماء الذين يقودون هذا الشعب باسم المؤامرة ، هذه المؤامرة التي تحولت في الآونة الاخيرة الى مشروع ( منه الامريكي والسعودي والايراني والتركي ناهيك عن المشروع القديم الجديد الصهيوني ) وكل ما عليك فعله اخي القارئ هو اختيار مؤامرة او مشروع يناسبك وسياسي تركن اليه ومتراس جيد لتبدأ منه بالتصدي والصمود والقتال لان قاموس التحالفات والتغيرات غني بالمفردات المتنقلة هنا وهناك ، والله مع الصابرين .


الاثنين، 13 فبراير 2012

الدروز،،،ولاء وعطاء

                                   
انه غني عن التعريف وغني عن الكتابة ، فكل مواطن في الشرق بل في معظم انحاء العالم يعرف تاريخ الدروز ويدرك تماما مواقفهم الوطنية والدينية وحبهم للأرض وتعلقهم بها وحفظهم للكرامة الشخصية ومرتبة الاخوان المقدسة . نعم وبكل فخر نقول انهم جبلة من الوفاء والولاء والمواقف المشرفة .
اخي القاريء
بالعودة الى التاريخ الدرزي المعاصر نتوقف عند الظاهرة الفريدة التي ميزت مواقف الدروز اينما وجدوا. انه الولاء المطلق للدولة التي يعيشون فيها وبذل كل غالي من اجلها ومن اجل صون ارضها وحدودها وهذه هي الميزة التي حفظت الدروز في كل مكان تواجدوا فيه رغم الحواجز الجغرافية احيانا ( كما الحال مع دروز اسرائيل ) ورغم الحواجز الحزبية والسياسية احيانا ( كما الحال مع دروز سوريا ) ، ولكن اثبت الدروز في نهاية الامر ان ما يصيب احدهم يصيب الجميع وهذا ما وثقته الاحداث التي طبعت التاريخ الدرزي منذ عام 1860 وحتى ايامنا هذه .
ثلاثة تجمعات درزية توزعت على ثلاث دول متجاورة في حالة حرب احيانا وحالة انقطاع احيانا اخرى والتواصل بينهما خاضع لشروط معقدة .
دروز اسرائيل ، اعلنوا وبكل وضوح وبما لا يقبل الشك ابدا ، ولاءهم للدولة الاسرائيلية منذ نعومة اظافرها ، واعلنوا انهم جزء لا يتجزأ من هذه الدولة يقومون بواجباتهم ولهم كامل حقوقهم  وبغض النظر عن مدى حصولهم على هذه الحقوق ثبتوا مكانتهم بالدولة وثبتوا في ارضهم وقراهم في وقت كان فيه السكان الفلسطينيون يغادرون وينزحون خلال حرب 1948 وبعدها . منذ ذلك الحين والدروز يحملون راية البقاء والصمود في ارضهم والبندقية للحفاظ على دولتهم، عملوا على تثبيت اقدامهم وانخرطوا في المجتمع الاسرائيلي بإرادتهم وقوة عزمهم واثبتوا انهم اهل للثقة دون الرضوخ لأية عوامل خارجية وعدم تأثرهم بما كان يدور من حولهم بل اخذوا القرار المناسب لبقائهم واستمرارهم .ان ما يميز دروز اسرائيل عن اخوانهم في لبنان وسوريا هو طابعهم السياسي الديمقراطي ضمن اللعبة السياسية والحزبية الاسرائيلية ، تحلقوا حول زعيم روحي كلمته كلمة ورايه امر وخاطره مصان ولا عودة عن قبوله والعمل بموجبه منذ البداية وحتى وفاته ، كان الشيخ امين طريف "رحمه الله" الراس الديني التوحيدي الموحد الجامع لدروز اسرائيل بل تعدت خواطره الحدود وبات رمزا دينيا ونذرا وفيا للطامح للراحة الدينية والرضا والرحمة الالهية . لم تكن لهم زعامة سياسية تقليدية كما معروف لدى الاخرين وذلك للديمقراطية الاسرائيلية التي اعطت حق التقدم والترشح والتحزب والاختيار لكل مواطن درزي فيها .
خلال حرب الجبل في لبنان 1983 هب الدروز في اسرائيل لمساعدة اخوانهم في لبنان على ما كانوا هم بصدده وليس لفرض راي مع هذا او ذاك ، فقط قدموا المساعدة ليتمكن دروز لبنان من تثبيت خيارهم والوصول الى مبتغاهم وهدفهم ، وهذا كان قمة العطاء والوفاء وقمة الديمقراطية الصحيحة بعدم التدخل بشؤون الطائفة في لبنان فهم ( اي اللبنانيون) ادرى بالحال التي يمرون بها وهم ادرى بالحاجة التي يريدونها وهكذا انتهت تلك الامور بالطريقة الصحيحة وجازى الله الخيريين وباركهم .
من جهة اخرى اثبت دروز سوريا ايضا بزعامة سلطان باشا الاطرش (رحمه الله )بانهم قوة لا يستهان بها  وانهم ركيزة من ركائز الاستقرار ليس في سوريا فحسب بل في الدول المجاورة ايضا ، فكانت ثورة 1925 لتبرهن للقاصي والداني بان الوعد الدرزي هو وعد ولو كلف مئات بل آلاف الشهداء وان الولاء الدرزي للأرض والوطن لن تثنيهم عنه فوائد ولا مصالح فكانت فرنسا وبريطانيا وايطاليا والغرب ، كانوا كلهم باعتراف كامل وجلي بقوة باس الدروز ووفائهم لمبادئهم ولأوطانهم ،اضف الى ذلك قادة الثورة العربية الكبرى وابان الحرب العالمية الاولى والثانية ورجال التاريخ كلهم اقروا بان الدروز كانوا و سيبقون الحجر الاساس في بناء الدولة السورية بغض النظر عن نظامها السياسي او خطها العقائدي ، فكان الدروز دائما الى جانب من يروه مناسبا لقيادة الامة بكافة طوائفها ومذاهبها ، من هنا جاء الدعم للرئيس حافظ الاسد قبل دعم نظام البعث فكانت النتيجة رد قاس على ابطال الدروز الذين ساندوه وعلى راسهم سليم حاطوم ورفاقه ، ومحاربة السلطان باشا بشتى الوسائل للحد من نفوذه على قيادة الدروز وبالتالي نزع الصفة الدرزية عن جبل الدروز وتسميته "بجبل العرب " . بالرغم من كل هذا بقي الدروز موالين للدولة واجهزتها وانخرطوا بكل قناعة ووفاء بالجيش وحاربوا اسرائيل وجيشها بمن فيهم الدروز ايضا كما فعل دروز اسرائيل بالمقابل وهذا يثبت مرة اخرى ولاء الدرزي لدولته اينما وجد . الجدير بالذكر ان بعد وفاة سلطان باشا الاطرش لم تتجدد اية زعامة درزية سياسية او عائلية في جبل الدروز وبقيت زعاماتهم محلية عائلية على نطاق ضيق ومحصورة دينيا ورسميا بشيخ عقل الطائفة .من هنا يمكننا القول بان التقارب من دروز لبنان كان ضروريا وحاجة ملحة لصالح الجميع وهذا هو "بيت القصيد " الذي لعب عليه الرئيس حافظ الاسد لاستمالة الدروز اليه ،  بتأييد اعمى ومطلق باستعماله الزعامة الدرزية اللبنانية لإقناع الى حد ما  دروز سوريا ودفعهم الى القبول دون اي تحفظ بما كان يراه الاسد مناسبا له قبلهم ولحزبه قبل الدولة . ان انقطاع دروز سوريا عن دروز اسرائيل بعد عام 1948 وعن بعضهم البعض بعد عام 1967 دفعهم الى دروز لبنان اكثر ، البعد الطبيعي لهم ، لشد اواصر العلاقة الدينية والاجتماعية والسير في خطى المصير المشترك بينهما ، لذلك نراهم الآن يعيرون انتباها واحتراما شديدين لكل ما يصدر عن دروز لبنان ويحاولون ان يكونوا جزءا من الاستراتيجية المشتركة لكلا المجموعتين .
ان دروز لبنان وهم التجمع الاكبر في الشرق الاوسط ولهم باع طويل في كل مجالات الحياة منذ عهد الامير فخر الدين وحتى يومنا هذا . انهم بدون شك الزعماء الحقيقيون من الناحية التاريخية ، لذلك دأبوا منذ البداية على رسم لبنان الوطن الاول والاخير لهم في مواجهة الموارنة الذين يملكون نفس الرؤية التاريخية بالنسبة الى الوطن الام – لبنان - . من هذا المنطلق كانت الخلافات المتعددة بين الطائفتين منذ 1860 والتحالفات بعدها ، ومرورا بعهد الانتداب ومعركة الاستقلال التي خاضها الدروز بكل شرف وكرامة وولاء للوطن الى جانب إخوانهم المسيحيين والمسلمين .
اخي القاريء
لست هنا بوارد كتابة تاريخ الدروز ولست بمؤرخ ولا بموثق ، بل جل ما اردته هو تسليط بعض الضوء على بعض من مواقف الدروز في مختلف اماكن تواجدهم . ازاء هذه المعطيات الا يجدر بنا التوقف والتأمل واخذ العبر والدروس من كل ما جرى سابقا والاحتفاظ بالحد الادنى من القرار الصحيح والموقف الحكيم بما يخص الدروز ؟
لا يخفى على احد بان نظام البعث في سوريا كان ولا يزال يكن العداء للدروز وهو يتحين الفرص لضرب هذه الطائفة او ضرب رموزها ، فكانت البداية بعد انقلاب الاسد في السبعينات وازاحة كل من كان في طريقه او يشكل تهديدا او ازعاجا لنظامه فتخلص من الكثيرين من ضباط وناشطين دروز، ومن ثم الى حصار سياسي وطائفي واجتماعي لدروز الجبل وعدم السماح لهم بالتواصل الحقيقي مع اخوانهم في لبنان ، ولا ننسى لدخول القوات السورية الى لبنان ومحاربة الدروز عام 1976 واغتيال الزعيم كمال جنبلاط لاحقا عام 1977 ، بالرغم من كل هذا بقي دروز سوريا ملتزمون بقرارات دولتهم وبمبادئهم ولم يتدخلوا ابدا لا ايجابا ولا سلبا بمجريات الامور في لبنان ولا بقرارات الطائفة الدرزية فيه .كذلك الامر خلال الحرب الاهلية وحرب الجبل لم يكن لدروز سوريا اي تدخل سياسي او طائفي في تلك الاحداث ولم نكن نرى ابدا زعماء دروز من سوريا يحاضرون عندنا عن هذا او ذاك ولا يفضلون هذا على ذاك .
اخي القاريء
خلال حرب الجبل وبعدها بانت قوة التدخل الدرزي من اسرائيل في قلب الموازين في تلك المرحلة ، وبعد ان وضحت الصورة للقيادة السورية عن مدى قوة الدروز وتأثيرهم على المستوى السياسي والعسكري والاجتماعي على جيرانهم وبعد انسحاب اسرائيل من لبنان وخلو الساحة اللبنانية لها ، اخذت القيادة السورية قرارا بزعزعة قوة واستقرار الدروز في اسرائيل والضرب على ادق وتر في حياتهم وهو الوتر العسكري بالدعوة اليهم لعدم الخدمة في الجيش الاسرائيلي . لم تعط هذه المحاولة ثمارها المطلوبة وفشل هذا التدخل مع العلم اليقين بان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط والذي اجبر بطريقة او بأخرى على القيام بهذه المهمة قد عرف فعلا كيف يوصل رسالته هو الى دروز اسرائيل وهي المتابعة بما يرونه مناسبا لهم وعدم الاصغاء الى احد حتى وان كان وليد جنبلاط نفسه، كذلك اثبت دروز اسرائيل بانهم ادرى من غيرهم بوضعهم وبمصلحتهم العليا وبانهم جزء لا يتجزأ من دولتهم دولة اسرائيل وانهم بحكم وجودهم في دولة ديمقراطية تنعم بحرية الكلمة والراي عرفوا فعلا بانهم مطالبون بالبقاء يدا واحدة وقوة واحدة لان دورهم سيستمر تجاه اخوانهم والقادم على الدروز اشد مرارة من الذي مضى.
ان اية مثالثه في المشهد الدرزي ستبوء بالفشل الذريع ، ولا ادري لماذا لا يرى البعض هذا الامر في لبنان ، ان الدروز ومنذ انطلاقتهم السياسية والحزبية والاقطاعية اثنان لا ثالث لهما : الجنبلاطية والارسلانية وستبقى كذلك مهما تغيرت الاسماء من حزب اشتراكي الى حزب ديمقراطي ، فلا دروز في اليمين كله ولا في اليسار كله وكما يقول المثل العامي : " اجر في الفلاحة واجر في البور " ولن تكون هناك رجل ثالثة ابدا وليعلم ذلك من يعنيه الامر واقصد هنا الاستاذ وئام وهاب الذي يلعب دورا غير محمود اطلاقا ولا يخدم المصلحة الدرزية بشكل عام وخاصة تجاه دروز سوريا . فلماذا لا ندع امرهم بأيديهم ولماذا لا نتركهم وشانهم بتقرير مصيرهم واعطائهم حرية الخيار دون وعيد او تهديد " ودون سرامي او ميداليات " ، فان هذا التدخل سيؤدي الى عواقب وخيمة على الصعيد الطائفي الداخلي وعلى صعيد علاقة الدروز ببقية شرائح المجتمع السوري واللبناني . لا احد ضد زيارات الزعماء اللبنانيين الدروز الى اخوانهم في سوريا ، وقد شهدنا عدة زيارات للزعيمين وليد جنبلاط وطلال ارسلان ، وبقيا ضمن حدود المنطق والمعقول وضمن احترام خصوصيات الطائفة ، وضمن نطاق الحدود المتاحة للتدخل في الشؤون الداخلية اجتماعية كانت او سياسية ، حبذا لو يدرك السيد وهاب ان السرماية قد كبرت على قياس رجله وان الحرب بالسرامي قد انتهت وبدأت تنزلق من ساقه .. ويا خوفي من ان تكون سرماية دروز الجبل اشد الما وسطوة من كرباج مخابرات البعث .

الثلاثاء، 7 فبراير 2012

اجوبة(سؤال رقم 1 و2)

عزيزي القاريء
كما وعدت سابقا سأحاول الاجابة على كل الاسئلة التي تردني من القراء حول قضايا تهمهم عن تلك الحقبة من تاريخ لبنان الجنوبي .
السؤال الذي ورد : اي توجه سياسي كان للجيش الجنوبي ؟ وهل صحيح انكم منعتم الاحزاب من مداولة نشاطها الحزبي والسياسي منذ عام 1977 حتى عام 2000  ؟
اخي القاريء
لم يكن تأسيس جيش لبنان الجنوبي ( جيش لبنان الحر) نتيجة لتصور مسبق او تنفيذا لخطة ما او برنامج وكما يقولون عن "سابق اصرار وتصميم" ، بل كان وليدة حالة عفوية وضرورة لحاجة ما .لقد قامت الميليشيا الحدودية كما كانت تسمى في بداية عام 1976 من خلال انتفاضة شعبية ضد تجاوزات المنظمات الفلسطينية بعد انهيار الدولة اللبنانية وفرط عقد الجيش اللبناني وبالتالي اخذت جموع الشباب تتأهب وتتجمع لإدارة شؤونها بنفسها وعلى سلم اولوياتها تأمين الحماية الذاتية للقرى والبلدات من السيطرة الفلسطينية عليها .
كانت الاحزاب اليمينية التقليدية شبه معدومة في المنطقة الحدودية بعد سيطرة المنظمات عليها اثر اتفاق القاهرة وان كل عمل حزبي او ممارسة فعلية للأحزاب المذكورة كان يعد جرما يحاسب عليه مرتكبوه ، وكانت الاحزاب اليسارية تسعى بكل قوة لمنع الاحزاب الاخرى من اختراق ساحتها ، لذلك كانت انطلاقة الميليشيا الحدودية انطلاقة جماهيرية محضة لافتقار المنطقة الى تنظيم حزبي فعال اسوة بباقي المناطق اللبنانية . هذه الانطلاقة التي اتخذت شعار المصلحة الوطنية العليا للمواطن الجنوبي والحفاظ على الكرامة والارض ، لاقت قبولا كبيرا لدى طبقة الشباب الجنوبي الذي ضاق ذرعا بممارسات اليسار وفساد المنظمات خاصة في منطقة مرجعيون – القليعة ،التي ولدت فيها هذه الانتفاضة . عامل آخر ساعد هذه الحركة وقلل من اهمية الوجود الحزبي هو التحاق عناصر كتيبة المشاة الاولى من الجيش اللبناني والتي كان مقرها مرجعيون ببلدة القليعة وباقي عناصر الجيش اللبناني المنحل من المناطق المجاورة بعد صدور مذكرة خدمة عسكرية من قائد الجيش آنذاك في بيروت العماد حنا سعيد القاضية بإنشاء تجمع عسكري في بلدة القليعة وآخر في بلدة رميش ، وهكذا تشكلت نواة الجيش الجنوبي من بقايا الجيش اللبناني وعناصر شبابية من المنطقة الحدودية .اذا يمكنني القول باننا لم نكن ابدا منتمين الى اي حزب لبناني ولم نكن نمارس النشاط الحزبي العادي ، نعم كانت هناك مجموعات تؤيد هذا الخط او ذاك من كتائب واحرار والحزب الديمقراطي الاشتراكي ( حزب الرئيس كامل الاسعد )، ولكنها  -  اي هذه المجموعات لم تكن لتأتمر ابدا بأحزابها بل بقيادة المنطقة الحدودية .
مطلع عام 1977 انتظمت العناصر الحزبية وفتحت قناة اتصال لها مع بيروت اي مع قيادتها الحزبية وبدأت بممارسة النشاط السياسي العلني ولكنها كانت خاضعة عسكريا للقيادة المحلية الى ان حصل ما حصل في صيف 1977 وبالتحديد بحفلة زفاف السيد شكيب سمارة من مرجعيون والذي كان يحسب على الكتائب . حصل احتكاك بين الكتائب وعناصر من الاحرار من سوء فهم بسيط الى اشكال اكبر الى التلاسن والاشتباك بالأيدي وتطور الى حد استعمال السلاح لولا تدخل العقلاء والمصلحين . منذ ذلك الوقت اتخذ الرائد حداد قرارا بمساعدة القادة المحليين بمنع النشاط الحزبي على انواعه في المناطق الحدودية وجعل لبنان شعار الجميع ومن هنا انطلقت تسمية جيش لبنان الحر بعد محاولة تحويل الميليشيا الحدودية الى تنظيم عسكري شبيه قدر الامكان بالجيش النظامي .بقي هذا القرار ساري المفعول حتى الانسحاب من لبنان عام 2000 ولم يسمح ابدا للأحزاب اليمينية واليسارية على حد سواء من ممارسة نشاطها .
اربع محطات حزبية بتاريخ الجيش الجنوبي وكلها باءت بالفشل اذكرها حفاظا على الدقة والحقيقة .
المحطة الاولى كانت عام 1978 عندما ارسلت الجبهة اللبنانية آنذاك بزعامة الرئيس الراحل كميل شمعون عدة مئات من المقاتلين الحزبيين من احرار وكتائب لمساعدة الميليشيا الحدودية بعد توسع المنطقة على اثر اجتياح عام 1978 وقد تمركز البعض في بلدة الطيبة والآخر في كلية مرجعيون الوطنية وسرعان ما ساءت الامور معهم ولم يتقيدوا بالأسس والانظمة المتبعة في المنطقة بعد ان عمدوا الى تفعيل النشاط الحزبي في المنطقة الامر الذي رفضناه وعادوا ادراجهم الى بيروت مع الشكر . الجدير بالذكر ان هذه المجموعات هي التي حملت معها الى بيروت شعار جيش لبنان الحر كتذكار من المنطقة والذي استعمله البعض كغطاء له وللتمويه خلال ارتكابه مجزرة صبرا وشاتيلا  .
المحطة الثانية كانت عام 1984 بعد التحاق عناصر من منطقة كفريا في البقاع الغربي بالجيش الجنوبي ولكنهم بقوا على اتصالهم الحزبي في بيروت ( الكتائب )ولم يتقيدوا بأوامر وتوجهات الجيش الجنوبي بعدم النشاط الحزبي وهذا ما اوقع الخلاف بين هذه السرية التي كان يقودها الحاج "نقولا" وسرية راشيا الوادي التي كان يقودها نبيه ابو رافع وبالتالي ادت هذه الخلافات الى فرط عقد سرية كفريا والحاق عناصرها ببقية قطاعات الجيش الجنوبي وعودة القسم الاكبر منها الى بيروت .
المحطة الثالثة وكانت خلال سنوات التسعينات حين حاول السيد اتيان صقر رئيس حزب "حراس الارز" بتفعيل النشاط الحزبي في منطقة جزين بعد انتهاء مهمة قائد كتيبة جزين " طوني نصار "والذي كان محسوبا على حراس الارز ولكنه قوبل بالرفض من قبل قيادة الجيش الجنوبي وبالتالي غادر جزين لفترة ثم استقر في بلدة دير ميماس الحدودية حيث حاول حراس الارز الامتداد الى منطقة حاصبيا ولكنهم قوبلوا بالرفض من قبل القيادة تنفيذا للقرار الاساسي بعدم السماح للأحزاب بالعمل السياسي والحزبي وبعدها غادر السيد صقر نهائيا الى الخارج .
المحطة الرابعة وكانت عام 1996 حين حاول المقدم نبيه ابو رافع والذي كان قائد اللواء الشرقي في الجيش الجنوبي ( بعد استقالته من الجيش عام 1995 ) والسيد رياض العبدالله مسؤول جهاز امن الخيام ، حين حاولا اقامة حزب سياسي داعم للجيش الجنوبي باسم " الاصل " . بائت المحاولة أيضا بالفشل بعد ما اتهموا بمحاولة انقلاب على اللواء لحد قائد الجيش الجنوبي وغادر بعدها رياض العبد لله الى الخارج في حين عاد المقدم ابو رافع الى الجيش بعد سنتين من الحادثة .
لم يكن جيش لبنان الجنوبي منتميا الى اي حزب في لبنان ولم يكن ابدا مواليا لأية جهة سياسية ، نعم كنا على نفس الطريق الاستراتيجي لبعض القوى في لبنان من مبدأ الحرية والسيادة والاستقلال ولكننا كنا مميزين في هذه المراحل كلها فلم يكن الجيش حزبيا ولا طائفيا ولا مذهبيا فقد انتمى اليه المسيحي والسني والشيعي والدرزي وكانوا جميعا على قدم المساواة بالتضحية وبذل الغالي والنفيس من اجل الوطن .

السؤال الثاني : بعض الناس صنفكم عملاء ، والبعض الاخر قال انكم خارجون على القانون ، وآخرون قالوا انكم اضطررتم لذلك ، وقسم قال انكم فعلتم الصواب وانكم اللبنانيون المخلصون للوطن . من انتم ؟
اخي السائل
انه تاريخ طويل بل انه تاريخ الوطن الصغير المختصر ببضعة سنوات غيرت مستقبل الاجيال كلها ووضعت اكثر من علامة استفهام حول كل مرحلة وكل مفصل من تلك الحقبة .
صديقي ، دعنا نبسط الامور قدر الامكان ونبتعد عن المفردات الفلسفية والكلمات المتقاطعة ، وكما يقولون عدم الاختباء " بخيال الاصبع " . نعم لقد تعاملنا مع إسرائيل علنا – ومن فوق الطاولة – تدربنا فيها وتسلحنا منها ، عالجت جرحانا مدنيين وعسكريين ، حتى ان هذا الامر بالذات تعدى الجنوب الى الوطن كله ،نعم نحن الجيش الجنوبي كنا بتحالف تام ووثيق مع دولة اسرائيل وكان الهدف الاساسي حماية المنطقة الحدودية من سيطرة المنظمات الفلسطينية ثم تطور الامر الى فكرة السلام الشامل بين لبنان واسرائيل . هذا هو باختصار الخط الذي سلكه الجيش الجنوبي مع بعض المنعطفات هنا وهناك لم تغير في النهج ولا المبدأ.
اذا لنبدأ بداية صحيحة واعتقد ان غالبية اللبنانيين لا يعلمون جيدا بتسلسل الاحداث او ان النسيان قد طغى على تلك السنوات وباتت الحقيقة فيها من باب التكهن .
تاريخ 3-11- 1969 ابرمت الدولة اللبنانية بشخص قائد الجيش اللبناني آنذاك العماد اميل البستاني اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة السيد ياسر عرفات واعطت بموجبه حرية التصرف في منطقة شرق نهر الحاصباني " فتح لاند" لشن الهجمات المسلحة على الاراضي الاسرائيلية وسرعان ما توسعت منطقة "فتح لاند" لتشمل معظم مناطق الجنوب الحدودية . هذا الاتفاق اعطى صك ملكية الحجر والبشر لأبو عمار وسائر الابوات الكرام وابتعدت الدولة عن جنوبها وعن ابنائها بل انها باعتهم لقاء ثلاث ليرات لبنانية يوميا مقابل كل مقاتل فلسطيني ومجاهد يصل الى الجنوب لتحرير فلسطين والمقدسات . اذا تخلت الدولة عنا بشكل تام ومباشر وبما لا يقبل الشك ابدا حتى  اذا اراد مواطن ما من زيارة الجنوب عليه ان يستحصل على اذن اولا من المراجع المختصة الفلسطينية ، وهذا من سخرية القدر الذي وضعتنا فيه امنا الحنون .
مطلع عام 1976 انطلق الملازم اول احمد الخطيب من ثكنة حاصبيا ليعلن سقوط الدولة من الجنوب وفرط عقد الجيش اللبناني النظامي وتأسيس جيش لبنان العربي .
صيف 1976 سقطت كل ثكنات الجيش اللبناني بأيدي المنظمات الفلسطينية والاحزاب اليسارية اللبنانية .
 اصدرت قيادة الجيش اللبناني مذكرة خدمة رقم 589 /اع/س بتاريخ 22/3/1976 تقضي بإنشاء تجمع عسكري في بلدة رميش اسوة بتجمع القليعة ليلجأ اليهما العسكريون في المنطقة الحدودية . هذان التجمعان اللذان اصبحا النواة الداعمة للميليشيا الحدودية التي حملت السلاح مرغمة للحفاظ على الارض وبالتالي اصبحت هذه القوات مجتمعة "جيش لبنان الجنوبي " .
التجأ الجميع الى اسرائيل طلبا للدعم والمساندة وخاصة للمواد الغذائية والاسعافات والطبابة بعد الحصار الذي فرضته المنظمات الفلسطينية والاحزاب اليسارية .واذكر هنا كلمة للرئيس اللبناني الراحل الياس سركيس عندما قال : ان انقطاعنا عن الجنوب واهله وتركه يدير شؤونه بنفسه وعدم مد يد العون والمساعدة له ، اهدينا اسرائيل فرصة ذهبية وتاريخية للتدخل في شؤونه وبالتالي بالشؤون اللبنانية والدخول الى قلب اللعبة والمعادلة .
اواخر تشرين اول 1976 وصل الرائد سعد حداد الى المنطقة الحدودية ( وهو ابن بلدة مرجعيون ) عن طريق اسرائيل مرسلا من قبل الدولة اللبنانية وقيادة الجيش اللبناني ليقود الميليشيا الحدودية وبقايا عناصر الجيش النظامي المنحل وبدأ مهامه بعد استلام القيادة من النقيب في الجيش اللبناني غسان حمصي (ابن بلدة برج الملوك ).
حضرة السائل الكريم
اذا كانت الدولة اللبنانية غير راضية على اتصالنا بإسرائيل، فهل كانت لترسل رائدا في الجيش النظامي ليقود المنطقة وعبر اسرائيل ؟ ولماذا لم ترسله بواسطة قوات الامم المتحدة الموجودة آنذاك " قوات الهدنة " ؟ اضف الى ذلك ، ان رواتب عناصر الجيش اللبناني والمساعدات الاخرى للميليشيا كانت تصل الينا عبر وسيط فلسطيني من اقرب المقربين للسيد ياسر عرفات وعن طريق اسرائيل واحد البنوك الرئيسية فيها . فكيف نفسر هذا ؟
هل نحن من بادر الى التحالف مع اسرائيل عنوة ورغم انف الدولة ؟ام هي دولتنا التي قادتنا الى هذا التحالف ليس فقط بغض النظر عنه بل بالدخول فيه مباشرة كطرف رئيسي ؟ اؤكد لك سيدي باننا وجدنا انفسنا في آخر الطابور من المتعاملين مع اسرائيل من اشقائنا العرب ومن اخواننا في الدولة اللبنانية والاحزاب اللبنانية على اختلافها جمعاء .
بعد اجتياح عام 1982  ووصول اسرائيل الى بيروت وخروج السوريين منها والفلسطينيين ، بدأت جحافل المسؤولين اللبنانيين رسميين وحزبيين تصل الى المنطقة الحدودية ومنها الى اسرائيل ، قسم للمحادثات السياسية ، وآخر لأعمال التجارة والسياحة ، وقسم للاستجمام والراحة ، وبكلمة مختصرة " من لم يتعامل مع اسرائيل فليرجمنا بحجر" ، واذا كان سيحاكم كل من تعامل مع اسرائيل فان لبنان كله سيحاكم ، واعذرني عن عدم امكانية سرد اسماء واسماء كبيرة وكبيرة جدا ، ليس من باب الخوف او الكتمان بل من باب طي صفحة الانقسام والتخوين وعدم الرجوع الى ما ليس منه منفعة ، كلهم تعاملوا وكلهم غطسوا حتى راسهم ،،،، والله ولي التوفيق .
بقينا حتى عام 1991 على اتصال وثيق مع كافة اركان الدولة اللبنانية وحتى بعد فشل اتفاق 17 ايار وبعد اتفاق الطائف ، نتبادل الآراء والمعلومات والتطلعات المستقبلية وكنا نضع في كل مرة انفسنا وكل امكانياتنا في خدمة الدولة اللبنانية ، مهما كانت هذه الدولة ومهما كانت توجهاتها وخط سيرها ضاربين بعرض الحائط بعضا من مواقفنا ومبادئنا وكل ذلك في سبيل انهاء وضع قيل عنه انه شاذ او غير صحيح ، وقبلنا رغم تحفظنا على غالبية الاوصاف وآثرنا الاصطفاف خلف الدولة لا الى جانبها ، حتى امر المحتل السوري بوقف كل اتصال معنا اي مع الجيش الجنوبي ، حتى ان الدولة اللبنانية رفضت وبإيحاء، منه استلام منطقة جزين منا عام 1992 كهدية من الجيش الجنوبي وكعربون التزام وولاء للدولة الناشئة الفتية بعد الحرب الاهلية ايام الرئيس الراحل الياس الهراوي . فهل هذا يعني باننا خارجون عن القانون ؟ هل بقاء الجيش اللبناني في جزين وباقي المنطقة الحدودية والامن الداخلي والامن العام والمحاكم المدنية والشرعية وكل مرافق الدولة ، على احسن حال وتعمل كالمعتاد وتتلقى منا الدعم المالي واللوجستي ، هل هذا يعني باننا خائنون وعملاء ؟
ماذا تظن عزيزي القاريء بالذي تعامل مع سوريا ( نظام البعث ) ، هل كان لمصلحة لبنان ؟ وهل هو عميل سوري ام لا ؟
هل الذي تعامل مع ايران كان لمصلحة لبنان ام لمصلحة دينية وايديولوجية "الولاء لولاية الفقيه " ؟ وهل هو عميل ايراني ام لا ؟
هل الذي حمل السلاح مع الفلسطينيين في المخيمات وخارجها كان لمصلحة لبنان ؟ اليس هو عميل فلسطيني ايضا ؟
هل الولاء للعرب وعلى اختلاف طرق هذا الولاء كان لمصلحة لبنان ؟ ام انهم جميعا كانوا عملاء العرب والعجم والتتر والافرنج والسند والسيخ والمغول وما الى ما لا نهاية له من .......
عزيزي السائل
نحن شعب حُرم من كل حقوقه المشروعة , تركته دولته وباعته بأبخس الاثمان ، نحن شعب ابى الا ان يبقى على حريته وكرامته فدفع كل غالي ونفيس في سبيل ذلك ، نحن لبنانيون جنوبيون فخورون بما كنا عليه ، وبما نحن عليه ، وبما سنبقى عليه ، والحقيقة كالروح لا تموت ابدا .